
المرونة النفسية للمعلم الفلسطيني في قلب العاصفة : الذكاء الانفعالي وقود التربية المقاومة
في خضمّ الدمار الممنهج والعنف المستشري الذي تمارسه الآلة الهمجية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني بأسره، يبرز دور المعلم الفلسطيني ليس فقط كناقل للمعرفة ، بل كحصن نفسي ورمز للثبات الوجودي. يواجه المعلم الفلسطيني تحديات وجودية فريدة، حيث تتحول الفصول الدراسية – إن وجدت – إلى ساحات للصمود اليومي وحكايات بطولة ، والمناهج إلى أدوات لترسيخ الهوية في وجه محاولات الطمس الطويلة ، والتفاعل التربوي إلى عملية شفاء جماعي. هنا، يصبح الثبات العاطفي ليس مجرد سمة شخصية مرغوبة، بل شرطًا ضروريًا للبقاء والفاعلية التربوية، يتجلى كفعل مقاومة يومي ضد إرهاب دولة الاحتلال الذي يستهدف العقل والروح قبل الجسد.
تتطلب هذه الحالة من المعلم الفلسطيني تجسيد "المرونة النفسية" بمعناها الأعمق، وهي القدرة على التكيف الإيجابي رغم الصدمات المتكررة والتهديد المزمن. هذه المرونة لا تعني انعدام التأثر أو التجرد من المشاعر الإنسانية المشروعة من حزن وغضب وخوف ، بل تعني إدارة هذه المشاعر ضمن "الذكاء الانفعالي" العالي. يتجلى هذا في قدرة المعلم على تنظيم انفعالاته الذاتية، وقراءة الاحتياجات النفسية المعقدة لطلابه الذين يعيشون نفس الكابوس، وتحويل الفصل إلى "مساحة آمنة نفسيًا" نسبيًا، توفر الدعم العاطفي والإحساس بالأمان والاستمرارية وسط الفوضى. يتحمل المعلم هنا عبئًا مضاعفًا: عبء الذات الجريحة وشبه المنهكة ، وعبء شفاء الجروح النفسية للطلبة ، مما يستدعي "التنظيم المشترك للمشاعر" كاستراتيجية تربوية حيوية، حيث يقدم نموذجًا للهدوء النسبي والتركيز، ليسدّد بذلك شراع الأمل وسط العاصفة.
من المنظور الفلسفي التربوي، فإن ممارسة المعلم الفلسطيني تحت القصف تُعد تجسيدًا حيًا لمفهوم "التربية المقاومة" أو "تربية التحرير" كما صاغها باولو فريري. التعليم هنا يصبح فعلاً سياسيًا وجوديًا بامتياز، تحدياً لسياسات الإبادة والإقصاء والعنصرية . الثبات العاطفي للمعلم هو الوقود الذي يسمح له بتحويل الفضاء التعلمي – مهما بدا هشاً – إلى فضاء للمقاومة الثقافية والنفسية بوعي، حيث يصبح الحفاظ على الروتين التعليمي التعلمي قدر الإمكان، والتركيز على تعلم التفكير النقدي والتاريخ والهوية، شكلاً من أشكال التحدي للقوة الغاشمة التي تسعى لسحق الإرادة والذاكرة الفلسطينية . إنه ثبات ينبع من "الالتزام القيمي" الراسخ تجاه رسالة التعلم و التعليم كحق أساسي وأداة لصون الكرامة الإنسانية وبناء المستقبل، رغم كل محاولات التشويه والتدمير.
تتطلب تعزيز هذه الصلابة الداخلية دعماً مؤسسياً ومجتمعياً لا غنى عنه، من خلال برامج "الدعم النفسي الاجتماعي" المستمرة والمتخصصة للمعلمين أنفسهم، وتوفير "شبكات الأمان المهنية" التي تمكنهم من مشاركة تجاربهم وتلقي الدعم من الأقران. كما أن الاعتراف المجتمعي والدولي بدورهم البطولي كـ "حماة للتعليم" في ظل ظروف تصنف كـ "انتهاك منهجي للحق في التعليم" يُعد شكلاً من أشكال الدعم المعنوي. رغم ذلك، يظل جوهر الثبات العاطفي للمعلم الفلسطيني ينبع من إيمانه الراسخ بقيمة الإنسان وكرامته، ومن صلته العضوية بأرضه وشعبه، وقناعته بأن كل حرف يكتبه، وكل طمأنة يقدمها لتلميذ مرعوب، وكل لحظة يستمر فيها في العطاء رغم حاجته، هو انتصار صامت على منطق القتل والتدمير، وبناء متواصل لمستقبل يرفض أن يُسرق رغم كل الدمار.

المرسوم الرئاسي وتحدي إجراء الانتخابات

هندسة الجوع: كيف ورثت إسرائيل سلاح النازية الصامت؟

الدين العام الفلسطيني: من يُقرض من؟ وإلى متى؟

أين حركة فتح؟

القادم أسوأ إن بقيت المواقف على حالها

مرسوم الانتخابات والمأزق الفلسطيني: بين الحاجة للإصلاح ومخاطر الإقصاء

عن غزة: بين جوعها وتجويعها
