العرب وفلسطين..من الذي أهمَل الآخر أولاً؟
رئيس التحرير

العرب وفلسطين..من الذي أهمَل الآخر أولاً؟

كتب رئيس التحرير: وُلدت الجامعة العربية في أوقات عصيبة، كان العالم حينها خارجاً من حربٍ أكلت الأخضر واليابس (الحرب العالمية الثانية)، والعالم العربي يرزح تحت بساطير المستعمرين بمختلف ألوانهم وأعراقهم. كانت منظمة تضم في البداية 7 دول مُستقلة آنذاك وهي مصر والسعودية وسوريا والعراق والأردن ولبنان واليمن، ووضعت لنفسها هدفاً وهو المحافظة على استقلال الدول الأعضاء وتحرير البلاد العربية غير المستقلة من الاستعمار.

كبُرت الجامعة العربية وتخطى عمرها الـ75 عاماً، ويبدو أن الخرف أصاب دماغها، فنسيت سبب وجودها وتأسيسها وبنائها، فصارت جسماً ضعيفاً بعقلٍ مصاب بالزهايمر.

قرارات القمم العربية الخاصة بقضية فلسطين، منذ "قمة أنشاص" الأولى سنة 1946 وحتى "قمة تونس" سنة 2019، تظهر لنا وقائعها ومجرياتها أن الدول العربية لم تلتزم بها في أحيان كثيرة، ولا بمضامين هذه القرارات، بل انتهج بعضها، إزاء قضية فلسطين والصراع العربي-الإسرائيلي، سياسات لا تتوافق مع هذه المضامين. 

بقيت قضية فلسطين حاضرة دوماً على جدول أعمال معظم القمم العربية، منذ القمة العربية الأولى سنة 1946  التي أكدت عروبة فلسطين، بوصفها "القلب في المجموعة العربية"، وأن مصيرها "مرتبط بمصير دول الجامعة العربية كافة"، معتبرة أن الوقوف أمام خطر الصهيونية "واجب على الدول العربية والشعوب الإسلامية جميعاً". ظلت مؤتمرات القمة العربية تؤكد، خلال العقود الفائتة، "مركزية" هذه القضية، بوصفها "قضية العرب جميعاً"، معتبرة أن النضال من أجل استعادة الحقوق العربية في فلسطين "مسؤولية قومية عامة، وعلى جميع العرب المشاركة فيها".

لم تعد فلسطين الآن "قضية العرب المركزية" ومسؤولية قومية عامة، بل طغت عليها، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، قضايا أخرى راحت تحتل موقع الأولوية على جدول الأعمال الرسمي العربي، ولم يعد "الخطر الصهيوني" يمثّل تهديداً للأمن القومي العربي.

قرار الجامعة العربية الأخيرة والتي بنتائجها شرعت التطبيع الذي قامت به الإمارات والبحرين وبالتالي انعدم مبرر وجودها وخاصة ان سلوك الإمارات وبعدها البحرين طعنة في القلب لفلسطين أولاً وسوريا ولبنان ثانيا والتي هي دول لها أراض تحت حكم الاحتلال الاسرائيلي واجب على الدول العربية تحريرها، و سقوط مواجهة الاتفاق الثلاثي الإماراتي والاسرائيلي والأمريكي من القمة الأخيرة تصريح لدول أخرى لابرام اتفاقات مماثلة، وبالتالي فان ذلك يعني موت سريري لجامعة الدول العربية، وبالفعل فقد حدث أن أقدمت البحرين بعد القمة مباشرة على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل!

