
هل يرى الإسرائيليون في قبرص «أرض ميعاد» جديدة؟
صدى نيوز - عندما دخل «دورون» (اسم مستعار) مع عائلته إلى المطعم الشامي الصغير في مدينة ليماسول القبرصية، كان مزهواً ومرحاً. قال بالعبرية، معتقداً أن لا أحد من الزبائن يتقنها: «لا نستطيع أن نأكل حمص في دمشق، فعلى الأقل نأكله في مطعم سوري هنا». وضحكوا جميعاً.
لكن هذه لم تكن مزحة عادية، بل تنطوي على كثير من الرمزية التي تتجاوز مساحة مطعم صغير.
على سبيل المثال، يلتقي هنا نوعم شني، الطبيب والباحث الذي غادر إسرائيل مع بداية عمل حكومة بنيامين نتنياهو، احتجاجاً على الانقلاب على منظومة الحكم والجهاز القضائي، واستقر في قبرص حيث تحوّل إلى رجل أعمال في مجال العقارات. وأقام شني شراكة مع أحمد الهلالي وهو رجل أعمال سوري هرب بدوره من سوريا في عهد بشار الأسد وأقام في قبرص. بحث الرجلان عن بلاد تمنح مواطنيها فرصاً للعمل والنجاح، وتعرّفا بالصدفة. بنى شني والهلالي صداقة تحولت لشراكة، وكلاهما يعلن أنه مستقرّ وسيبقى في قبرص، حتى إذا ساد السلام في بلديهما.
ولكن، لماذا قبرص؟ وهي التي تشهد نقاشات حادة في الشهور الأخيرة حول الهجرة المتزايدة إليها بشكل عام، وهجرة الإسرائيليين بشكل خاص؟
حسن الجوار
كل من تسأله هنا في ليماسول يجيبك بسلسلة من عبارات التقدير لهذه الجزيرة؛ «تصون الجيرة الحسنة»، «هدوء أعصاب وراحة نفسية حقيقية»، «أناس طيبون ذوو قيم عالية»، «شبيهة بنا في المناخ وفي الطعام وفي الموسيقى»، «بلدة أوروبية رسمياً وشرق أوسطية في الجوهر» وغير ذلك.
ولكن القبارصة لا يبدون مرتاحين لهذا التدفق السوري والإسرائيلي على بلدتهم الوادعة. سائق التاكسي الذي أقلنا من مطار لارنكا إلى ليماسول، قال: «نحن نحب الناس. ولا توجد لدينا مشكلات مع الضيوف. لكننا نشهد غلاء فاحشاً في أسعار السكن، منذ بدأت الهجرة نحونا. والغلاء بدأ يطول كل جوانب المعيشة. والحكومة عندنا لا تفلح في تغيير هذا الواقع». وتكرر هذا التذمر على لسان سائقي تاكسي آخرين، وكذلك لدى موظف الفندق وأصحاب حوانيت ومحال صغيرة، وصحافيين عديدين ممن التقيناهم.
«مستوطنة إسرائيلية»
يعيش اليوم في قبرص نحو 15 ألف إسرائيلي، ويثير وجودهم نقاشات حادة بلغت حد قيام الأمين العام لحزب «أكيل» اليساري، وثاني أكبر الأحزاب في البلاد، ديميتريس خريستوفياس، بالتحذير من ظاهرة «غزو استيطاني يهودي للجزيرة». وخريستوفياس، الذي شغل منصب رئيس الجمهورية (2008 – 2013)، شخصية مرموقة في البلاد ويحظى بقبول شعبي، بينما يراه دبلوماسي إسرائيلي خدم في نيقوسيا، «شخصية خطيرة ومؤثرة، وينبغي لإسرائيل التواصل معه حتى يعدل عن هذا الخطاب المتطرف».
التلفزيون الإسرائيلي الرسمي «كان 11»، بث تقريراً في الأسبوع الأخير بعنوان «قبرص إكسبرس» يحكي عن حياة الإسرائيليين في قبرص، مستخدماً تعبير «مستوطنة إسرائيلية». والتقى معدو التقرير عدداً من الإسرائيليين الذين استقروا في الجزيرة، وغالبيتهم أكدوا أنهم لا يفكرون في العودة إلى البلاد في السنوات القريبة، لأنهم يرون أن العيش في قبرص أفضل منه في إسرائيل.
قسم كبير منهم أناس ناجحون، في مجالات العقارات والطب والتكنولوجيا والتجارة ويجدون أن العلاقات الإنسانية هنا غير موجودة في إسرائيل. واللافت أن هذه الهجرة بدأت تشكل جالية فعلية، لديها مدارس يهودية ومعابد يهودية ومطاعم «كوشير» (حلال) وعمارات شاهقة وأحياء بغالبية إسرائيلية في المدن الأساسية مثل ليماسول وبافوس ولارنكا وأيا نابا. واللغة العبرية مسموعة بوضوح في الأسواق والمطاعم والفنادق الفخمة، وقد باتت لديهم حتى مقبرة يهودية.
