على مرأى القرية الأصلية المسلوبة.. عين حوض تُكابد التهميش وغياب الخدمات
فلسطين 48

على مرأى القرية الأصلية المسلوبة.. عين حوض تُكابد التهميش وغياب الخدمات

صدى نيوز - لا يختزل شعور أهالي عين حوض في الحنين إلى أرض الأجداد ومنازلهم القائمة على مرمى البصر وقد استوطنها الغرباء، بل يتشعّب هذا الشعور ليشمل جوانب متعددة من التهميش والتمييز في تقديم الخدمات وإقامة المشاريع داخل البلدة.

يعاني أهالي عين حوض، البالغ عددهم نحو 330 نسمة، والواقعة على إحدى قمم جبال الكرمل إلى الجنوب من مدينة حيفا، من بنية تحتية متردية، وشوارع داخلية وخارجية تُشكّل خطرًا على الأهالي بسبب ضيقها وكثرة الحُفر فيها، إلى جانب غياب الإضاءة عنها، رغم أنها تمرّ عبر مناطق جبلية خطيرة.

إلى جانب ذلك، تعاني البلدة من نقص حاد في المشاريع والخدمات الأساسية، مثل المدارس، والمراكز الجماهيرية، والمتنزهات، وصولًا إلى قضية الأرض والمسكن، التي تُعد من أبرز المشكلات التي تواجه سكان القرية.

تقع عين حوض ضمن نفوذ المجلس الإقليمي "حوف هكرمل"، الذي يضم 25 بلدة يهودية استيطانية، وبلدة عربية واحدة فقط هي عين حوض، حيث اعترفت بها الحكومة الإسرائيلية عام 1994، بعد أن عاش الأهالي لعقود دون أي مقومات أساسية للحياة.

ويبرز حجم التهميش والنقص الذي تعانيه عين حوض في الطريق المؤدي إليها؛ فبينما يمر الزائر بمحاذاة قرية عين حوض الأصلية، التي استوطنها فنانون يهود بعد تهجير أهلها عام 1948، وكذلك بجانب البلدة الاستيطانية "نير عتسيون"، وصولًا إلى قرية عين حوض، تتجلّى الفوارق بوضوح في مستوى الشوارع والخدمات والمشاريع.

قال زياد أبو الهيجاء، وهو من سكان بلدة عين حوض: "منذ الاعتراف الرسمي بقرية عين حوض عام 1994، لم يطرأ تحسّن حقيقي على أوضاعها المعيشية والخدمية. ما زالت القرية تعاني من ضعف كبير في البُنى التحتية وسوء في الخدمات الأساسية، سواء من ناحية الشوارع أو النظافة أو في جوانب أخرى عديدة".

وأضاف أبو الهيجاء، مقارنًا وضع القرية بالبلدات الاستيطانية اليهودية المجاورة: "الفرق بين عين حوض والبلدات اليهودية القريبة منا، مثل الفرق بين النار والجنة، على الرغم من أننا نتبع لنفس المجلس الإقليمي، والطريق المؤدي إلى عين حوض يمر بمحاذاة هذه البلدات".

وأشار إلى وضع الشوارع في البلدة، قائلًا: "الشوارع في عين حوض وضعها غير مُرضٍ بتاتًا. منذ خمس سنوات وأنا أطالب بترميم الشارع الملاصق لمنزلي، بسبب خطورته، لكونه يقع في منطقة جبلية منحدرة، لكن دون نتيجة أو ردّ رسمي. ناهيك عن الطريق المؤدية إلى البلدة، والتي تمرّ عبر منحدرات وصعود في الجبال؛ شارع ضيق، مليء بالحفر، دون إنارة، ويشكّل خطرًا حقيقيًا، خصوصًا على الطلبة خلال ذهابهم وعودتهم من المدارس بواسطة الحافلات".

