الاتحاد الأوروبي يدخل أسبوعاً حاسماً لإثبات قوته أمام ترمب
اقتصاد دولي

الاتحاد الأوروبي يدخل أسبوعاً حاسماً لإثبات قوته أمام ترمب

صدى نيوز - يواجه الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع لحظة حاسمة، في وقت يسعى لإثبات نفسه كقوة جيوسياسية فاعلة.

في الأيام المقبلة، أمام التكتل الأوروبي موعدان مفصليان، الأول يتمثل في تمويل أوكرانيا في حربها ضد روسيا من دون دعم واشنطن، والثاني في إثبات قدرته على تنويع سلاسل الإمداد بعيداً عن الولايات المتحدة التي باتت تتخذ موقفاً عدائياً متزايداً، وتوسيع نطاق تجارته مع أميركا الجنوبية.

أي فشل في هذين المسارين من شأنه أن يوجه ضربة لسمعة الاتحاد الأوروبي في لحظة خطيرة، ويمنح الرئيس الأميركي دونالد ترمب مادة جديدة لروايته القائلة إن القارة "ضعيفة"، وفقاً لدبلوماسيين ومسؤولين مطلعين على تفكير التكتل.

بعد أسبوع حذر فيه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته من أن الحروب العالمية السابقة باتت مرة أخرى احتمالاً واقعياً، لا يزال الكثيرون لا يدركون خطورة اللحظة، بحسب أحد المسؤولين.

قيادة أوروبا الجيوسياسية على المحك

قضيتا أوكرانيا والتجارة مع أميركا الجنوبية تمثلان اختباراً مباشراً لقدرة الاتحاد الأوروبي على لعب دور قيادي عالمي.

مع قيام إدارة ترمب بقطع المساعدات عن أوكرانيا، بات العبء يقع على عاتق أوروبا لمنع كييف من القبول باتفاق سلام غير متكافئ، أو حتى من أن تُجتاح بالكامل من قبل القوات الروسية. في الوقت نفسه، أصبحت صفقة التجارة اختباراً بارزاً لقدرة أوروبا على تقديم بدائل موثوقة للولايات المتحدة والصين.

ستصل قضية تمويل أوكرانيا إلى ذروتها يوم الخميس، حين يجتمع قادة الاتحاد في بروكسل لمحاولة إيجاد حل لقرض ضخم مقترح لكييف. وبحلول يوم الجمعة، يجب أن ينتهي التكتل من العمل على اتفاق التجارة، مع تحديد موعد مبدئي للتوقيع يوم السبت. وأي تأخير إضافي في أي من الملفين قد يهدد الخطة بأكملها.

ترمب يهمش أوروبا؟

تجري هذه التطورات في وقت يهاجم فيه ترمب النظام العالمي الذي أُسس بعد الحرب العالمية الثانية وساند أوروبا طوال 80 عاماً، ما يؤدي إلى تهميش الاتحاد الأوروبي.

وفي السياق ذاته، تتجاهل الصين القادة والشركات الأوروبية. ويزداد الضغط على التكتل لإثبات أنه قادر على أن يكون فاعلًا في النظام العالمي الناشئ، وليس مجرد متفرج.

"إذا كانت أوروبا تريد أن تكون لاعباً جيوسياسياً حقيقياً، فعليها أن تقرن الكلمات القوية بأفعال حاسمة"، وفق وزير الخارجية الإستوني مارغوس تساخنا. أضاف: "هذه هي لحظة اتخاذ القرار. مصداقية أوروبا وأمنها وقيادتها على المحك".

البحث عن تمويل لأوكرانيا

الخطة المفضلة لدى الاتحاد الأوروبي لدعم أوكرانيا تقوم على استخدام المليارات من الأصول الروسية المجمدة على أراضيه.

تقضي الفكرة بإقراض أوكرانيا 90 مليار يورو (106 مليارات دولار) من تلك الأموال خلال العامين المقبلين، ما يتيح لكييف مواصلة تقديم الخدمات الأساسية وتشغيل جيشها. ولن يُطلب من أوكرانيا سداد هذه الأموال إلا إذا قامت روسيا بإصلاح الأضرار التي تسببت بها خلال الحرب.

لكن هذه الجهود تواجه معارضة شديدة من بلجيكا، حيث توجد غالبية الأصول المجمدة، إذ تخشى البلاد أن تُجبر على سداد القرض إذا ما استعادت روسيا تلك الأموال بحكم قضائي. أما فرنسا، فهي لا تمانع استخدام الأموال المجمدة في بلجيكا، لكنها ترفض استخدام الأصول الموجودة في بنوكها.

كما تضغط الولايات المتحدة خلف الكواليس على الاتحاد الأوروبي لعدم المساس بهذه الأموال، بحجة أنها ستكون أكثر فاعلية كورقة تفاوض في محادثات السلام.

