اقتطاع "أموال غزة" من المقاصة وعدم تفعيل شبكة الأمان العربية.. معادلة اقتصادية أم أبعد من ذلك؟
رئيس التحرير

اقتطاع "أموال غزة" من المقاصة وعدم تفعيل شبكة الأمان العربية.. معادلة اقتصادية أم أبعد من ذلك؟

كتب رئيس تحرير صدى نيوز: لم تقبل السلطة الوطنية الفلسطينية، بقرار وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش باقتطاع الحصة التي تقول إسرائيل إن السلطة تحولها لقطاع غزة من أموال المقاصة، بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، وعليه أعلنت الحكومة الفلسطينية أنها لن تستلم أية أموال منقوصة، ودخلت في أزمة مالية جديدة، رفعت وتيرة أزمتها القديمة المتراكمة منذ سنوات، وبقي الموظفون بلا رواتب حتى اليوم الـ22 من شهر نوفمبر 2023. 

رئيس الوزراء محمد اشتية قال في مستهل جلسة الحكومة الأسبوعية بتاريخ 6 نوفمبر، إن الاحتلال قرر  اقتطاع مبالغ جديدة من الأموال المستحقة لفلسطين بحجة أننا نمول غزة بقيمة 140 مليون دولار شهرياً، وأقول إن هذا القرار سياسي يهدف لفصل غزة عن الضفة، ونحن لن نسمح بذلك ولن نقبل بهذا الفصل".

فمنذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وبعد ضغط دولي وعربي، وافق الاحتلال الإسرائيلي على إدخال 1353 شاحنة لقطاع غزة حتى الأمس، أي ما يعادل حوالي 42 شاحنة باليوم، محملة بالأدوية والأغذية وجزء قليل منها بالوقود وصلت بالأيام الأخيرة. 

وتحول السلطة الفلسطينية أموالاً لقطاع غزة، جزء منها يذهب لرواتب الموظفين التابعين للسلطة الفلسطينية والذي يقدر عددهم بـ88 ألف شخص، وجزء آخر للكهرباء والغاز والمياه والقطاع الصحي والتعليم، حيث تشير التقديرات إلى أن السلطة الفلسطينية تنفق حوالي 30% من ميزانيتها في غزة حيث تدفع أيضا تكاليف الأدوية وبرامج المساعدات الاجتماعية.

وهنا أتساءل عن هذه النقطة بالتحديد، فلماذا تقتطع إسرائيل أموالاً تذهب للرواتب والكهرباء والقطاع الصحي في قطاع غزة، وهي تسمح بإدخال شاحنات محملة بالأغذية والأدوية والوقود، في وقت تعلم فيه إسرائيل جيداً أن السلطة الوطنية الفلسطينية لا تدعم حماس عسكرياً أو مالياً بأي شكل كان. 

الحصار الإسرائيلي على أموال الضرائب الفلسطينية (المقاصة) له أبعادٌ أخرى، فالمعادلة ليست اقتصادية، وإنما معادلة إحداث تغييرات جذرية في القيادة الفلسطينية الحالية، فلو أرادت الدول العظمى كأمريكا أو بريطانيا أو دول الاتحاد الأوروبي، لضغطوا على إسرائيل لتمرير هذه الأموال دون مشاكل كما استطاعت تلك الدول إدخال الشاحنات الممتلئة بالأدوية والأغذية والوقود للقطاع، وأيضا قامت بعمليات إنزال جوي كما فعلت الاردن لمشفاها الميداني.

أيضا ما تم الإعلان عنه اليوم من هدنة إنسانية وصفقة تبادل أسرى مع حركة حماس التي كانت تقول هذه الدول بما فيها إسرائيل إنها لن تتفاوض مع حماس، ولن تسمح ببقائها وهاي هي اليوم تبرم معها صفقة لتبادل الأسرى، لماذا إذا تقوم إسرائيل بهذا الضغط المالي على السلطة الفلسطينية التي تردد باستمرار  شعار "نريد الحماية فقط.

