
غسل الأيدي الملطخة بالدم لا يكون بدماء شعوب أخرى
عبر التاريخ، ارتكبت القوى الكبرى جرائم بشعة ضد شعوب مختلفة، سواء عبر الاستعمار، الإبادة الجماعية، أو الاحتلال، واليوم بينما تحاول بعض هذه الدول التغطية على ماضيها الأسود، فإنها ترتكب جرائم جديدة وتساهم في دعم الاحتلال الإسرائيلي في حرب إبادة ضد الفلسطينيين، وكأنها تحاول محو ماضيها بكتابة فصل أكثر دموية ، إن التغطية على محرقة لا تكون بالمشاركة في محرقة أبشع، والتكفير عن خطيئة لا يكون بصنع خطيئة جديدة.
ألمانيا: لا تُغطى المحرقة بمحرقة أخرى
تتحمل ألمانيا مسؤولية تاريخية عن واحدة من أبشع الجرائم في القرن العشرين، وهي المحرقة النازية ضد اليهود وغيرهم، ورغم أن برلين قطعت خطوات كبيرة نحو الاعتراف بالماضي وتحملت المسؤولية، إلا أن محاولتها التكفير عن جرائمها تحوّلت إلى دعم غير مشروط لإسرائيل، بما في ذلك تزويدها بأسلحة متطورة تُستخدم لقتل الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
إن العدالة لا تعني منح أحدٍ حصانة أبدية لارتكاب جرائم جديدة، ولا يمكن تصحيح جريمة الإبادة الجماعية لليهود عبر دعم إبادة الفلسطينيين ، إذا أرادت ألمانيا محو إرثها المظلم بحق اليهود، فإن ذلك لا يكون عبر تمويل حرب إبادة ضد شعب آخر و حرق الأطفال بقنابلهم التي قصفها الاحتلال على المدنين و النساء في بيوتهم الآمنة المسالمة .
الولايات المتحدة: محو إبادة الهنود الحمر بحرب إبادة جديدة
تمثل الولايات المتحدة واحدة من أكثر الدول تورطاً في الجرائم ضد الإنسانية، من إبادة السكان الأصليين، مروراً بالعبودية، وصولاً إلى الحروب التي دمرت شعوباً بأكملها.
• إبادة السكان الأصليين: تسببت سياسات الولايات المتحدة في قتل ما بين 10 إلى 20 مليون من الهنود الحمر، عبر المجازر، نشر الأوبئة المتعمدة، والتهجير القسري في “درب الدموع”.
• العبودية والتمييز العنصري: تم استعباد الملايين من الأفارقة، وتعرضوا للقتل والتعذيب، بينما استمرت سياسات الفصل العنصري حتى وقت متأخر من القرن العشرين.
• الحروب والتدخلات: من فيتنام إلى العراق وأفغانستان، تسببت الحروب الأمريكية في مقتل ملايين الأبرياء، كما استخدمت الأسلحة النووية في هيروشيما وناجازاكي، مدمرة مدناً بأكملها في لحظات.
واليوم، تواصل الولايات المتحدة سجلها الدموي عبر دعم إسرائيل بمليارات الدولارات، وتزويدها بأحدث الأسلحة التي تُستخدم في قتل الفلسطينيين في غزة و الضفة ، لا يمكن غسل العار الذي لحق بأمريكا بسبب إبادة السكان الأصليين، عبر المشاركة في إبادة الفلسطينيين او منع محاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليون و فرض عقوبات على المحاكم الدولية و منع دورها في حماية العالم من الطغاة.
بريطانيا: تصحيح جريمة وعد بلفور لا يكون بالاستمرار في تنفيذه
بريطانيا هي من زرعت بذور المعاناة الفلسطينية بوعد بلفور عام 1917، الذي منح أرض الفلسطينيين لمجموعة تم استقدامها من شتى بقاع العالم، وخلال الانتداب البريطاني، ارتكبت القوات البريطانية مجازر بحق الفلسطينيين، وسلّحت الميليشيات الصهيونية، وساهمت في تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين.
اليوم، لا تزال بريطانيا داعماً قوياً لإسرائيل، وتوفر لها غطاءً دبلوماسياً في المحافل الدولية، مما يعني أنها مستمرة في تنفيذ تداعيات وعدها المشؤوم، تصحيح هذه الجريمة لا يكون بالاستمرار في مفاعيله، بل بإصدار وعد جديد يعيد الحقوق لأصحابها، وينصف الفلسطينيين الذين يدفعون ثمن هذا الخطأ التاريخي.
فرنسا: لا يمكن تبرير استعمار الجزائر وسوريا ولبنان بدعم استعمار آخر
مارست فرنسا استعماراً وحشياً في العديد من الدول، وأبرزها الجزائر، حيث قتلت أكثر من مليون ونصف مليون جزائري خلال 132 عاماً من الاحتلال، ومارست التعذيب، والإعدامات الجماعية، وطمست الهوية الثقافية والدينية للسكان.
