حول سياسة "فصل اليومي عن العام"...
مقالات

حول سياسة "فصل اليومي عن العام"...

ترتفع أصوات كثيرة لتقول إن وظيفة منتخبي الجمهور العربي هي تحقيق إنجازات على صعيد الحياة اليومية، وليس بالضرورة أن يعالجوا مواضيع أكبر منهم لا تأثير لهم فيها. ويقصدون قضية الصراع العربي–الإسرائيلي، والصراعات العربية–العربية. هناك من يتساءل باستنكار: "إذا كانت إسرائيل ترفض سماع صوت العالم كله، فهل نحن، الأقلية الذين نعيش تحت سيادتها، نستطيع أن نؤثر على قراراتها وسياساتها؟".

الجميع يريد حل مشاكل السّكن ومسطحات البناء في القرى العربية، وبدلًا من حلها نشأت في السنوات الأخيرة مشكلة أدهى، وهي الجريمة، التي باتت الخطر الأكبر الماثل أمام مجتمعنا كله، وباتت نسبة عالية من الشّباب تفكر بالهجرة إلى أي مكان في العالم.

ما لا يستوعبه هذا البعض الذي يريد الاهتمام والتركيز على "اليومي فقط"، هو أن هذا اليومي هو من لبِّ السّياسة الكبيرة التي لا يريد الخوض فيها.

تفاخر الوزير الكاهاني بهدم 5000 وحدة سكنية في النقب، وإطلاق يد الجريمة، هو جزء لا يتجزأ من السّياسة الكبيرة والعميقة لهذه الحكومة التي تعمل على جميع الجبهات، وتعتبر العرب الفلسطينيين في إسرائيل جبهة كبقية الجبهات، مع اختلاف وسائل معالجتها.

محاصرة قرانا وإطلاق يد الجريمة جزء من سياسة محاربة شعبنا كله، وليست وليدة إهمال سُلطات محلّية، ولا نتيجة سوء تخطيط في أقسام الهندسة، ولا لانشغال هذا العضو أو ذاك بالسّياسة العامة في الكنيست، ولا بسبب نائب مسؤول مهمل أو عنصري في منطقة ما.
إنها في لبّ السّياسة الهادفة إلى التهجير الصّامت.

ما يجري من اعتداءات على سائقي حافلات من العرب، وأوامر هدم أضعاف ما كان حتى الآن، واعتقالات سياسيّة لأتفه الأسباب وأوهى الحجج للشبان العرب، ليس عابرًا، بل يعكس انزياحًا كبيرًا وجذريًا باتجاه اليمين الفاشي الذي يرى بالعرب، حتى الذين يحاولون التقرّب من السّلطة، خطرًا أكثر من غيرهم.

وقوف العرب موحّدين في التوجّه إلى الكنيست سيكون له أثره الإيجابي على حياتهم اليومية، وسيكون لديهم قدرة أكبر على التأثير بقرار هنا وآخر هناك يتعلّق بـ"حياتهم اليومية".

عندما يتفاخر وزير الأمن القومي بالإشراف على هدم خمسة آلاف بيت عربي في النّقب منذ توليه منصبه في الحكومة، فهو يفصح بوضوح تام إلى ماذا يرمي وما الذي يفكّر فيه، وهذا الهدم لن يتوقّف عند النقب.

من ينتظر من شرطة بن غفير أن توقف جرائم القتل فهو واهم، لأنّ ما يجري هو جزء من سياسة وليس نتيجة إهمال غير مخطّط له. بن غفير يسعى لتحقيق حلمه الكاهاني، والوصول بنفسه إلى رأس هرم السّلطة، ويمهّد لذلك من خلال الظهور بمظهر المخلّص الأوحد من الخطر العربي الداخلي، وليس الخارجي فقط.

من خلال الجريمة المنظّمة ينشغل العرب بأنفسهم، ويسود الإحباط في نفوس أجيالهم الشّابة، على أمل أن يؤدي ذلك إلى موجات كبيرة من الهجرة. هنالك أرقام مقلقة في كل بلدة وبلدة عن أعداد الشّبان وحتى العائلات العربية التي هاجرت أو تخطط للهجرة، وهنالك استبيانات توضح أن حوالي 30% من العرب يفكّرون بالهجرة.

القائمة المشتركة تعني أن نترك انشغالنا بعضنا ضد بعض وصراعاتنا الصغيرة، لمواجهة الخطر الكبير الذي لن يستثني أحدًا. لا يوجد أي استثناء غير مستهدف لأيِّ جزء من أجزاء شعبنا، بغض النظر عن مكان وجوده أو تفكيره وممارسته السّياسية.

في حال عدم وجود مشتركة سوف تنخفض نسبة المشاركين في التّصويت إلى الحضيض، وسوف تنفتح هجمات متبادلة على صفحات التواصل الاجتماعي في محاولات التبرير، وهذا سيزيد من وضعنا العام سوءًا.

لا شك أن أي حكومة مستقبلية في إسرائيل لن تقبل بأن تكون أسيرة بيد النواب العرب، وسوف يتحالفون بكافة الطرق الممكنة من شتى الأطياف ويشكلون حكومة لا تعتمد على العرب.

هذا طبيعي وحقيقي، إلا أن وجود المشتركة ليس بهدف دخول أو تأييد ائتلاف ما، بل هو لفرض حالة وجود كتلة برلمانية كبيرة وواحدة، قادرة على استغلال قوّتها لتحقيق المكاسب اليومية التي يريدها الناس، أو إحباط قرارات تضر بالعرب.

وكي لا يأتي من يبرّئ السُّلطات من نهجها العنصري والإجرامي ويقول: "أنتم لم تتوحّدوا ولم يكن همّكم سوى عدد المقاعد".

الشّعور بالوحدة إنجاز كبير بحد ذاته، يرفع المعنويات في ظل ظروف الجريمة والتمييز العنصري المتفاقمة يومًا بعد يوم. هنالك خلافات فكريّة وتكتيكية، وهناك من يتمنى اختفاء هذا الحزب أو ذاك من الحلبة، ولكن أكبر خلافاتنا تتقزّم أمام المخاطر الكبيرة الواضحة المعالم المتربّصة بنا جميعًا.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.