النظام البرلماني الأنسب للدولة الفلسطينية
مقالات

النظام البرلماني الأنسب للدولة الفلسطينية

استعرضت لجنة صياغة الدستور في الأسبوع قبل الفائت شكل النظام السياسي الذي تصوغه من أجل إعداد الدستور "المؤقت" دون الإفصاح عن ماهية النظام السياسي وشكله، ودون طرح نقاشا عاما وطنيا لما يتم تداوله باعتباره "أي الدستور" العقد الاجتماعي الذي ينبغي الاتفاق عليه أو الإيمان به كونه محدد لمسار حياة المواطنين ومستقبلهم، والمنشأ لمؤسسات الدولة وسلطاتها والمنظم للعلاقات بينها. 

هذا الأمر يطرح مسألة أيّ نظام سياسي أنسب للدولة الفلسطينية وللفلسطينيين؛ ففي ظل غياب نقاش مجتمعي ومع الاحترام لتحفظ العديد على طريقة وشكل ووقت إنشاء لجنة صياغة الدستور، يبدو من الأهمية طرح الأفكار وطرقها أو إطلاقها للنقاش العام لتفضيل النظام البرلماني القائم على وجود رئيس دون صلاحيات تنفيذية (أي يسود ولا يحكم) مقابل وجود رئيس حكومة لديه الأغلبية في المجلس التشريعي المنتخب، والحكومة لديها جُل السلطات التنفيذية. في المقابل النظام البرلماني يعطي للبرلمان صلاحية مساءلة السلطة التنفيذية بكاملها؛ كمحددات رئيسية لشكل النظام السياسي. 

تستند المناداة بالنظام السياسي البرلماني على عوامل تاريخية وسياسية ودستورية ذات دلالة في حياة الفلسطينيين ونظامهم السياسي. فعلى صعيد القواعد الدستورية فإنّ وثيقة إعلان الاستقلال، التي تبناها المجلس الوطني الفلسطيني في 15 من تشرين الثاني/ نوفمبر 1988، حددت شكل النظام السياسي لدولة فلسطين بالنظام البرلماني حيث نصت على "إن دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا؛ فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق، وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسانية، في ظل نظام ديمقراطي برلماني". 

وفي ذات السياق، أكدت المحكمة الدستورية في الحكم الصادر في 12/3/2018 بالطلب التفسيري رقم 5/2017 على علو مكانة وثيقة إعلان الاستقلال بقولها "تعتبر وثيقة إعلان الاستقلال جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الدستورية في فلسطين، بل وأعلاها سمواً، يأتي بعدها القانون الأساسي...". الأمر الذي جعل أيّ شخص أو لجنة أو مؤسسة غير قادرة على تجاوز هذا الحكم الدستوري "باعتبار قرارات المحكمة الدستورية فوق دستورية"،  وأن "أحكام المحكمة في الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة والكافة وفقا لأحكام المادة 41 من قانون المحكمة الدستورية هذا من جهة، وأن مخالفة قرار المحكمة الدستورية وتوجهاتها تعني ارتكاب جريمة وفقاً لأحكام المادة 106 من القانون الأساسي " الأحكام القضائية واجبة التنفيذ والامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها على أي نحو جريمة يعاقب عليها بالحبس، والعزل من الوظيفة إذا كان المتهم موظفاً عاماً أو مكلفاً بخدمة عامة، وللمحكوم له الحق في رفع الدعوى مباشرة إلى المحكمة المختصة، وتضمن السلطة الوطنية تعويضاً كاملاً له".

أما فيما يتعلق بالسياق التاريخي على مدار الثلاثين عاماً الفارطة لم ينجح النظام الرئاسي الذي كان معمول به قبل العام 2003، وكذلك النظام نصف الرئاسي نصف البرلماني الذي تم العمل به بعد تعديل القانون الأساسي آنذاك بل جرى صدام داخل النظام السياسي فتت المؤسسات السياسية وعزز الانقسام، وفي كلاهما تغولت السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية والقضائية. الأمر الذي يقتضي عدم تكرار تجربة الفشل الدستوري القائم وكما حصل في نظم العالم الثالث التي تحول إلى نظام رئاسوي قائم على التبعية لشخص الرئيس وليس لمكانة المؤسسات الدستورية. أو غلبة العصبية القبلية "الحزبية" على طبيعة النظام السياسي مما يتيح فرصة لتحكم شخص أو مؤسسة واحدة ببقية مكونات النظام السياسي. مما يقتضي تبين النظام السياسي البرلماني باعتباره الأنسب والأفضل لدولة فلسطين على المستوى السياسي ويمنع ارتكاب جريمة بمخالفة أحكام القضاء الفلسطيني الملزمة للكافة والمعاقب عليها بنص القانون الأساسي.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.