مواجهة أوروبا وترمب

أدى ذلك إلى سباق مع الزمن داخل الاتحاد للحفاظ على ما وصفه المستشار الألماني فريدريش ميرتس مؤخراً بأنه "أقوى ورقة ضغط حالية في يد أوروبا". وقال أحد مسؤولي الاتحاد إن من مسؤولية التكتل الوفاء بوعده بدعم أوكرانيا. الوقت بدأ يضيق، ومن المتوقع أن تنفد الأموال لدى أوكرانيا بحلول شهر أبريل.

إذا لم يتوصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق هذا الأسبوع، فسيضطر إلى البحث عن حلول مؤقتة أثناء إعادة تقييم نهجه، وفقاً لأشخاص مطلعين على النقاشات. وهذا يعني المزيد من التأخير والمزيد من المحادثات، ليصب ذلك في مصلحة الرواية التي يكررها ترمب بنبرة ساخرة.

"تحتاج أوروبا إلى إيجاد حل لشيء لا مفر منه وهو استمرار دعم أوكرانيا"، حسبما رأى وزير المالية البرتغالي، خواكيم ميراندا سارمينتو، مشيراً إلى أن المبلغ المطلوب لا يمثل سوى 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي. وأضاف: "رقم كبير، لكنه لا يزال ممكناً، وضرورياً للغاية".

اتفاق "ميركوسور"

أصبح اتفاق التجارة بين الاتحاد الأوروبي وتكتل "ميركوسور"، الذي يضم الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل وباراغواي والأوروغواي، ذا أهمية رمزية كبيرة.

فإلى جانب كونه أكبر اتفاق تجاري يوقعه الاتحاد على الإطلاق، سيرسل رسالة إلى ترمب، بحسب ما قاله دبلوماسيون ومسؤولون طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم.

ويعمل الرئيس الأميركي حالياً على إعادة تأكيد دور بلاده في أميركا اللاتينية، مدعياً في استراتيجيته للأمن القومي مؤخراً "حق التفوق في نصف الكرة الغربي". وإذا استطاعت أوروبا توقيع الاتفاق بعد أيام قليلة من ذلك وخفض الحواجز التجارية مع أميركا الجنوبية، لا سيما في وقت يلوّح فيه ترمب بالرسوم الجمركية، فستبقى حاضرة في المعادلة، بحسب المسؤولين.

اعتبر عضو البرلمان الأوروبي غابرييل ماتو، النائب الإسباني من يمين الوسط الذي قاد العمل البرلماني على الاتفاق، أن "هذه اللحظة المناسبة لإثبات أننا قادرون، أمام شركائنا في ميركوسور وقطاعنا الزراعي، على فتح باب التجارة من دون تعريض إنتاجنا للخطر".

تعميق علاقات أوروبا مع أميركا الجنوبية

سيعزز الاتفاق أيضاً حجة الاتحاد الأوروبي بأنه قادر على فك الارتباط الاقتصادي مع الولايات المتحدة والصين من خلال تعميق علاقاته مع ديمقراطيات أخرى، وهو أحد محاور خطة التكتل للرد على ترمب.

لكن الأجواء تبدو قاتمةً مع اقتراب موعد حفل التوقيع يوم السبت. إذ تضغط فرنسا، خوفاً من احتجاجات مزارعيها، لتأجيل الاتفاق النهائي حتى يناير على الأقل. ويرى البعض في ذلك محاولة لقتل الاتفاق بالكامل.

رأى دبلوماسي أوروبي رفيع أنه إذا لم يوقع الاتحاد الاتفاق بحلول نهاية العام، فسيكون ذلك دليلاً على أن أوروبا ببساطة لا ترغب في إقامة علاقات أقوى مع أميركا الجنوبية، وهذا سينعكس سلباً على ثقة العالم بالتكتل.

الاختبار الأوروبي

تلقي استراتيجية الأمن القومي التي ينتهجها ترمب باللوم على سياسات الاتحاد الأوروبي، مدعية أنها ساعدت في دفع القارة نحو "الطمس الحضاري"، بل وهددت بتغذية "المقاومة" داخل أوروبا، وتساءلت عما إذا كانت الدول الأوروبية لا تزال تستحق أن تُعتبر حليفاً موثوقاً في الناتو.

تُعدّ هذه الهجمات مسماراً آخر في نعش التحالف الغربي الذي استمر لعقود. وقال ميرتس الأسبوع الماضي: "ما كنا نسميه الغرب القيمي لم يعد موجوداً بهذا الشكل".

بدلاً من ذلك، يبرز عالم جديد تفرض فيه القوى الكبرى، مثل أميركا والصين، القواعد. ويحاول الاتحاد الأوروبي إثبات أنه قادر على شق طريقه الخاص.

القرارات المقبلة بشأن أوكرانيا واتفاق التجارة ستحدد ما إذا كان بمقدور أوروبا فعل ذلك، بحسب أحد المسؤولين، أم أنه سيكون بداية انحدار ممنهج.