
أرادوا تكريمي وهذا ما حدث
طلبوا تكريمي كمعلم وكاتب متميز، فأرسلت لهم أديبي الأول ومعلمي الأول، أبي صانع تميزي.
طلبوا الموجة فأرسلت لهم البحر، طلبوا الغصن فأرسلت لهم الشجرة، طلبوا الحرف فأرسلت لهم الكتاب.
1. لا ترحلوا مبكراً
على الآباء أن يرفضوا الموت قبل تسعين عاماً على الأقل.
إذ ما الذي ستفعله في حياتها طالبة ثانوية مات أبوها في الأربعين؟
كيف ستشعر بمتعة جملة: «أبي أول قصة حب في حياتي»؟
وعلى إيقاع خطوات من ستنام حين يحرن حصان النوم؟
ولمن ستشكو قسوة معلمة العلوم معها في حصة السبت الأخيرة؟
وإلى من ستشير في الشارع لتقول لرفيقاتها بمرح: «هذا الرجل أبي، هذا الرجل أبي».
وعلى ظهر من سيركب أولادها متضاحكين صاخبين في ممر البيت الصغير؟
ورأس من، ذلك الذي سوف (تتفعفل) في شعره أياديهم الصغيرة على حصيرة المنزل؟
يا آباء العالم، لا تموتوا قبل تسعين عاماً على الأقل.
2. العناق والكتب
في طفولتي، عودني أبي أن يعانقني بحرارة كلما قرأت كتاباً.
تحول الأمر فيما بعد إلى رغبة في قراءة كتب جديدة استعجالًا لعناق جديد.
الآن، وبعد أكثر من أربعين عاماً من الاحتراق بنار الكتب اللذيذة، ما زلت ألتفت حولي كلما أنهيت كتاباً، فلا أجد أحداً.
فأضم جسدي بيدي، مغمضاً عيني، متخيلاً عناق أبي لي.
أمشي بهدوء أمام رفوف مكتبة عامة أو خاصة، ألمس الكتب بيدي أو عيني، فأرى في الزاوية أبا ثمانينياً يعانق كهلاً أربعينياً.
3. لأجل أبي
لماذا تكتب يا زياد؟
ليعجب بما أكتبه أصحاب أبي، فيفرح أبي.
4. أرق وانتظار
تتأخر خطوات أبي عن الاقتراب من باب بيتنا، فأتأخر عن النوم.
منذ طفولتي وأنا أنام على وقع آخر خطوة من خطوات أبي، الذي كان يسهر كثيراً في المقهى.
حتى هذه اللحظة، لحظة تجاوز الستين، أظل مبحلقاً في السقف بانتظار خطوات أبي التي تتأخر كل يوم دون أن تجيء.
فأهبط عميقاً في قاع ذاكرتي، أغرق في الأحداث والصور والكلمات والأصوات.
أستل ذكرى خطوته الأخيرة على عتبة الباب، وأنام بعد إنهاك خيالي الشديد.
دلّوني على خطوات لآباء تُباع في الأسواق، خطوات أب يسهر كثيراً في المقهى.
أدربه على أسلوب قدم أبي في الغناء، يأتيني في ساعة محددة، يخطو باتجاه بابي، يسلّمني خطوته، ثم يمشي هو إلى بيته مستعجلاً؛ لينام طفله المبحلق في السقف على خطواته الأخرى.