
أسئلة في اليوم السادس على الحرب الإسرائيلية الإيرانية
بدأت الحكومة الإسرائيلية عدوناً عسكرياً على الجمهورية الإسلامية الإيرانية صبيحة يوم الجمعة الثالث عشر من حزيران/ يونيو 2025 بقصف مكثف على منشآت نووية وعسكرية ومنظومات الدفاع الجوي عبر سلاح الجو الإسرائيلي، واغتيال عدد من القيادات العسكرية الوازنة في الجيش الإيراني وعدد آخر من كبار العلماء العاملين أو الذين عملوا في بناء المشروع النووي الإيراني عبر إطلاق طائرات مسيرة؛ في أغلب الظن أنها انطلقت من داخل إيران. في المقابل ردت إيران بإطلاق صواريخ بالستية وفرط صوتية إلى مراكز إسرائيلية حساسة عسكرية واقتصادية كرد على العدوان الإسرائيلي.
يسود الإعلام العربي الكثير من الصخب وفقاً للمرجعية الفكرية والسياسية لقنوات التلفزة في الفضاء الإعلامي تعظيماً لقدرات إيران العسكرية أو تبخيساً لها، في المقابل فإن التحليل السياسي العقلاني المبني على استخدام المعلومات والبيّنات المتعددة ومختلفة المصادر بهدف بناء السيناريوهات والاحتمالات وتقديم التصورات القادرة على مخاطبة العقل وليس العاطفة الرغبوية. في المقابل فإن الإعلام الإسرائيلي أو أولئك المحللين السياسيين الذين يطلون عبر الشاشات العربية لديهم رسائل محددة لمخاطبة العالم العربي وفقا لرؤية النظام الرسمي في إسرائيل سواء كان الائتلاف الحكومي أو مؤسسات الدولة العميقة.
ومع اقتراب انتهاء الأسبوع الأول للحرب الإسرائيلية الإيرانية، يتردد عدد من الأسئلة المباحة والمشروعة في وسائل الإعلام وفي دردشات المواطنين تحتاج إلى اجتهاد ومحاولات للإجابة على بعض هذه الأسئلة المتداولة:
أهداف وغايات إسرائيل من العملية العسكرية
بالرغم من الأحاديث القائمة خاصة لدى وزير الجيش الإسرائيلي الداعية للتحريض على النظام السياسي الإيراني باعتبار أنّ إسقاط النظام السياسي الإيراني القائم هدفاً، إلا أنّ بعض السياسيين والمحللين السياسيين الإسرائيليين يعتبرون أن هدف هذه العملية هو إجبار النظام الإيراني على الذهاب إلى مفاوضات مع الجانب الأمريكي بما ينسجم مع الشروط الأمريكية في المفاوضات بحيث يتم تحجيم طموحات البرنامج النووي الإيراني وابقائه تحت الرقابة المشددة.
لكن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حدد يوم الاثنين الموافق 16 حزيران/ يونيو، أي بعد أربعة أيام من بدء العدوان الإسرائيلي، ثلاثة أهداف معلنة لهذه العملية؛ هي: (1) تدمير البرنامج النووي الإيراني. (2) تدمير القدرات الصاروخية لدى إيران تصنيعاً واستخداماً. (3) منع إيران من زعزعة أمن المنطقة أو أن تكون مهددة لإسرائيل، أي القضاء على التحالف القائم لإيران مع القوى والفصائل في العراق وسوريا وفلسطين واليمن.
هذه الأهداف تشبه إلى حدٍ بعيد الأهداف المعلنة التي وضعتها إسرائيل في حربها على قطاع غزة وهي: (1) القضاء على حكم حركة حماس تدمير القدرة العسكرية للفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، و(2) استعادة الأسرى الإسرائيليين، و(3) وأنْ لا يكون قطاع غزة مهدداً لإسرائيل.
إن الغاية من الهدف الثالث في كلا الحالتين تتمثل بأن إسرائيل تريد أن تكون لديها اليد العليا في تنفيذه؛ أي استمرار حرية العمل العسكري لإسرائيل وضمان التفوق العسكري في المنطقة "كشرطي المنطقة" والقيام بضربات عسكرية استباقية سواء كانت اغتيالات لشخصيات أو تدمير لمنشآت أنها تهدد أو يحتمل أنها تهدد أمن إسرائيل مستقبلاً.
