السماء الصافية لن تساعد سد الصين بتكلفة 167 مليار دولار
اقتصاد دولي

السماء الصافية لن تساعد سد الصين بتكلفة 167 مليار دولار

صدى نيوز -تُبقي الدولة الأكبر تلويثاً في العالم الانبعاثات تحت السيطرة، من دون أي مساعدة من الطقس.

انخفض توليد الكهرباء من محطات الطاقة الحرارية في الصين بنسبة 1.3% حتى يوليو من العام الجاري، وإلى جانب تراجع إنتاج الأسمنت بنسبة 4.5% والصلب بنسبة 3.1%، فإن ذلك يُعد مؤشراً على أن استهلاك الفحم ما يزال في انخفاض، حتى في ظل استمرار نمو النشاط الصناعي. ونظراً لأن البلاد مسؤولة عن نحو ثلث إجمالي الانبعاثات الكربونية، فإن هذه أنباء إيجابية تماماً.

أداء ضعيف للطاقة الكهرومائية

مع ذلك، كان يفترض أن يكون الوضع أفضل بكثير لولا الأداء الضعيف المستمر للطاقة الكهرومائية. وقد يدفع هذا الأمر القيادة الصينية إلى التريث، في الوقت الذي تُطلق فيه مشروع سد "يارلونغ تسانغبو" بقيمة 167 مليار دولار، وهو مشروع يُبنى على الحافة الشرقية من التبت، ومن المتوقع أن يُصبح أكبر محطة للطاقة في التاريخ بمجرد اكتماله.

رفعت الصين قدرة مولداتها الكهرومائية بأكثر من الثلث منذ عام 2020، لكن إنتاجها من الكهرباء العام الجاري ارتفع حتى الآن بنسبة 11% فقط، وانخفض توليد الطاقة الكهرومائية حتى يوليو بمقدار 27.8 تيراواط ساعة مقارنة بنفس الشهر في 2024، وهو انخفاض يكاد يكون بنفس حدة التراجع في الطاقة الحرارية الذي بلغ 37.4 تيراواط ساعة. ولأسباب غير واضحة تماماً، تحصل البلاد على عدد أقل فأقل من الإلكترونات مقابل كل هذا الإسمنت الذي تستخدمه في بناء السدود على أنهارها.

تراجع هطول الأمطار

يعد تراجع كميات الأمطار أحد العوامل المؤثرة الواضحة، وإذا كنت ترغب في فهم مسار الانبعاثات في عام معين، فعليك النظر إلى كمية المياه المتدفقة في حوض نهر اليانغتسي. إذ توفر شبكة السدود فيه نحو خمس الطاقة الكهرومائية في العالم. وعندما تنخفض مستويات تلك القنوات، يكون الفحم هو البديل الذي يعوض النقص.

العام الجاري ليس استثناءً، فرغم الفيضانات والأعاصير التي ضربت بكين والمقاطعات الساحلية خلال الشهر الماضي، فإن كمية الأمطار في حوض النهر كانت أقل بنسبة 25% من المتوسطات طويلة الأجل خلال يوليو. ويبدو أن هذا العام سيكون رابع عام جاف من بين الأعوام الستة الماضية. ومن دون توافر المياه اللازمة لتدوير التوربينات، تبقى كل تلك المولدات الكهرومائية بلا عمل.

جفاف متسارع وسط تشوه توقعات المناخ

مع بعض الحظ، قد يكون الجفاف الذي بدأ عام 2021 مجرد سلسلة سيئة من الأعوام القليلة، وسيتجه الوضع إلى الاستقرار مع عودة الأمطار إلى معدلاتها التاريخية. لكن الأمر المؤكد بشأن كوكبنا الآخذ في الاحترار هو أن الاتجاهات التاريخية لم تعد مؤشراً موثوقاً به للمستقبل. إذ إن مساحات شاسعة من الأرض تشهد جفافاً متسارعاً مع تغيّر المناخ، حيث تُضاف كل ستة أشهر أراض جافة تعادل مساحة ولاية كاليفورنيا.