وحول المؤسسات التعليمية والخدمات العامة، أوضح أبو الهيجاء: "القرية تفتقر إلى وجود مدرسة ابتدائية على الأقل. كانت هناك مدرسة في الماضي، لكنها أُغلقت قبل نحو 13 عامًا. اليوم، يضطر الأطفال إلى ركوب الحافلة التي تقلّهم إلى مدارس في حيفا والفريديس عند الساعة السادسة والنصف صباحًا، مما يفقدهم الرغبة في التعلم، إذ يصلون إلى مدارسهم مرهقين. هذا فضلًا عن أن الروضة الوحيدة في القرية تواجه خطر الإغلاق، بحجة أن عدد الأطفال قليل".

وختم أبو الهيجاء حديثه قائلًا: "الوضع في عين حوض مزرٍ وصعب جدًا. عندما أمرّ من البلدات اليهودية المجاورة وأرى مستوى النظافة، وجودة الشوارع، والاهتمام العام، أشعر بفرق كبير. نطالب اليوم المجلس الإقليمي، والوزارات المعنية، ووزارة السياحة، بضخّ الميزانيات وتحسين أوضاع هذه القرية الرائعة، ذات الموقع المميز".

من جانبه، تحدّث رئيس اللجنة المحلية في عين حوض، عماد أبو الهيجاء، عن المعاناة المستمرة التي يعيشها الأهالي بسبب القيود المفروضة على البناء، قائلًا: "يعاني أهالي البلدة منذ سنوات عديدة من عدم توسعة المناطق المسموح بها للبناء، فضلًا عن الإنذارات وعمليات الهدم التي تطال كل منزل قيد الإنشاء".

وأكمل أبو الهيجاء: "منذ فترة طويلة تُقدَّم وعود لإيجاد حلول، لكن حتى الآن لا شيء تغيّر. خلال السنة الماضية، هدمت السلطات الإسرائيلية ثلاثة منازل، وأصدرت المحكمة قرارات بوقف بناء سبعة منازل أخرى قيد الإنشاء، ومنعت السكن فيها إلى حين التوصل إلى تسوية مع سلطة الأراضي".

وأشار إلى الانعكاسات الاجتماعية الصعبة لهذه السياسات على الشباب في القرية، قائلًا: "يوجد شبّان في البلدة تجاوزت أعمارهم 35 عامًا، ومنهم من في مرحلة الخطوبة ولم يتمكنوا من الزواج حتى الآن بسبب أزمة السكن وقرارات المحكمة التي تمنع استكمال بناء منازلهم. هذا القرار يهدّد مستقبل الجيل الشاب، ويقوّض مستقبل القرية بأكملها".

وتطرّق أبو الهيجاء إلى الجمود في توسيع الخارطة الهيكلية للقرية وغياب أية مشاريع إسكان جديدة، مؤكدًا: "لا توجد أي خطة توسعة رسمية منذ الاعتراف بالقرية. 'سلطة أراضي إسرائيل' لا تبدي رغبة في التوصّل إلى تفاهمات أو حلول، رغم محاولاتنا الحثيثة من جانبنا".

ولفت أبو الهيجاء إلى الفجوة في المعاملة بين عين حوض والبلدات اليهودية الاستيطانية المجاورة "هناك تمييز وعنصرية واضحة في التعامل بين عين حوض والبلدات اليهودية المجاورة، وهذا أمر واضح في التعامل العام مع المجتمع العربي، نحن مستمرون ونطمح لتحسين الأوضاع في عين حوض".

وحول قرية عين حوض وأبرز المحطات التي مرّت فيها خلال العقود السابقة، قال الكاتب والصحافي سمير أبو الهيجاء إن "عين حوض، أو كما كانت تُعرف بالماضي عين حوض أبو الهيجاء هي امتداد لقرية عين حوض الأصلية، التي يسكنها اليوم فنانون يهود جاءوا من وراء البحار، بينما نحن أهل البلدة وأحفاد الذين سكنوا وعمّروا تلك القرية الفلسطينية المهجرة".

