الحملات الغربية ضد الصين: تشويه متعمّد أم خوف من البديل؟
مقالات

الحملات الغربية ضد الصين: تشويه متعمّد أم خوف من البديل؟

 منذ أن بدأت الصين تنهض بهدوء في أواخر القرن العشرين وتعيد بناء نفسها خارج المظلة الغربية أصبح من الواضح أن هذه الدولة ذات الجذور الحضارية العميقة تسير في طريق مختلف عن السائد ، لم تكن تنهض تحت راية الديمقراطية الليبرالية ولا تتبنى شعارات العولمة الغربية بل كانت تصوغ تجربتها الخاصة بملامح شرقية وتقاليد جماعية واستراتيجية قائمة على العمل والانضباط والصبر الطويل.

لكن هذا النجاح لم يكن موضع ترحيب في العواصم الغربية ففي حين كانت الصين تبني وتستثمر وتربط العالم اقتصادياً كانت مراكز القرار في واشنطن ولندن وبروكسل تنظر إلى هذا التقدّم بعين الريبة شيئاً فشيئاً و تحوّل الصعود الصيني في الخطاب الغربي إلى خطر ثم إلى تهديد ثم إلى مادة يومية لحملات سياسية وإعلامية تُصور الصين على أنها الخطر الأعظم على النظام العالمي.

بدأت الصفات تتراكم على صورة الصين في الإعلام الغربي: قمعية، استبدادية، توسعية، غير أخلاقية، لا تحترم القيم الإنسانية ، ولم يكن هذا الوصف نتيجة ممارسات حقيقية بقدر ما كان نتاجاً  لحملة منظّمة هدفها تشويه البديل المحتمل قبل أن يكتسب شرعية لدى الشعوب.

والمدهش أن غالبية هذه الاتهامات لا تُوجَّه إلى الصين لأنها اعتدت على أحد بل لأنها اختارت أن تسلك طريقاً مستقلاً لا يخضع للهيمنة الغربية ، لم تحتل الصين دولة عربية ولم تُسقط نظاماً  بالقوة ولم تفرض على الشعوب نمط حياة أو دستوراً  معيناً كل ما فعلته أنها أطلقت مشروع “الحزام والطريق” الذي ربط أكثر من مئة دولة بمصالح تنموية مشتركة وقدمت من خلاله القروض والموانئ والطرق والتكنولوجيا دون شروط سياسية أو تدخلات داخلية.

في إفريقيا بنت الصين المستشفيات والمطارات و المساجد حصل في الحزائر بنوا اكبر مسجد هناك و في الشرق الأوسط وقّعت اتفاقيات في الطاقة والتقنية والبنية التحتية و في آسيا الوسطى ساهمت في التعليم والتواصل الإقليمي ، فعلت كل ذلك دون أن تطلق رصاصة أو تفرض “إصلاحات ديمقراطية” مشروطة بفوز رجلهم الخاضع لهم كما يفعل الغرب ولهذا تحديداً باتت تُعتبر خطراً .

في نظر معظم دول الجنوب العالمي لا تُعد الصين قوة استعمارية أو وصائية أخلاقية بل هي شريك عملي يحترم السيادة ويبحث عن المنفعة المتبادلة ولهذا وجدت لها مكاناً واسعاً في العالم العربي والإسلامي وفي إفريقيا وفي أمريكا اللاتينية حيث فشلت القوى الغربية في بناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل.

ورغم كل هذا استمرت آلة الإعلام الغربي في التركيز على قضية واحدة: الإيغور. رُسمت صورة مظلمة عن اضهاد بينما تجاهلت هذه الحملات أن الصين تضم أكثر من 56 قومية وأن سياساتها موجهة ضد الانفصال والإرهاب وليس ضد الإسلام أو المسلمين ، لم يذكر أحد أن دولاً  كالسعودية وتركيا وإيران تتعامل مع الصين دون قلق وجودي بل بانفتاح متبادل وتبادل ثقافي واقتصادي نشط.

والأهم أن الصين لم تمانع فتح أبوابها للجان دولية محايدة في وقت تصر فيه بكين على أن الغرب يدعم قوى انفصالية في هونغ كونغ وتايوان ويحرّض على زعزعة استقرارها من الداخل في تناقض واضح مع اعترافه الرسمي بأن هذه المناطق جزء من الصين.

تجاهل الإعلام الغربي أيضاً أن الصين كانت من أكثر الدول دفاعاً  عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية وأنها لم تشارك في تمويل أو حماية الحروب التي دمرت العراق أو مزقت ليبيا أو أحالت سوريا إلى أنقاض بل دعمت الصين – ولا تزال – حركات التحرر في الجنوب العالمي بينما قاد الغرب حملات استعمارية حديثة للسيطرة على الموارد الطبيعية و الممرات البرية والبحرية و الجوية في منطقة الشرق الأوسط.

في المقابل لم يسأل أحد في الغرب نفسه: ما موقفنا من اضطهاد المسلمين في بورما والهند؟ ما ردّنا على حرب الإبادة في غزة؟ ماذا عن السجون السرية والتنصّت العالمي والعقوبات الاقتصادية التي تفتك بحياة المدنيين؟ لماذا لا تُسلّط الأضواء على ذلك؟ لأن الهدف لم يكن – يوماً – الدفاع عن الإنسان بل منع صعود مشروع لا يمر عبر واشنطن.

ورغم أن الصين دولة ذات نظام مركزي صارم وتفرض قيودا أمنية لحماية نفسها من التجسس و التخريب الخارجي فإنها لا تمارس النفاق السياسي الذي اعتاده الغرب و لا تتحدث عن الحرية وتدعم الانقلابات ولا تروّج للديمقراطية وتؤيد الأنظمة القمعية وتحميها و تنهب خيراتها و لا تفرض على الدول نماذج جاهزة ولا تبتزها اقتصادياً  ولا تُذرف دموع التماسيح على حقوق الإنسان بينما تحاصر الشعوب و تدعم الابادة في فلسطين.

ما تتعرض له الصين اليوم ليس نقداً موضوعياً مشروعاً بل حملة ممنهجة ومستمرة هدفها الأساس: منع ولادة نموذج عالمي بديل نموذج لا يتكلم بلغة الاستعلاء ولا يحتكر الأخلاق ولا يقدّم نفسه منقذاً  للعالم ، نموذج يرى في التعاون لا الهيمنة وفي البناء لا الاحتلال وفي المنفعة المتبادلة لا الاستغلال وفي المصير المشترك لا التفوق العنصري.

نعم الصين ليست دولة كاملة الأوصاف ولكنها لم تعتدِ على أحد ولم تسحق الشعوب ولم تسرق ثروات الآخرين ، إنها قوة صاعدة تطمح إلى لعب دور عالمي وتسعى إليه عبر الإنتاج لا الحرب وعبر التجارة لا الانقلابات وعبر الحوار لا التهديد و همها الاول نقل شعبها للحياة الرغيدة .

وفي زمن تتغيّر فيه موازين القوى وتتهالك الأساطير القديمة ربما آن الأوان لأن نعيد النظر: ما نراه اليوم من “شيطنة الصين” قد لا يكون إلا ستاراً  يخفي خوفاً حقيقياً… خوف الغرب من أن يفقد احتكاره للرواية، وللقوة، وللحقيقة و يفقد قدرته على استعباد البشر و نهب خيراتهم .

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.