تقليص إطلاق الصواريخ من إيران
لوحظ في الأيام الثلاثة الأخيرة انخفاض عدد الصواريخ في كل دفعة يتم إطلاقها من إيران على إسرائيل. الأمر الذي بعث على التساؤل؛ أهي استراتيجية إيرانية لإطالة أمد الحرب والحفاظ على مخزون استراتيجي لأمد بعيد في إطار حرب استنزاف، أم أنّ هذه وسيلة لإرهاق المجتمع الإسرائيلي الذي يضطر للنزول إلى الملاجئ والمناطق المحصنة عدة مرات في كل ليلة بما يعني ذلك تحريض المجتمع الإسرائيلي على قرار الحكومة الإسرائيلية ببدء الحرب على إيران، أو زيادة تكلفة الحرب على الجيش الإسرائيلي بسبب إطلاق منظومات الدفاع الجوي صواريخها المكلفة الذي يصل في بعض الأحيان تكلفة الصاروخ الواحد "سهم" حوالي 2 مليون دولار ، أو ارهاق منظومات الدفاع الجوية بإطلاق العديد من الصواريخ الاعتراضية، أو ارتباكها بعدم القدرة على التحذير بوقت كاف للجمهور أي إطلاق أدوات الإنذار للمواطنين ليتمكنوا من الوصول إلى الملاجئ والغرف المحصنة، أو نفاذ كمية الصواريخ الاعتراضية الموجودة في إسرائيل. وهي جميعها احتمالات واردة وممكنة في إطار استراتيجية الحرب.
في المقابل، تشير تقارير إسرائيلية وعالمية إلى أنّ إسرائيل استطاعت أنْ تدمر نسبة لا بأس فيها من مخزون الصواريخ الإيرانية متوسطة وطويلة المدى عبر هجماتها المتكررة خاصة في الأيام الأولى ناهيك عن تدمير مصانع هذه الأسلحة. فيما تشير تقارير أخرى إلى أنّه تم تدمير حوالي 40% من منصات إطلاق هذا النوع من الصواريخ، أو أنّ القدرات الصاروخية ضعيفة بالأساس ولم يكن لديها كميات من الأسلحة الكافية للمواجهة بما لا يتماشى مع التصريحات التي كان يطلقها النظام الإيراني. أي بمعنى آخر القدرة القتالية لإيران باتت محدودة في ظل ضعف منظومات الدفاع الجوي الإيرانية في مواجهة سلاح الجو الإسرائيلي، واعتمادها على إطلاق هذه الصواريخ التي تم اعتراض حوالي 90% منها مقابل اعتراض 100% للطائرات المسيرة التي تم إطلاقها من إيران.
بعض المحللين العرب يقولون إنّ إيران لم تطلق بَعدُ الصواريخ الحديثة التي لديها قدرة تدميرية عالية، وبعض المحللين الإسرائيليين يقولون إنّ إيران ترسل صواريخها القديمة كي تتمكن من فحص قدرات أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، وكلاهما يعتمدان على ما يبدو مفهوم الصبر الاستراتيجي المعتمد لدى القيادة الإيرانية. لكن هذه الاستراتيجية فشلت مع حزب الله الذي لم يستخدم قدراته العسكرية والأسلحة ذات التقنية العالية التي تحدث عنها، في المقابل فإن إسرائيل تستخدم استراتيجية الأرض المحروقة أو الصدمة الثقيلة عبر استخدام القوة المفرطة في بداية العمليات العسكرية لإرباك وإخافة الطرف الآخر باعتبار أنّها تمتلك قدرات عسكرية هائلة لا يقوى أحد على المواجهة معها، وتدمير أقصى ما يمكن من الأيام الأولى للحرب أو قبل أي تدخل خارجي.
القدرات العسكرية لدى إسرائيل وإيران
تعتمد الحرب الإسرائيلية الإيرانية على ثلاثة أنواع من الأسلحة هي: الطائرات الحربية والطائرات المسيرة بالإضافة إلى الصواريخ الباليستية؛ فإسرائيل تستخدم الطائرات الحربية المتطورة مثل 16F و15F و35F وهي تهيمن على أجواء إيران مع ضعف واضح في منظومات الدفاعات الجوية الإيرانية بسبب قدمها، أما الطائرات المسيرة يبدو أن الطرفين لديهما قدرات وافرة إلا أنّ الطائرات المسيرة الإسرائيلية تنطلق منها مناطق في إيران أو قريبة منها مما يمكنها من القيام بعمليات الاغتيال بنجاعة، في المقابل تطلق إيران طائراتها المسيرة من أراضيها مما يجبرها على قطع مسافات بعيدة على الأقل 1500 كيلومتر الأمر الذي يتيح فرصة لأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي من تدميرها وتجعلها غير فعّالة.
