الحرب على إيران وخطأ مقاربة 67
مقالات

الحرب على إيران وخطأ مقاربة 67

سارع بعض المحللين الإسرائيليين إلى مقاربة الحرب على إيران بحرب 1967 على مصر ودول المواجهة العربية الأخرى، مشبّهين ما حلَّ بـ"معسكر المقاومة" (الإسلامي) المناوئ لإسرائيل الذي تقوده إيران، في أعقاب الضربات التي وُجّهت لحلقاته وأدّت إلى تحييد حزب الله وسقوط النظام السوري وتوّجت بالعدوان الأخير على إيران، بما حلَّ بالتيار القومي الذي قادته مصر بزعامة عبد الناصر بعد هزيمة 1967 التي أدّت إلى قصم ظهر هذا التيار.

في هذا السياق، وصف ميخائيل ميليشطاين، مدير الدراسات الفلسطينية في معهد ديان التابع لجامعة تل أبيب، ما حدث بأنه لا يقتصر على هزيمة عسكرية يقف في مركزها تدمير منظومات عسكرية واسعة، يجعل تدميرها من الصعوبة بمكان تطوير ردٍّ ناجح ضد إسرائيل، كما يزعم، بل يتعدى ذلك إلى خلخلة عقيدة المقاومة التي تبنّتها وقادتها إيران في العقود الأخيرة، والتي تحوّلت إلى محور موحّد تشكّل من عدة لاعبين في المنطقة، وخُطّط كعملية استراتيجية (دائرة نيران) وفكرة ساحرة قادرة على إبادة إسرائيل.

لكن رغم "الأوفوريا" التي أصابت المؤسسة الإسرائيلية ومجتمعها الاستيطاني نتيجة العدوان على إيران، خاصة إثر النجاح الذي حققته الضربة الجوية الأولى المدعومة أميركيًا والمستندة إلى اختراق استخباراتي، ذَكّر بالاختراق الذي أدّى إلى ضرب حزب الله وتحييده، بالرغم من ذلك، فإن تعرّض إسرائيل لضربات موجعة ودمار لم تشهده مدنها الرئيسية سابقًا، إضافة إلى عدم نجاحها، رغم المساعدة الأميركية، في تدمير برنامج إيران النووي، يشير إلى أن المقارنة مع الهزيمة التي تلقتها مصر والتيار القومي عام 67 متعجّلة بعض الشيء، وإن كنا لا ننكر أن محور المقاومة الذي تقوده إيران قد تلقّى سلسلة ضربات حاسمة.

هذا ناهيك عن أن تداول فكرة مقاومة إسرائيل، المتمثّلة باستهداف وجودها في المنطقة، التي أشار إليها ميليشطاين، وانتقالها من التيار القومي إلى التيار الإسلامي، وعبور زمام قيادة هذه المواجهة من مصر إلى إيران، يعني بما يعنيه فشل إسرائيل في القضاء على فكرة المقاومة التي تسري في كيان الأمة العربية والإسلامية، ومثلما كان القضاء على قائد مقاوم يُنبت قائدًا أشد وأمرّ منه، فإن هزيمة دولة أو تيار تقود إلى بديل أكثر قوّة وحزمًا.

ولعلّه من المفارقات الغريبة أن يتزامن توقيع السادات "اتفاقية كامب ديفيد" التي أخرجت مصر من معادلة الصراع، وحوّلتها من ألد أعداء إسرائيل إلى دولة صديقة لإسرائيل، أن يتزامن ذلك مع انتصار الثورة الإيرانية 1979، التي حوّلت بدورها إيران من دولة صديقة لإسرائيل إلى أشدّ أعدائها، وأنه في الوقت الذي كان يستقبل فيه السادات الشاه المخلوع لاجئًا في مصر، كان آية الله خميني يستقبل ياسر عرفات ويرفع العلم الفلسطيني فوق السفارة الإسرائيلية التي تحوّلت إلى فلسطينية.

وبرغم اعتقاد إسرائيل أن اتفاق أوسلو، الذي وقعته مع منظمة التحرير الفلسطينية، سينهي الصراع ويمنح لوجودها في المنطقة الشرعية السياسية المرجوة، فإن المعارضة الإسلامية، الممثلة بحركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، ومنظمة حزب الله اللبناني، إلى جانب بعض الفصائل اليسارية التي استظلت بالمظلة الإيرانية، أبقت جذوة المقاومة متقدة، وأدخلت إسرائيل في جولات جديدة من الحروب المحدودة ضد لبنان وغزة وإيران ذاتها لاحقًا، وهو ما أثبت أن الحلول الجزئية والمنقوصة لن تجلب الأمان والاستقرار لإسرائيل في المنطقة.

لقد احتلت إيران، على مدى نصف القرن الماضي تقريبًا، وبالذات بعد تحييد العراق بشكل نهائي عن معادلة الصراع عام 2003، دورًا محوريًا في المواجهة التاريخية الدائرة منذ زهاء المئة عام مع المشروع الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، حيث واصلت الطريق الرافض للتسليم بشرعية هذا المشروع، والداعي إلى استئصاله، الذي شقّه التيار القومي بقيادة جمال عبد الناصر. ولذلك، من الطبيعي أن تواجه ما واجهته من عدوان إسرائيلي/ أميركي استهدف منشآتها النووية، ومقدّراتها الاستراتيجية، ورموز نظامها المقاوم، لكنها صمدت ووجّهت ضربات مؤلمة للعمق الإسرائيلي، محدثةً في بعض شوارع مدن إسرائيل دمارًا يذكّر بمشاهد من جباليا وبيت لاهيا في غزة.

وبهذا المعنى، فإن إيران لم تهتز من ناحية البنية المادية والسياسية، لكن السؤال: هل تؤدي هذه الضربات إلى اهتزاز عقيدتها وخطابها المتعلّقان بإسرائيل؟ خاصة وأن تجربة 67 تفيد بأنه، رغم تمكّن مصر من ترميم قوتها العسكرية بعد ست سنوات فقط، ومباغتة إسرائيل في حرب أكتوبر 73، إلا أنها وقعت معها اتفاقية سلام أخرجتها من معادلة الصراع بعد ست سنوات أيضًا.

لا شكّ أن ضرب أذرع "الأخطبوط الإيراني"، باللغة الإسرائيلية، مكّن إسرائيل من ضرب رأسه المتمثّل بإيران نفسها، كما يقولون، وأن الضربة كانت موجعة، كما أن ترميم كلّ هذا الضرر يحتاج إلى كثير من الوقت، إذا ما تيسّر ذلك، وهو ما يثير الأمل في نفوس الإسرائيليين بانكفاء إيران وانشغالها بشؤونها الداخلية ومصالحها الوطنية، كما حدث مع مصر بعد عدوان 1967.

من جهتنا، لا نتوقّع حدوث ذلك، وإن حدث، فإنه ربما لإفساح المجال لقوى ودول أخرى للتصدّي لهذه المهمة التاريخية.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.