السلام الحقيقي لا يُولد من الانحياز… بل من عدالة تُفرَض بالقانون و القوة
مقالات

السلام الحقيقي لا يُولد من الانحياز… بل من عدالة تُفرَض بالقانون و القوة

إنّ الحديث عن سلام دائم وعادل في فلسطين لا يمكن أن يبقى محصوراً في الشعارات أو في وساطات تُدار من أطراف منحازة فقد أثبتت التجربة أن الخطوات الأحادية والانحياز العلني لبعض القوى الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة لا تفتح أبواب السلام بل تُحطم الثقة وتُعمّق الجراح وتُضعف أي فرصة لتسوية تقوم على الحقّ والعدالة نحن لا نؤمن بالعنف بل نؤمن بالحقّ ولا نسعى للحروب بل لإنهائها عبر عدالة تُنفّذ على أرض الواقع لا في البيانات فقط من خلال إنهاء السبب الجوهري لكل الحروب: الاحتلال الإسرائيلي وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة.

لقد مثّل الموقف الأميركي في السنوات الأخيرة نموذجاً واضحاً  لفشل الوسيط حين يتحول إلى طرف في النزاع فالاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها كان تحوّلاً  سياسياً  أحادياً أسّس لواقع جديد يضرب أساس أي حلّ تفاوضي ويؤكد أن واشنطن لم تعد قادرة على لعب دور محايد أما ما سُمّي «صفقة القرن» فكان امتداداً لهذا الانحياز إذ قُدّمت على أنها مبادرة سلام بينما كانت في جوهرها مشروعاً لتصفية القضية الفلسطينية إذ تجاهلت الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني وفرضت واقعاً مختلّاً  لا يمكن أن يولّد سوى مزيد من اليأس و استمرار الحروب .

وإلى جانب ذلك فإن السياسات التي قلّصت المساعدات الإنسانية وأضعفت قدرة المؤسسات الدولية مثل الأنروا على دعم المدنيين زادت من هشاشة الوضع وأدخلت آلاف الأسر في أزمات متلاحقة بينما استمرّ الحديث عن «السلام» كشعار لا يُطعم جائعاً ولا يحمي طفلاً وتواصل الولايات المتحدة وبشكل فاضح تبرير القصف والقتل في غزة ولبنان بل وتطرح شروطاً تتعلق بنزع سلاح المقاومة وتغيير المناهج ووقف رواتب الأسرى قبل الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وهذا لا يمكن أن يكون سلاماً بل إملاءً سياسياً لا يُنهي الصراع بل يُعيد إنتاجه السلام الحقيقي يبدأ بمشروع شامل من الألف إلى الياء يضمن في نهايته حق تقرير المصير للفلسطينيين لا بتجزئة الحقوق وتقييد الحرية و منع مقاومة الاحتلال و الاستيطان.

العالم اليوم بحاجة  إلى إعادة تعريف للسلام العادل سلام لا يقوم على توازنات المصالح ولا على منطق القوة بل على تطبيق فعليّ لقرارات الشرعية الدولية ولا بدّ أن يفرضه زعيمٌ أو دولةٌ عظمى تمتلك الإرادة السياسية الحقيقية لذلك شرط أن تكون عادلة وغير منحازة لا مثل إدارة ترامب التي شاركت سياسياً في شرعنة الإبادة والحصار فالقوة التي تفرض السلام ليست القوّة العسكرية بل قوّة القانون والشرعية الدولية حين تُطبَّق بلا ازدواجية.

يجب أن تُدار المفاوضات بوساطة دولية حيادية متعددة الأطراف تشرف عليها الأمم المتحدة أو هيئاتٌ موثوقة تحظى بثقة جميع الأطراف لا من طرف واحد يملك السلاح والقرار كما يجب تفعيل القرارات الأممية التي تعترف بحقوق الفلسطينيين وإيجاد آليات رقابة مستقلة تُحاسب كل من يخالف القانون الدولي أو يتنصّل من التزاماته.

السلام الحقيقي لا يمكن أن يولد في ظلّ استمرار الاستيطان أو التهجير أو مصادرة الأرض و لا بدّ من وقف كل السياسات التي تُغيّر الوقائع على الأرض وفتح الطريق أمام المتضرّرين للمطالبة بحقوقهم عبر آلياتٍ عادلة ومن دون مساءلة قضائية شفافة لكل من تورّط في جرائم حرب أو في سياساتٍ هدّامة لن تكون هناك مصالحة صادقة ولا عدالة يُمكن الوثوق بها.

ويُضاف إلى ذلك أن ازدواجية المعايير الأميركية بلغت حدّاً صارخاً فهي ترى في تأخير البحث عن جثة إسرائيلي في غزة «خرقاً للاتفاق» لكنها لا ترى في قتل أكثر من مئة فلسطيني معظمهم مدنيون وأطفال بعد الهدنة أي خرق للاتفاق ولا تعتبر الاعتداءات اليومية التي يرتكبها المستوطنون في الضفة الغربية خطراً على الاستقرار رغم أنها تبثّ الرعب بين قاطفي الزيتون وتؤدي إلى حرق السيارات والمعدات والمنازل وسرقة المواشي وتدمير مصدر رزق العائلات أيّ سلامٍ يُبنى على غضّ الطرف عن كلّ ذلك؟.

أما إعادة إعمار غزة وكل ما دُمّر بفعل الحرب والحصار فليست منّة ولا تفضّلاً و لا تبرعاً من أحد بل مسؤوليةٌ قانونية وأخلاقية تقع على عاتق الأطراف التي شاركت أو ساعدت في الدمار و على إسرائيل والولايات المتحدة وألمانيا وسائر الدول التي زوّدت الاحتلال بالسلاح والمال أن تتحمّل التزامات واضحة و كاملة في إعادة الإعمار وتعويض السكان المتضرّرين فالإعمار ليس مجرّد عملية إنسانية بل استحقاق سياسي وقانونيّ يجب أن يتمّ تحت إشراف دولي مستقل يضمن الشفافية ويمنع تحويل الإعمار إلى وسيلة لطمس الجريمة أو لإعادة إنتاج الظلم.

إنّ الحديث عن السلام يجب أن يتجاوز الشعارات إلى خطوات ملموسة: مساءلة ومحاسبة، عدالة وتعويض وإعادة إعمار تُعيد للناس كرامتهم وحقّهم في الحياة نريد سلاماً  لا يُبنى على الخضوع وعدلاً لا يُفرض بالسلاح بل يُنفَّذ بالقانون ومجتمعاً دولياً يكفّ عن الازدواجية ويعامل جميع الضحايا بمعيار واحد إنّ إنهاء المأساة في فلسطين وغزة وسائر بؤر الصراع في منطقتنا لا يحتاج إلى مزيد من الحروب بل إلى إرادة عالمية تفرض العدل وتُنصف الإنسان من خلال قرارات  واضحة ومُلزمة تصدر عن الدول العظمى العادلة.

فالسلام الحقيقي لا يولد من خطاب منحاز أو من فم قادة يسيطر عليهم الفكر الاستعماري بل من ضمير عالمي لا يساوم على الحق ويقول للرئيس ترامب: تنحّ جانباً و كفى كذباً و مراوغةً مع الاعتراف بأن السلام لا يتحقق إلا حين تفرض دولة عظمى العدالة شريطة أن تكون عادلة وغير منحازة وتلتزم بحماية حقوق الشعوب المتضررة وتقول للمعتدي الإسرائيلي: كفى.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.