في غزة... الأمهات الفلسطينيات يخاطرن لجلب الغذاء للأطفال الخائفين عليهن
تقارير مميزة

في غزة... الأمهات الفلسطينيات يخاطرن لجلب الغذاء للأطفال الخائفين عليهن

صدى نيوز - تزداد معاناة الأمهات الفلسطينيات في قطاع غزة وسط شح الطعام، مع رغبتهن في توفير الأمان لأطفالهن وسط الحرب التي تشنها إسرائيل؛ رداً على هجوم حركة «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

ورصدت شبكة «سي إن إن» الأميركية معاناة الأمهات؛ فهن يعشن في خيام محاطة بحشد كبير من الرجال، ويخضن مسيرة طويلة وخطيرة إلى النقطة التي يُتوقع أن تمر منها شاحنات المساعدات إلى غزة.

واستعرضت قصص حياة مجموعة من الأمهات المعيلات الوحيدات لأطفالهن، حيث يلتحقن ببعضهن بعضاً طلباً للحماية، مثل سيدة تدعى أم خضر، وقالت إنهن قد يتعرضن للنيران الإسرائيلية، وبمجرد وصول شاحنات المساعدات، وسيضطررن إلى شق طريقهن بصعوبة بين آلاف الرجال إذا ما أردن الحصول على كيس دقيق والاحتفاظ به.

وتقول أم خضر، وهي أم لثلاثة أطفال: «كل شيء حولنا يُهدد حياتنا، سواء لصوص، أو جنود إسرائيليون، أو صواريخ، أو طائرات مُسيّرة. كل شيء».

وتروي صديقتها ولاء ما حدث في اليوم السابق، عندما تمكنت من الحصول على كيس دقيق بعد انتظار دام عشر ساعات من الفجر حتى الغسق، وتقول: «ثم قال شاب يحمل سكيناً: (ألقي الدقيق وإلا قتلتك) وسلمته إياه».

وذكرت الشبكة أن أقدامهن تؤلمهن، يضطررن إلى أخذ قسط من الراحة بشكل متكرر خلال رحلة المشي، التي قد تستغرق ساعتين إلى المكان الذي قد تمر منه شاحنات المساعدات.

ولفتن إلى أن صديقتهن مريم أنجبت قبل ثلاثة أسابيع فقط، لكنها تقوم بالرحلة نفسها كل يوم منذ الأسبوع الماضي، على أمل تأمين الطعام لأطفالها الثلاثة الأكبر سناً، والأمل ضئيل في الحصول على حليب صناعي لإطعام مولودها الجديد، فقد انتهت تلك الليلة بخيبة أمل لم تمر أي شاحنات مساعدات، وعادت جميعهن خاليات الوفاض.

خيار مريع

أدت قلة المساعدات المسموح بدخولها إلى غزة، وانهيار القانون والنظام، وتفكيك أنظمة الإيصال التي تقودها الأمم المتحدة، إلى مستويات جديدة من اليأس، وفقاً لمنظمات الإغاثة، ويكافح الأشد ضراوةً للبقاء على قيد الحياة، بينما يُترك الأكثر ضعفاً بلا شيء.

وعلى مدار أسابيع عدة في يونيو (حزيران) ويوليو (تموز)، قالت الشبكة إنها تابعت مجموعة من النساء الفلسطينيات يواجهن خياراً مُريعاً بين المخاطرة بحياتهن؛ ما قد يحرم عائلاتهن من معيلهن الوحيد المتبقي، أو مشاهدة أطفالهن يتضورون جوعاً.

وقالت أم العبد: «يقول لي أطفالي: لا تذهبي يا أمي، لا تذهبي إلى مراكز الإغاثة، لا نريدكِ أن تموتي يا أمي. من سيعتني بنا إذا حدث لكِ مكروه؟». قُتل زوجها في غارة جوية إسرائيلية، وهي الآن ترعى أسرتها بمفردها، كما قالت.

ولم يكن قِدر الحساء الذي استطاعت تأمينه من مطبخ خيري مكتظّ كافياً لإطعام أطفالها الثمانية الجائعين؛ لذا، ومثل الكثير من الفلسطينيين في غزة، جرّبت أم العبد حظها في نهاية المطاف مع شاحنات المساعدات، حيث قطعت الرحلة ليلاً بينما كان أطفالها نائمين.

ومثل معظم النساء على ذلك الطريق، عادت خالية الوفاض، كما قالت.

وقالت الشبكة إن التهديد الذي يواجه أطفالهن حقيقي؛ فقد وصلت مستويات استهلاك الغذاء إلى حدود المجاعة في معظم أنحاء قطاع غزة، وكذلك معدلات سوء التغذية الحاد في مدينة غزة، حيث تعيش النساء، وفقاً للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي المدعوم من الأمم المتحدة.

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، توفي 63 شخصاً بسبب الجوع في شهر يوليو وحده، من بينهم 25 طفلاً، جميعهم دون سن الخامسة، باستثناء طفل واحد.