 أحد العوامل المفاجئة التي ربما أسهمت في هذا الظاهرة في الصين هو نجاحها في مكافحة التلوث. من السهل أن ننسى، لكن قبل عشر سنوات، نادراً ما خلت التقارير الإخبارية من صور مروعة لمدن تختنق بغيوم الجزيئات الدقيقة المتصاعدة من محطات الطاقة. وقد أدت الحملة الصارمة التي بدأت في عام 2013 إلى تغيير جذري في هذا المشهد. إذ انخفضت تركيزات الجسيمات الدقيقة المحمولة جواً، وهي نوع من الملوثات المرتبطة بزيادة مخاطر الإصابة بمشكلات صحية، بنحو الثلث بحلول عام 2019. ويُقدّر أن هذا الانخفاض يُنقذ مئات الآلاف من الأرواح سنوياً.

لكن لهذا الانخفاض آثار أخرى. فكل ذلك الضباب كان يعكس أشعة الشمس إلى الفضاء. واختفاؤه يعني أن مزيداً من الأشعة بات يصل إلى سطح الأرض، حيث يمكنها تسخين الغلاف الجوي. وبحسب دراسة نُشرت الشهر الماضي في مجلة "كوميونيكاشنز إيرث آند إنفايرونمنت" (Communications Earth & Environment)، فإن أكثر من 80% من تسارع وتيرة الاحترار العالمي منذ عام 2010 يُعزى إلى الانخفاض في ثاني أكسيد الكبريت نتيجة الحملة على الجسيمات الدقيقة في شرق آسيا.

علاقة الأمطار والتلوث في الصين علاقة طردية

ويمكن للجزيئات الدقيقة أن تؤثر أيضاً على هطول الأمطار، من خلال تكوين "بذور" معلقة في الهواء تتجمع حولها الرطوبة لتتحول إلى قطرات، ومن ثم إلى سُحب عاصفة. هذه العلاقات لا تزال غير مفهومة تماماً، لكنها قد تُفسّر فترة الجفاف التي يشهدها حوض نهر اليانغتسي. فقد وجد باحثون من جامعة نانجينغ نورمال في وقت سابق من العام الجاري أن هطول الأمطار في المنطقة يزداد مع التلوث الصناعي وينخفض مع تحسن جودة الهواء. كما تراجعت تركيزات الجسيمات الدقيقة المحمولة جواً في قلب الحوض إلى النصف بين عامي 2013 و2020، رغم أنها لا تزال أعلى من المستويات الآمنة.

وهذا يُشير إلى احتمال مقلق إذ بدأت بكين التخطيط لنظامها الكهرومائي الضخم بوصفه الوسيلة الجادة الوحيدة لمواجهة تصاعد الانبعاثات الكربونية، قبل أن تُغيّر طاقة الرياح والطاقة الشمسية والبطاريات والسيارات الكهربائية قواعد اللعبة.

الصين بحاجة لمراجعة خطط السدود

وضِعت خطط بناء السدود استناداً إلى توقعات مناخية تعود إلى ما قبل عام 2013، حين كان طقس جنوب غرب الصين يتأثر بضباب الجزيئات الدقيقة الخانق الناتج عن المرحلة الأولى من الطفرة الاقتصادية. أما المبررات الداعمة لمشروع سد يارلونغ تسانغبو، وهو الأخير والأضخم من بين هذه المشاريع، فتستند إلى ملاحظات تتعلق بهطول الأمطار قد تكون تجاوزت تاريخ صلاحيتها بالفعل.

وإذا استمرت موجة الجفاف الحالية واستمر الأداء الضعيف للسدود، فإن الصين ستُضطر لبذل جهد أكبر حين يبدأ مواطنوها بتشغيل أجهزة التكييف خلال حرارة الرياح الموسمية الصيفية على كوكب يزداد احتراراً. كما أن مولدات الفحم لديها، التي تشهد حالياً تراجعاً بفضل نمو طاقتي الرياح والشمس، قد تواصل التسبب بضرر لبضع سنوات إضافية. وإذا لم تنكسر موجة الجفاف في حوض نهر اليانغتسي قريباً، فسنعاني جميعاً من العواقب.