لكن تتمتع إيران بترسانة واسعة من الصواريخ البالستية بأنواع متعددة وبتقنيات عالية بما فيها صواريخ فرط صوتية، لا يعلم أحد حجم المتوفر منها والقدرة التصنيعية بعد بدء الحرب، في المقابل تتمتع إسرائيل بمنظومة دفاع جوي مكون من ستة أنظمة متطورة للتعامل مع بعض أنواع الصواريخ وهذه المنظومات هي "السهم، ومقلاع داود، وباتريوت، وثاد، والقبة الحديدية، وباراك ماغن".
الأهم في المسألة العسكرية أنّ إسرائيل لديها القدرة على الحصول على الأسلحة طبعا من الداعم الرئيسي لها "الولايات المتحدة" لتنمية مخزونها، في المقابل من المشكوك فيه أنْ تُنمّي إيران أسلحتها أو مخزونها من خارج القدرات التصنيعية المحلية. لكن كسب الحرب الحالية أو الانتصار فيها لا يعتمد على القدرات العسكرية على أهميتها فهناك عوامل أخرى يمكن أنْ يكون لها مفاعيل مؤثرة في خط سير هذه الحرب ونتائجها.
التدخل الأمريكي في العمليات الهجومية
تبعث تصريحات الرئيس الأمريكي المتعددة والمتناقضة بحالة من عدم اليقين حول إمكانية مشاركة الولايات المتحدة في العمليات الهجومية على إيران. في ظني أن هناك اتفاق ما بين الإدارة الأمريكية على مبدأ على ضرورة إخضاع إيران للذهاب لمفاوضات حول برنامجها النووي وفقاً للشروط الأمريكية، واتفاق على وسائل الإخضاع وفقاً لمفهوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المفاوضات بالقوة أو مفهوم نتنياهو إجراء المفاوضات تحت النار.
واضح أنّ هذه التصريحات المتعددة والمختلفة بين الواحدة والأخرى أو المترددة في الدخول في العمليات العسكرية الهجومية على الأراضي الإيرانية مبنية في الأساس على الخلافات القائمة بين أجنحة الحزب الجمهوري الفاعلة في البيت الأبيض؛ أي بين الجمهوريين اليمنيين الراغبين في المشاركة لحسم الحرب لصالح إسرائيل والجمهوريين الانعزاليين غير الراغبين في التورط بحرب خارجية، كما حدث في العراق وأفغانستان، تماشياً مع المفهوم القاضي بالتخلص من الإنفاق الخارجي على المؤسسات الدولية بما فيها هيئة الأمم المتحدة، بالإضافة إلى أن تصريحات الرئيس الأمريكي السابقة حول عدم رغبته بالدخول في حروب جديدة، خاصة أنّ شعاره "عظمة أمريكا" اقتصادياً يتنافى مع الإنفاق على الحروب الخارجية. ناهيك عن المخاطر المحدقة بالمصالح الأمريكية في المنطقة الاقتصادية منها والعسكرية التي هي في متناول الصواريخ الإيرانية خاصة البوارج والسفن الحربية الرابضة في الخليج العربي، والمخاطر المحدقة بالاقتصاد العالمي، واحتمالية تدخل قوى إقليمية ودولية في حال انخرطت الولايات المتحدة في الهجمات العسكرية على إيران.
إنّ التدخل الأمريكي في هذه الحرب أيّ المشاركة في الهجمات العسكرية يبدو مرهون بوجود واحد أو أكثر من العوامل أو التحولات أثناء هذه الحرب والمتمثلة بالآتي: (1) إغلاق إيران مضيق هرمز باعتباره شرياناً لا غنى عنه في إمدادات الطاقة العالمية . (2) إعادة النظر لدى القيادة الإيرانية في الاستراتيجية النووية المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني بتحويل إلى برنامج عسكري لدخول نادي الدول النووية والانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ورفض العودة إلى المفاوضات مع الولايات المتحدة حول البرنامج النووي الإيراني. (3) ضرب إيران القواعد العسكرية أو البوارج والسفن الحربية أو المصالح الاقتصادية. (4) شعور الولايات المتحدة بأنّ إسرائيل قد تورطت في هذه الحرب وتكبدت خسائر مادية وبشرية كبيرة يعرضها لفقدان تفوقها العسكري في المنطقة. (5) انتصار الجناح اليميني في الحزب الجمهوري على الجناح الانعزالي بإقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتدخل لحسم الحرب وعلى الأقل بتدمير المنشآت النووية "فوردو".
