وسط ضبابية في المشهد السياسي.. الاقتصاد الفلسطيني أمام ثلاثة سيناريوهات في 2026 
اقتصاد محلي

وسط ضبابية في المشهد السياسي.. الاقتصاد الفلسطيني أمام ثلاثة سيناريوهات في 2026 

خاص بـ "صدى نيوز": يدخل الاقتصاد الفلسطيني إلى العام 2026 مثقلاً بنزيف عامين بفعل حرب الإبادة التي شنت على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة عقب أحداث 7 أكتوبر 2023، والعدوان الواسع على الضفة الغربية، فهل سنشهد انفراجة اقتصادية في العام الجديد بعد أن دمر أكثر من 80% من اقتصاد قطاع غزة، وتعرضت فيها الضفة لعوامل ضاغطة مختلفة، وانكمش فيها الاقتصاد الفلسطيني بنحو 29% العام الماضي؟ ام أن الاقتصاد الفلسطيني سيبقى يعاني في ظل سياسية اسرائيلية تهدف إلى خنقه؟

خبراء اقتصاديون تحدثوا لـ"صدى نيوز" وضعوا ثلاثة سيناريوهات أمام الاقتصاد الفلسطيني في العام 2026: متفائل، ومتشائم، وواقعي.

يرى الخبير الاقتصادي د. ثابت أبو الروس أن هذا السيناريو الإيجابي  يفترض السماح بعودة العمالة الفلسطينية إلى اسرائيل، واستئناف تحويل أموال المقاصة، وزيادة وتيرة شحن الشيقل من خزنات البنوك الفلسطينية إلى اسرائيل، وتحسين أداء الأسواق التجارية، وحصول انفراجة في قضية الاستيراد من الخارج وتذليل العقبات التي توضع أمام التجار الفلسطينيين على المعابر والموانئ الإسرائيلية.

ويقول أبو الروس إن الاقتصاد الفلسطيني في الضفة خسر قرابة (33) مليار شيقل نتيجة منع العمال من التوجه إلى أعمالهم داخل الخط الأخضر، لذلك يظل هذا العامل حاسماً في تحديد مسار الاقتصاد الفلسطيني خلال العام المقبل، بالإضافة إلى قيام اسرائيل بالإفراج عن قرابة (4) مليارات دولار تحتجزها من أموال المقاصة التي تعد الايراد الرئيسي للسلطة الفلسطينية. 

أما السيناريو المتشائم، فيستند حسب أبو الروس إلى أنه لا يوجد حتى اللحظة أية مؤشرات حول الدفع باتجاه استناف السماح للعمال الفلسطينيين بالتوجه إلى أعمالهم في إسرائيل والاعتماد على العمال الأجانب من الخارج، ولا توجد مؤشرات كذلك بخصوص الإفراج عن أموال المقاصة، بالإضافة إلى أن المشهد الاقتصادي مرتبط بالواقع السياسي الذي لا يبدو في المدى  المنظور بأنه يحمل آفاق ايجابية بخصوصه، ما ينعكس على واقع الأسواق وسيدفع مئات المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى الإغلاق، ما يدخل الاقتصاد الفلسطيني في واقع أكثر صعوبة.

أما السيناريو الواقعي، فيعتقد أبو الروس بأنه يستند إلى استيعاب الاقتصاد الفلسطيني عدم عودة العمال مجدداً إلى السوق الإسرائيلي، وبالتالي يتم دمج شريحة من هؤلاء في السوق الفلسطيني رغم صغره، كون أن معظمها عمالة ماهرة، أما فيما يتعلق بموضوع المقاصة، فإن الدول المانحة سدت جزءاً من الثغرة من خلال تقديم مساعدات للسلطة الفلسطينية كما حصل خلال هذا العام، وهو ما يمكن أن يتكرر في العام 2026، بحيث تظل السلطة الفلسطينية تتحرك ضمن هوامش محدودة، إضافة إلى ذلك فإن موظفي السلطة الفلسطينية أصبحوا يتعايشون مع نسبة رواتب 50-60% وقد يستمر العام المقبل، ولكن هذا السيناريو لن يقود إلى نمو اقتصادي بل إدارة مرحلية للأزمة السياسية القائمة.