وأكمل أبو الهيجاء أن "عين حوض الحالية تقع على مساحة تقارب 40 دونما فقط، بعد أن كانت تمتد على نحو 250 دونما، هذه الأراضي اقتُطعت في حينه لصالح متنزه الكرمل. تضم القرية اليوم نحو 75 عائلة، أي ما يقارب 330 نسمة، وتتوفر فيها مؤسسات أساسية كروضة أطفال، ومسجد، ومبنى جديد متعدد الاستخدامات أُقيم قبل نحو عامين، يُستخدم لعقد الاجتماعات والمناسبات الاجتماعية وبيوت العزاء".

وأضاف أبو الهيجاء "أما المدرسة، فقد افتُتحت عام 1962 بجهدٍ من مؤسس البلدة محمد محمود أبو الهيجاء (أبو حلمي)، وهو جدّي، آنذاك لم يكن في القرية طريق ولا مواصلات، وكان المعلن الوحيد يقطع الوعر سيرًا، كان هذا المعلم هو المدير والحارس والمربّي الوحيد، بدأت المدرسة بـ18 طالبا وطالبة، وأغلقت أبوابها في عام 2012، ومنذ ذلك الحين يُنقل الطلاب إلى مدارس في حيفا والفريديس".

وعن الاعتراف الرسمي بالقرية، قال أبو الهيجاء إن "الاعتراف الرسمي جاء بعد سنوات طويلة من المعاناة، قبل الاعتراف، الذي تم في عام 1994. لم يكن في القرية أي مقومات للحياة، لا طرق ولا كهرباء ولا مياه، ولا خدمات صحية، لم تكن هناك دلالات لأي حياة إنسانية، حتى المسجد لم يكن موجودًا، فقد كان ديوانًا للعائلة، وتبرّع جدي بتحويله إلى مسجد عام 1985، وكان ذلك صدقة جارية باقية حتى اليوم".

وعن شكل الحياة في القرية قبل الاعتراف، قال أبو الهيجاء إن "الصعوبات كانت كثيرة، ومن أقساها ما حصل في ستينيات القرن الماضي، حين اضطرت امرأة حامل للولادة في الطريق لعدم وجود سيارات إسعاف، سقط الجنين في منتصف الوادي، ولم تستطع أن تطلب التوقف خجلاً، وبعد عقود، توفيت المرأة نفسها بنوبة قلبية أثناء نقلها إلى المستشفى في سيارة محلية، قبل أن تصل سيارة الإسعاف إلى المكان".

وأشار إلى أن "الاعتراف بعين حوض عام 1994 جاء نتيجة نضال طويل وضغط متواصل من الأهالي، وهو ما اعتبره السكان لحظة تاريخية بعد عقود من الحرمان. بعد الاعتراف، جرى تحويل العنوان البريدي من مستوطنة 'نير عتسيون' إلى عين حوض، وأصبح للقرية رمز بريدي، كما أُدرجت ضمن المجلس الإقليمي الذي يضم نحو 28 بلدة يهودية، لاحقا وبعد معركة قضائية، ضُمّ سكانها رسميا إلى سجل الناخبين في المجلس، وأصبح للقرية ممثل منتخب فيه، ورغم ذلك بقيت عين حوض محاطة بالقيود وتفتقر لعدة مقومات رئيسية".

وختم أبو الهيجاء حديثه بالقول إن "المشاعر التي نحملها تجاه المكان معقّدة، فيها ألم وأمل، قبل أسابيع كنت في عين حوض، القرية الأصلية التي يسكنها الفنانون، هناك سألني أحدهم 'ماذا تفعل هنا؟' وكأنني غريب في أرض أجدادي، كان سؤالا موجعا، لأن البيت الذي يسكنه اليوم أجنبي هو ذاته بيت أبي وجدي، بحجارته وسقفه ونقوشه".

المصدر: عرب 48