«أرض موعودة أخرى»
صحيفة «بوليتيس» القبرصية تحدثت عن «تصاعد شراء الإسرائيليين لأراضٍ ومنازل في الجزيرة خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران». وقالت الصحيفة في تقرير لها بعنوان: «كأنها أرض موعودة أخرى... لماذا يشتري اليهود الأراضي في قبرص؟»، يبدو أن هناك «توجّهاً منظّماً لإيجاد موطئ قدم مستقرّ للإسرائيليين خارج إسرائيل».
وطرح حزب «أكيل» مشروعي قانون إلى مجلس النواب القبرصي يهدفان إلى «تنظيم وضبط آليات منح التأشيرات الذهبية»، التي تُمنح للأجانب مقابل استثمار لا يقل عن 300 ألف يورو في العقارات أو الأسهم في الشركات، ومراقبة عمليات أخرى «يتم استخدامها بدائل، وتتيح لمواطني دول ثالثة شراء العقارات بشكل جماعي، وغالباً في مناطق حساسة جغرافياً بالقرب من منشآت حيوية تابعة لجمهورية قبرص».
وقال الأمين العام للحزب: «بلدنا يُنتزع منا... إسرائيل تحتلنا. الإسرائيليون يشترون عقارات في مناطق حساسة تهدد الأمن القومي للجزيرة».
أقلية ضمن أقليات
يستغرب الإسرائيليون هذا التوجه ويعدّونه «يندرج في إطار العداء للسامية». وكما قال لنا الدبلوماسي الإسرائيلي مفضلاً عدم الكشف عن اسمه: «توجد في قبرص أقليات أخرى أكبر عدداً (من الإسرائيليين). هناك نحو 30 ألف روسي مثلاً و40 ألف بريطاني، فلماذا لا يعترضون عليهم. لقد اعترضوا على الوجود السوري الذي يبلغ بحسب تقرير الخارجية القبرصية 33 ألفاً، لكن المعارضة بدأت تخف بعدما انهار نظام الأسد وبدأ تنظيم عودتهم إلى بلادهم. والآن يهاجمون فقط الوجود الإسرائيلي». ويضيف: «بين المواطنين الإسرائيليين في قبرص يوجد أيضاً عرب (من فلسطينيي 48). لكن الانتقادات توجه فقط للوجود اليهودي».
تعاون أمني مسكوت عنه
اللافت للنظر في كل هذه القصة، أن الانتقادات التي تسمع في قبرص حول الوجود الإسرائيلي، تتحدث عن هؤلاء المواطنين الذين اختاروا العيش في الجزيرة بحثاً عن الرفاه والرخاء والأمان، وليس عن الوجود الإسرائيلي الأمني العميق، بل والعميق جداً.
فهذا البلد، الذي كان من أوائل دول أوروبا التي تعاطفت مع الشعب الفلسطيني واعترفت بفلسطين دولة، وهاجم رئيسها المطران مكاريوس، سياسة الاحتلال الإسرائيلي، واستوعبت مجموعة كبيرة من النخب الفلسطينية بعد الخروج من بيروت في ثمانينات القرن الماضي، ومن عاصمتها صدرت مجلة «فلسطين الثورة» وغيرها من منشورات «منظمة التحرير الفلسطينية»، تحول في العقود الثلاثة الأخيرة لقاعدة خلفية لإسرائيل.
ففي فترة الحرب على إيران، نقلت شركة الـ«عال» إلى نيقوسيا طائراتها المدنية، خوفاً من قصفها بالصواريخ الإيرانية والحوثية. وكانت تلك مظاهر معبرة عن التغيير الكبير في العلاقات بين البلدين، الذي بدأ مع انطلاق مؤتمر مدريد للسلام.
وفي حينه، انضمت قبرص أيضاً إلى قطار الدول التي حسنت علاقاتها بإسرائيل لتشجيعها على السير في طريق السلام وإنصاف الشعب الفلسطيني. وكالعادة، اهتمت حكومات إسرائيل باختبار حسن النيات في الشؤون الأمنية، فعرضت على قبرص أن تكون جزءاً من مجموعة الدول التي تحارب الإرهاب. وتحت هذا العنوان العريض، قدمت تل أبيب اقتراح تعاون استخباري، سريعاً ما بلغ مستويات من التعاون العسكري. وقطفت إسرائيل الثمار في أعقاب تأزم العلاقات بين قبرص وتركيا.