ورغم اعتراف بعض المسؤولين الفرنسيين بجرائم بلادهم، فإن فرنسا اليوم تنحاز لإسرائيل، وتدعم جرائمها ضد الفلسطينيين سياسياً وعسكرياً ، و الاعتذار عن الاستعمار لا يكون بمساندة استعمار آخر، وتصحيح الظلم لا يكون بدعم ظلم جديد أكثر وحشية.
إيطاليا: ماضي الفاشية لا يُمحى عبر دعم الاحتلال
إيطاليا كانت من أبرز الدول التي احتضنت الفاشية، وارتكبت جرائم استعمارية في ليبيا وإثيوبيا، حيث قتلت عشرات الآلاف، واستخدمت الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، وارتكبت جرائم ضد الإنسانية خلال حكم موسوليني.
واليوم، بدلاً من الوقوف مع حقوق الشعوب، تقدم روما دعماً سياسياً وعسكرياً لإسرائيل، متجاهلة أن التاريخ لا يُمحى عبر دعم احتلال يمارس الفصل العنصري ضد الفلسطينيين.
التشيك: من ضحية الاحتلال النازي إلى شريك في الاحتلال الإسرائيلي
كانت تشيكوسلوفاكيا إحدى ضحايا الاحتلال النازي، وتعرضت للقمع والاستبداد، إلا أن الجمهورية التشيكية اليوم هي واحدة من أكثر الدول دعماً لإسرائيل في أوروبا، وتوفر لها الأسلحة والتكنولوجيا المتقدمة.
إن التحول من ضحية للظلم إلى شريك في ظلم شعب آخر هو خيانة للقيم الإنسانية، ولا يمكن تبرير القمع الذي تعرض له التشيك في الماضي، عبر دعم قمع الفلسطينيين اليوم.
الأرجنتين: من جرائم الديكتاتورية إلى دعم الاحتلال
عانت الأرجنتين من حكم الديكتاتوريات العسكرية، التي مارست القتل والتعذيب ضد معارضيها، حيث اختفى أكثر من 30 ألف شخص في السجون السرية.
لكن بدلاً من اتخاذ موقف أخلاقي ضد الظلم، تدعم الأرجنتين إسرائيل، وتغض الطرف عن جرائمها في فلسطين، اذن الدفاع عن حقوق الإنسان لا يكون بالوقوف مع من ينتهكها، وتصحيح أخطاء الماضي لا يكون بالتواطؤ في أخطاء جديدة.
أوروبا: لا يُمحى تاريخ اضطهاد اليهود بمنحهم حق اضطهاد الآخرين
عانت أوروبا من تاريخ طويل من التمييز ضد اليهود، واضطهدتهم في محاكم التفتيش، وطردتهم من إسبانيا وفرنسا، وانتهى بهم المطاف ضحايا للمحرقة النازية، لكن محاولة التكفير عن هذه الجرائم لا تكون بالسماح لهم باضطهاد الفلسطينيين وارتكاب جرائم حرب بحقهم.
بعض الدول الأوروبية، مثل إسبانيا وأيرلندا وبلجيكا والنرويج، بدأت تأخذ مواقف مشرفة عبر الاعتراف بالدولة الفلسطينية ورفض الإبادة الجماعية في غزة، وهذا هو المسار الصحيح لمحو الماضي الأسود، وليس دعم الاحتلال والاستعمار.
جنوب إفريقيا: النموذج الأخلاقي الذي يجب أن يُحتذى
جنوب إفريقيا، التي عانت من نظام الفصل العنصري لعقود، تقدم اليوم مثالاً مشرفاً في نصرة الشعوب المضطهدة، حيث رفعت قضية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، واتخذت مواقف قوية ضد الاحتلال ، هذا هو الطريق الصحيح لمحو الجرائم السابقة: الوقوف إلى جانب المظلومين، لا إلى جانب جلاديهم.
لا تُغسل الأيدي الملطخة بالدم بدماء أخرى
إن محو التاريخ الأسود لا يكون بإضافة صفحات أكثر قتامة إليه، والتغطية على الإبادة الجماعية لا تكون بالمشاركة في إبادة جديدة، الدول التي ارتكبت الجرائم في الماضي أمامها طريقان: إما أن تستمر بارتكاب جرائم بحق شعوب أخرى، و لا داعي للجهد الفارغ في محو تاريخها الأسود أو أن تتبنى مواقف عادلة تساهم في تصحيح أخطاء التاريخ،
اليوم لدى العالم فرصة لاتخاذ موقف أخلاقي حقيقي: وقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي، ومنح الفلسطينيين حقوقهم، فهل تتجه الدول نحو تصحيح أخطائها، أم تواصل تكرارها؟
كما لا يمكن للنهر أن يُنظّف ماءه بمزيد من الوحل، لا يمكن للدول أن تغسل ماضيها بمزيد من الجرائم ، العدالة شجرة لا تنمو على أرض الظلم، ومن يرويها بدم الأبرياء لن يجني سوى ثمار الخزي ، و الظلم سينتهي بمساعدتهم او بدونها.