بدوره، يرى الخبير الاقتصادي د. سعيد صبري في حديث مع صدى نيوز أنه بالنظر إلى المعطيات الاقتصادية والسياسية القائمة، فإن مستقبل الضفة الغربية اقتصاديًا خلال العام المقبل يبدو بالغ الحساسية، ومحكومًا بإدارة أزمة أكثر من كونه مسار تعافٍ حقيقي. ويقول" الاقتصاد يدخل المرحلة القادمة وهو مثقل بعوامل ضغط متراكمة، أبرزها تراجع فرص العمل داخل الخط الأخضر، واستمرار الاقتطاعات من أموال المقاصة، وأزمة سيولة خانقة في الجهاز المصرفي، وتآكل متواصل في القدرة الشرائية للمواطنين، بالتوازي مع ضعف واضح في الدعم الخارجي وغياب أفق سياسي أو اقتصادي مستقر".

ويؤكد أن المشهد المتوقع خلال العام المقبل هو اقتصاد بطيء، هش، ومقيّد الحركة. فالنشاط الاقتصادي سيبقى عند حدود الحد الأدنى اللازم لتسيير الحياة اليومية، دون قدرة حقيقية على خلق نمو مستدام أو فرص عمل واسعة.

ويقول"القطاعات الأكثر تضررًا ستبقى التجارة، والخدمات، والإنشاءات، بينما ستتعرض المشاريع الصغيرة والمتوسطة – التي تشكّل العمود الفقري للتشغيل في الضفة – لضغوط قاسية قد تدفع جزءًا منها إلى الإغلاق أو تقليص نشاطه"، مشيراً إلى أن هذا الواقع يعني توسّع البطالة المقنّعة، وانخفاض ساعات العمل، واستمرار تراجع الدخل الحقيقي للأسر.

على صعيد العمال والموظفين، يعتقد د. صبري في حديثه مع صدى نيوز أن الأزمة ستتحول من أرقام اقتصادية إلى أزمة معيشية مباشرة، منوهاً إلى أن فقدان العمال لمصادر دخلهم أو عدم انتظامها، إلى جانب تقاضي الموظفين رواتب مجتزأة أو متأخرة، يدفع شرائح واسعة من المجتمع إلى الاعتماد على الاستدانة، أو استنزاف المدخرات، أو تقليص الإنفاق على الغذاء، والصحة، والتعليم.

ويضيف"هذه الآليات قد تساعد على الصمود مؤقتًا، لكنها غير قابلة للاستمرار، وتعكس تآكلًا تدريجيًا في قدرة المجتمع على الاحتمال".

يلفت د. صبري إلى أن الضفة الغربية لا تتجه نحو مجاعة شاملة بالمعنى الكلاسيكي، لكنها تقترب من مرحلة خطرة من انعدام الأمن الغذائي الاقتصادي. أي أن المواد الغذائية قد تكون متوفرة في الأسواق، لكن القدرة على شرائها تصبح غير مضمونة لدى فئات واسعة، خاصة العمال العاطلين، والأسر ذات الدخل الثابت أو المحدود، منوهاً إلى أن هذا الشكل من التجويع الصامت أخطر من المجاعة المباشرة، لأنه يتسلل تدريجيًا دون أن يُقرع جرس الإنذار.

ويخلص صبري إلى القول" الضفة الغربية تقف خلال العام المقبل على حافة انزلاق اقتصادي واجتماعي مقلق. ليس انفجارًا مفاجئًا، بل تدهورًا بطيئًا في مستوى المعيشة والاستقرا"، مشيراً إلى أن منع هذا المسار يتطلب قرارات اقتصادية جريئة، وإدارة مختلفة للأزمة، ونقل السياسات من منطق ردّ الفعل إلى منطق الوقاية، قبل أن يتحول الضغط الاقتصادي إلى أزمة إنسانية أوسع.

 وكان الجهاز المركزي للاحصاء وسلطة النقد أشارا إلى أن الاقتصاد الفلسطيني لا يزال غارقاً في ركود عميق خلال العام 2025 رغم تسجيله بنسبة 4% في عام 2025 مقارنة بعام 2024، إلا أن الناتج المحلي الإجمالي لا يزال يُظهر ركوداً ممتداً، حيث انخفض بمعدل 24% عن مستواه في عام 2023، ويعكس هذا التراجع حجم الضرر التراكمي الذي لحق بالاقتصاد منذ بدء عدوان الإحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما أدى إلى تضرر القدرة الإنتاجية واستمرار الاختناقات في الأنشطة الاقتصادية.

وسجل الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2025 انخفاضاً حاداً في قطاع غزة بلغت نسبته 84% مقارنة بعام 2023، في حين تراجع في الضفة الغربية بنسبة 13% خلال الفترة ذاتها. ورغم تسجيل الضفة الغربية ارتفاعاً محدوداً بنسبة 4.4% في عام 2025 مقارنة بعام 2024، إلا أن الناتج المحلي في قطاع غزة واصل الانكماش ليسجل تراجعاً إضافياً بنسبة 8.7% خلال نفس الفترة.