لكن، ماذا نقرأ من اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير؟
أولًا: سيطرة أمريكية اسرائيلية كاملة وشاملة على دول عربية محورية ومركزية وبالتالي حسم قرارات القمة لصالح اسرائيل وأمريكا.
ثانيا: القرار الإماراتي بالتطبيع مع الاحتلال لم يكن تصرفا بعيدا عن موافقة السعودية ومصر وعدد ليس بالقليل من الدول العربية الأخرى.
ثالثا: إطلاق رصاصة الرحمة على المبادرة العربية للسلام .
رابعا: فلسطين لوحدها في مواجهة اسرائيل وهناك تخلي معظم العرب عن اعتبار القضية الفلسطينية قضيتهم الأولى.
خامسا: صفقة القرن توافق عليها دول عربية كما صرح بذلك كل من ترمب ونتنياهو.
سادسا: صمت دول معروفة مواقفها الثابتة مع فلسطين وضد الاحتلال مثل الجزائر وتونس دون تفسير.

ان نتائج اجتماع وزراء الخارجية العرب المخزي والمعيب له اسبابه عربياً، ما حصل للعراق بعد اجتياح الكويت ثم الربيع العربي وتدمير دول وازنة مثل سوريا وليبيا ومصر، وله اسباب فلسطينية ايضا على المستوى الداخلي، والذي يؤكد ضعف الجهد الدبلوماسي للسلطة الوطنية و وضع السفارات والسفراء التي يتحدث بها القاصي والداني، حتى دول مثل الجزائر لم نزرها ولم نطلب مواقفها وان تأخذ دورها ولم نستغل المحاور الموجودة، وكذلك حل المجلس التشريعي بحيث كان النواب الفلسطينيون لهم جهد مع نظرائهم العرب لمنع انبطاح دولهم العربية والذهاب باتجاه التطبيع، والأهم من هذا وذاك الانقسام الفلسطيني وضعف كبير للجبهة الفلسطينية أمام العالم و العرب وكذلك أمام اسرائيل.

ربما أهملنا بعدنا العربي، فركزنا على لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي، ولم نبتكر لجنة تواصل مع الدول العربية، ولجنة تواصل مع الدول الأوروبية والآسيوسية إلخ!! .. ما هي الأولوية الفلسطينية؟ اقناع الإسرائيلي بأحقيتنا في أرضنا أم الحفاظ على الأخ العربي والصديق الأوروبي أو الإفريقي أو الآسيوي؟ هل سيتحول الذئب إلى حمل وديع مع لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي؟ يبدو أن الحملان "العربية" تحولت إلى ذئاب، ويبدو أن "المال السايب بعلم الناس الحرمنة". نعم، لقد أهملنا عمقنا العربي فاستطاعت إسرائيل وأمريكا سرقته.

نقطة على الهماش: لا يظن أحد أن بإمكان الشعوب العربية تغيير هذه الاتفاقيات بسهولة! فتغيير الاتفاقيات يستلزم تغيير الأنظمة التي صاغتها ووافقت عليها. الشعوب العربية لم تشارك في وضع اتفاقيات العار لأنها لا تشارك في برلمانات حقيقية، فلا صوت للمواطن العربي في دول دكتاتورية تقوم على حكم الفرد أو العائلة أو القبيلة.

الموقف الفلسطيني من قرارات الجامعة دبلوماسي إلى حد بعيد، حيث اعتبرت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عدم الحصول على موافقة جميع الدول العربية في اجتماع المجلس الوزاري العربي على إدانة قرار دولة الإمارات العربية المتحدة بالخروج عن قرارات القمم العربية والقمم الإسلامية وقمم مجلس التعاون الخليجي ومبادرة السلام العربية وثمنت رفضهم للمشروع الإماراتي.

في ضوء الواقع الحالي مطلوب ان تبذل القيادة الفلسطينية جهوداً لإنجاز الوحدة الوطنية وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وإجراء تغيرات شاملة في وزارة الخارجية وتركيز الجهد على الدول العربية المرشحة للتطبيع والعمل دون كلل لإلغاء الاتفاقية الاماراتية الاسرائيلية والاتفاقية البحرينية الإسرائيلية، والابتعاد عن الطروحات غير المدروسة بالدعوة للانسحاب من جامعة الدول العربية.

بكلمات أوضح: على الفلسطينيين إعادة بناء الداخل قبل التوجه إلى الخارج.