في تقديري أن إسرائيل اختارت التوقيت المناسب بتعليمات أمريكية لحصار اقتصادي على السلطة الفلسطينية، لإحداث تغييرات جذرية في القيادة الفلسطينية وأرجع ذلك لعدة أسباب. 

ومن هذه الأسباب، أن القيادة الفلسطينية فقدت ثقلها ووزنها في ظل الأحداث الجارية على الأرض هذه الفترة، وبات بريقها يتلاشى، كما أن القيادة الفلسطينية باتت متمترسة عند حد معين في ملف القضية الفلسطينية، ومن الصعب جداً بالنسبة لإسرائيل وأمريكا إحراز أي تقدم في المشروع الإسرائيلي، فهناك فراغ سياسي بالنسبة لهم، وما لم يُملئ الفراغ فسيكون هناك ثمن سياسي، عدا عن الإصلاحات المالية والادارية التي طالب بها الاتحاد الأوروبي الحكومة الفلسطينية أكثر من مرة للقيام بها على أرض الواقع. 

والأمر لا يقتصر فقط على الضغط العالمي على إسرائيل لفك حصار أموال المقاصة، وإنما على الدور العربي في الأزمة المالية الفلسطينية، فلماذا حتى الآن لم يتم تفعيل شبكة الأمان العربية المالية؟ ولماذا لا تُسعف الدول العربية والخليجية بالتحديد خزينة الحكومة الفلسطينية الفارغة؟ هل لأنها تُريد كذلك تغييرات جذرية في الساحة الفلسطينية؟

هيئة البث الرسمية الإسرائيلية ذكرت في تقرير لها ترجمته صدى نيوز، أن تحقيقاً أجراه مسؤولون دوليون، يظهر أن هناك استعداداً خليجياً لاستثمار أموال كثيرة لإعادة إعمار قطاغ غزة، ولكن بشرطين، الأول: موافقة إسرائيل على "خريطة طريق" معينة، أي إطلاق مسار سياسي بعد انتهاء الحرب، والثاني: إحداث تغييرات جوهرية في السلطة الفلسطينية.

أعتقد أن القيادة الفلسطينية تعلم جيداً بهذا المخطط، وتدفع لرفضه فالقارئ لخطابات القيادة هذه الأيام، يرى أنها تذهب باتجاه تأكيد الشرعية وأن الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني هي منظمة التحرير الفلسطينية، مع العلم أن هناك أيضاً أصواتاً تخرج من القيادة الفلسطينية والفتحاوية تنادي بضرورة إجراء إصلاحات بهيكل المنظمة وآخرها تصريحات اللواء جبريل الرجوب.

خلاصة القول هي أن "الوضع الاقتصادي العام في فلسطين يزداد سوءاً، ونتائج ما بعد الحرب ستكون أسوأ من الوضع الحالي، حيث توقفت عجلة الاقتصاد الفلسطينية ويبدو أن الحكومة الفلسطينية تتجه لترحيل أزمتها تجاه القطاع الخاص الفلسطيني والبنوك الفلسطينية بالتحديد، حيث إن تصريحات الحكومة الرسمية تذهب بهذا الاتجاه".

وبناء على ذلك فإن الحكومة والقيادة السياسية هم المسؤولون عما آلت إليه الأمور بالوضع الاقتصادي الحالي، ولا يجوز بكل أزمة مالية تمر بها الحكومة أن ترحل أزمتها للقطاع الخاص والبنوك، حيث إن أموال البنوك هي أموال المواطنين والودائع وإذا شعر المودع والمواطن بالخوف على أمواله سيبدأ بنقل الأموال لخارج فلسطين، وهنا تتعمق الأزمة المالية من أزمة حكومية، لأزمة مالية شعبية، وهذا سيناريو خطير يذكرنا بالأزمة المالية بلبنان".