وذكرت وكالة الأمم المتحدة، يوم الأحد، أن أكثر من 11500 طفل التمسوا العلاج من سوء التغذية في مستشفيات وعيادات غزة، التي بالكاد تعمل خلال شهري يونيو ويوليو، وأضافت أن واحداً من كل خمسة منهم تقريباً يعاني سوء التغذية الحاد الوخيم، وهو الشكل الأكثر تهديداً للحياة.

وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن الأزمة تُلحق ضرراً بالغاً بالنساء الحوامل والمرضعات، حيث أظهرت بيانات حديثة أن أكثر من 40 في المائة منهن يعانين سوء تغذية حاداً.

وأعلنت إسرائيل، نهاية الأسبوع، أنها ستوقف القتال في مناطق معينة وستنشئ ممرات لإيصال المساعدات الإنسانية على الأرض، لكن كميات قليلة جداً من الطعام تصل إلى غزة لتلبية احتياجات 2.2 مليون نسمة، الذين دخلوا في أزمة وصفتها المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا الأسبوع الماضي بأنها «من صنع الإنسان ويمكن تجنبها».

وفرضت إسرائيل حصاراً لمدة 11 أسبوعاً على جميع المساعدات إلى القطاع بدءاً من مارس، وأعادت أخيراً توزيعها في أواخر مايو من خلال مؤسسة غزة الإنسانية المثيرة للجدل والمدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل.

وبدلاً من 400 نقطة توزيع مساعدات أدارتها الأمم المتحدة سابقاً، لا يمكن للفلسطينيين الحصول على الطعام إلا من خلال أربعة مواقع تابعة لمؤسسة غزة الإنسانية، أو في مطابخ الحساء المكتظة، أو عن طريق إيقاف شاحنات المساعدات والسيطرة عليها أثناء مرورها في القطاع.

وتُباع أكياس الدقيق المنهوبة في السوق بأسعار باهظة، لا تُطاق بالنسبة لهؤلاء النساء وأطفالهن.

الصداقة واليأس

وبعد محاولات فاشلة عدة في يونيو للحصول على الطعام من شاحنات الإغاثة، تلقت أم خضر تبرعاً من شخص غريب متعاطف في الطريق. تقاسمت كيس الدقيق مع جارتها أم بلال، التي كانت تُكافح لإطعام أطفالها الخمسة.

وبلغت صداقتهما ورفقتهما ذروتها في خضمّ معاناةٍ عارمة، صراخ أطفالهم الجائعين غالباً ما يكون لا يُطاق، وقالت أم بلال إن ابنتها الصغرى تشدّ شعرها أحياناً وهي تصرخ من الألم.

وقالت كلتا المرأتين إنها غالباً ما تقضي أياماً دون طعام حتى يحصل أطفالها على كل قطرة من الحساء الذي يحصلون عليه، ومع ذلك ينام الأطفال دائماً جائعين.

وعلى مدار الأسابيع، ازداد يأسهما. فقررتا تجربة حظهما في مواقع توزيع المساعدات الإنسانية العالمية، حيث وقعت غالبية عمليات القتل المرتبطة بالمساعدات، والبالغ عددها 1100 عملية، منذ مايو، وفقاً للأمم المتحدة ووزارة الصحة الفلسطينية.

وتعترف إسرائيل بإطلاق طلقات تحذيرية، لكنها تنفي مسؤوليتها عن العدد الكبير من القتلى، بينما تنفي منظمة الصحة العالمية الاتهامات، قائلةً إن الإحصائيات مبالَغ فيها.

وتذكر أم خضر، بينما كانت تتحدث مع المرأتين يوم الجمعة: «نقاط المساعدة الأميركية هي مناطق موت. وصلت إلى إحداها وقضيت الليل هناك. أطلق قناص النار فوق رأسي. أخطأتني الرصاصة بسنتيمترات قليلة»، لم تعد منذ ذلك الحين.

وتذيب أم بلال الملح في الماء لتُطعم أطفالها بين وجباتهم المتقطعة. هذه ليست المرة الأولى التي تختبر فيها الجوع خلال الحرب التي أعقبت هجمات «حماس»، وقالت: «كنا نأكل علف الحيوانات. قبل عام، كانت أجسادنا قادرة على تحمّله، لكن الآن، مجاعة فوق مجاعة، أجسادنا لم تعد قادرة على تحمّله». الآن، أصبحت ضعيفة جداً لدرجة أنها لا تستطيع القيام بتلك الرحلات الطويلة.

ولكن أم بلال لم تستسلم، لقد صادفت دبابات، وتفادت إطلاق النار، وأغمي عليها من ضربات الشمس والإرهاق أثناء محاولتها الحصول على الطعام من شاحنات الأمم المتحدة المتحركة، أو من مواقع مؤسسة غزة الإنسانية، لكن جهودها اليائسة لإطعام أطفالها غالباً ما تذهب سدًى.

وقالت ابنتها داليا، البالغة من العمر عشر سنوات: «أمي ليست كالشباب، تذهب وتعود خاوية الوفاض. تسألني ماذا سنأكل على الغداء أو العشاء، فأقول لها: لا بأس، لا تبكي يا أمي».