وتجلّى ذلك بشكل خاص مع قضية أسطول الحرية، عندما هاجمت إسرائيل سفينة مرمرة وقتلت تسعة ملاحين أتراكاً، فتدهورت العلاقات بين أنقرة وتل أبيب. واضطرت إسرائيل إلى إغلاق قاعدة للموساد في تركيا. وأوقفت تركيا أراضيها وأجواءها أمام النشاط الإسرائيلي العسكري وألغت الاتفاق الذي كان يسمح لسلاح الجو الإسرائيلي بإجراء تدريباته الحربية في تركيا. وراحت إسرائيل تبحث عن بديل، فكانت اليونان وقبرص.
وفي مثل هذه الأيام قبل عشر سنوات، وتحديداً في 28 يوليو (تموز) من سنة 2015، قام نتنياهو بزيارة رسمية إلى نيقوسيا، وأبرم معها اتفاقاً لإجراء تدريبات عسكرية على أراضيها.
وفي شهر يونيو (حزيران) من سنة 2017، أجرى الجنود الإسرائيليين «تدريبات على القتال داخل أراضي العدو» في جزيرة قبرص لمدة أسبوع كامل، بمشاركة 500 مقاتل بينهم كتيبة للكوماندوز. وبحسب «تايمز أوف إسرائيل»، اختبر التدريب قدرات جنود الكوماندوز في ظروف جديدة وذات تحديات عالية، شبيهة بظروف لبنان. وتبين أن ذلك كان سادس تدريب من نوعه، لكنه كان استثنائياً بسبب حجمه وبسبب اعتراف الجيش الإسرائيلي أصلاً بأن جنود الكوماندوز موجودون في دولة أجنبية.
محاكاة للمنظومة الإيرانية
في شهر أبريل (نيسان) من السنة الماضية، نقلت القناة الـ«12» الإسرائيلية عن مصادر عسكرية قولها إن مناورات إسرائيلية في قبرص تمت فيها محاكاة لتجهيز المنظومتين الدفاعية والهجومية للرد على أي هجوم إيراني. وشدد مسؤولون عسكريون كبار في الجيش الإسرائيلي على أن الجيش متأهب لأي عملية عسكرية في أي جبهة، وأن المناورات في قبرص هدفها تدريب سلاح الجو الذي كان منشغلاً بتنفيذ عمليات في غزة ولبنان.
وفي شهر يونيو 2024، خرج أمين عام «حزب الله» اللبناني حينها، حسن نصر الله، بتحذير إلى قبرص بسبب وصول «معلومات تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي يقوم في كل عام بعمل مناورات في قبرص في مناطق جبلية مشابهة للبنان وجنوبه ويستخدم المطارات القبرصية». وأضاف نصر الله خلال تأبين أحد قادة الحزب: «إسرائيل تفترض في الحرب المقبلة أن المقاومة في لبنان ستستهدف المطارات ومدارج الطائرات الإسرائيلية، فستستعيض عنها باستخدام المطارات والقواعد القبرصية في حربها على لبنان». وتابع نصر الله قوله: «فتح المطارات والقواعد القبرصية للعدو الإسرائيلي لاستهداف لبنان يعني أن الحكومة القبرصية جزء من الحرب، وستتعاطى معها المقاومة على أنها جزء من الحرب».
ومع أن قبرص ردت على ذلك بنفي المعلومات، فإن النفي لم يقلّل من شأن علاقات التعاون العسكري الواسع بين البلدين. فهي لا تزال مستمرة وثابتة.
لذلك، فإن مسألة دخول 15 ألف إسرائيلي للعيش الإنساني والعمل في قبرص، على كل ما يحتويه ذلك من «ثقل دم» بالنسبة للقبارصة، وتجاوزات وأحاديث هوجاء عن استيطان يهودي، ليست مصدر التهديد أو القلق الفعلي للمواطنين القبارصة، بل ذلك التعاون العسكري الثقيل.

وسائل إعلام عبرية: إسرائيل فشلت أمام التغطية الإعلامية الدولية بشأن مجاعة غزة

يديعوت أحرونوت ترصد خيارات أميركا ضد حماس بعد تصريحات ويتكوف

قناة عبرية تكشف عن فضيحة للسفير الإسرائيلي في الإمارات وغضب المسؤولين الإماراتيين منه

ويتكوف يتهم حماس بعدم رغبتها في التوصل لاتفاق وإسرائيل تؤكد مواصلة المفاوضات

الرئيس يصدر قرارا بترقية العميدين ناصر عدوي ومعين السكران لرتبة لواء وتعيينهما نائبين لجها...

62 مسؤولاً إسرائيلياً يطالبون بـ"إعادة الوجود اليهودي" في قبر يوسف بنابلس

(محدث): في أول لقاء مع مسؤولين فلسطينيين.. الشيخ ومصطفى يستقبلان هاكابي في رام الله لبحث ا...