مفهوم الاغتيال لدى الجيش الإسرائيلي
التهديدات المتلاحقة من قبل قادة إسرائيل لاغتيال الشخصيات العسكرية والسياسية الإيرانية، تأتي لاعتقاد القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل أنّ عمليات الاغتيال للأشخاص قد تؤثر على المستوى الشخصي للذين يعملون أو يلتحقون في مراكز قيادية، وإثارة الخوف على حياتهم مما يؤدي إلى امتناعهم عن الالتحاق بعمل أو مسؤولياتهم من جهة، ومن جهة ثانية تعتقد القيادة الإسرائيلية أن الدولة أو الحزب السياسي في العالم العربي قائم على شخص الزعيم المرشد الأعلى أو الأمين العام أو زعيم التنظيم منطلقة من الفهم الاستعماري لشعوب المنطقة والعالم الثالث التي تبنته القوى الاستعمارية في القرن التاسع عشر باعتبار هذه الشعوب قبلية لم تتطور في سلوكها السياسي؛ كأنه لا توجد هيكلية ذات بعد هرمي وقيادات لديها القدرة على قيادة العمل السياسي أو العسكري.
لذا الجمهور الإسرائيلي وقادته وبخاصة السياسيين منهم يصعقون عندما يرون التمجيد بالشهداء والمكانة التي يحضون بها والرمزية العالية التي يتحلون بها. هذا الأمر يعرف لدى الشعوب الشرقية بأن الذين يضحون بأنفسهم يعتبرون القادة النموذج أو القدوة الذين يقتدى بهم في عملية المواجهة أو الثورة. أي أن عملية الاغتيال تولد لدى الجمهور والاتباع ردة فعل عكسية من الغاية التي يعتقد الإسرائيليون أنهم أدوها.
اختراق إسرائيل الاستخباري لإيران
شاهد العالم يوم الجمعة الفارط عملية اغتيال لكبار قادة الجيش والنظام الإيراني، وكذلك رئيس الأركان الجديد للجيش الإيراني بعد عدة أيام على تعيينه، وعدد من العلماء العاملين أو الذين عملوا في البرنامج النووي الإيراني بإطلاق طائرات مسيرة من داخل الأراضي الإيرانية. هذه الاغتيالات أعادت إلى الأذهان اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية العام الفارط في منطقة محمية أمنياً في العاصمة طهران.
يُعيدُ المحللون السياسيون هذا الاختراق الواسع مع وجود ورش تصنيعية وقواعد لإطلاق الطائرات المسيرة في المناطق الإيرانية إلى عدة أسباب منها؛ (1) وجود معارضة للنظام الإيراني بمجمله لها سنوات طويلة، جزء منها في الخارج، وهي معارضة تريد تغيير النظام السياسي وليست فقط السياسات الحكومية. (2) قدرة المخابرات الإسرائيلية على تجنيد أعداد من الإيرانيين لأسباب سياسية بسبب القمع السياسي من جهة والأوضاع الاقتصادية بسبب الحصار طويل الأمد القائم في إيران. (3) طبيعة نظام الحكم القائم على قمع الحريات العامة، ومنع المشاركة السياسية من خارج نطاق النظام الإسلامي المبني على نتيجة الثورة الإسلامية في العام 1979. (4) الصراع داخل المؤسسة العسكرية والتنافس ما بينها، وتمتيع الحرس الثوري بالعلوية على بقية الأجهزة العسكرية والأمنية والانخراط في الأنشطة التجارية لبعضها. (5) الحدود الواسعة والمتعددة التي تحيط بإيران والقدرة على النفاذ منها عبر التهريب ووجود بعض الدول المحيطة بإيران لديها علاقات متينة عسكرياً وأمنياً مع إسرائيل. (6) إيران بلاد واسعة تقدر مساحتها بحوالي 1.7 مليون كيلو متر مربع وهي مساحة شائعة تُصعّب من القدرة على الرقابة وضبطها خاصة في ظل ظروف إيران الاقتصادية والأمنية المستهدفة. (7) استهداف إيران من قبل أجهزة الاستخبارات الغربية وبخاصة الأمريكية التي تتمتع بقدرات تقنية عالية بما فيها استخدام الأقمار الصناعية وتقنيات عالية الجودة لمتابعة النظام السياسي والقدرات العسكرية والعلمية والمدنية في المجالات المختلفة. (8) وجود إيران في منطقة صراعات مرتفعة الوتيرة أدى إلى دخول أعداد وافرة من دول الجوار الذين قد تم تجنيد جزء منهم لصالح الاستخبارات الإسرائيلية أو غربية للحصول على المعلومات.