لماذا يتصدر الكتاب المؤيدون لإسرائيل تحليلات الإعلام الغربي بعد هجوم سيدني؟
مقالات

لماذا يتصدر الكتاب المؤيدون لإسرائيل تحليلات الإعلام الغربي بعد هجوم سيدني؟

في أعقاب الهجوم الدموي الذي هزّ مدينة سيدني، سارعت قطاعات واسعة من الإعلام الغربي لنشر مقالات وتحليلات حول الهجوم قبل اكتمال التحقيقات أو تبلور الوقائع والدوافع، بل بعضها، وخلال ساعات قليلة، روّج لسرديات تحليلية تربط الجريمة مباشرة بحملات التضامن مع الشعب الفلسطيني وبنضاله ضد الاحتلال الإسرائيلي. هذا الربط المتعجل، الذي يفتقر إلى الأدلة، يندرج ضمن عملية تضليل أوسع، تُوظَّف فيها الحوادث الفردية العنيفة لخدمة الرواية الإسرائيلية التي تسعى منذ سنوات إلى دمج قضايا مناهضة الصهيونية والاحتجاج على سياسات إسرائيل ضمن إطار "معاداة السامية"، وتجريم الفلسطينيين والمسلمين ومن يتضامن معهم.

أبرز الأمثلة على ذلك ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز بعد ساعات قليلة فقط من الهجوم، في مقال بعنوان “Bondi Beach Is What ‘Globalize the Intifada’ Looks Like” للكاتب بيتر ستيفنز، المعروف بدفاعه المستمر عن إسرائيل، إذ يزعم ستيفنز في مقاله أن الهجوم هو تجسيد عملي لشعار "عولمة الانتفاضة" الذي يرفعه متضامنون مع فلسطين في مظاهرات حول العالم، مدّعيًا أن المنفذ "طبّق الشعار بدماء اليهود". خطورة هذا الطرح لا تكمن فقط في انحيازه السياسي الواضح، بل في توقيته وسياقه؛ مقال اتهامي نُشر في الساعات الأولى بعد مجزرة، في لحظة حساسة يتشكل فيها الرأي العام، ويُلقى فيه اللوم على حركة شعبية عالمية شارك فيها ملايين الأشخاص احتجاجًا على الإبادة في غزة. سرعة كتابة المقال من ستيفنز وهو رئيس التحرير السابق لصحيفة جيروزاليم بوست، وسرعة وتحريره ونشره من نيويورك تايمز بما يحتوي من مضمون اتهامي، أمر حقًا يثير الاستغراب والتساؤل.

هذا النمط تكرر أيضًا في مجلة ذي أتلانتيك، التي نشرت مقالًا بعنوان “The Intifada Comes to Bondi Beach” للكاتب ديفيد فروم، أحد أبرز المدافعين عن المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، وكاتب الخطابات السابق للرئيس الأميركي جورج بوش. يذهب فروم إلى أبعد من ذلك، إذ يعرّف شعار "عولمة الانتفاضة" باعتباره دعوة مباشرة لإطلاق النار أو تفجير المدنيين في مدن غربية كبرى، محمّلًا "الليبراليين الغربيين ذوي النوايا الحسنة" مسؤولية غير مباشرة عن المجزرة. هنا، يتحول حسن النوايا، والتعاطف مع شعب واقع تحت الاحتلال، إلى جريمة أخلاقية، فقط لأن هذه المواقف بدأت تكشف الطابع الاستعماري والعنيف للدولة الإسرائيلية.

ولم يقتصر هذا الخطاب على صحف محافظة أو ليبرالية تقليديًا، بل امتد إلى ذي غارديان، المحسوبة على يسار الوسط، التي نشرت في اليوم نفسه تحليلًا لجيسون بيرك، الكاتب المنتظم في صحيفة Jewish Chronicle الموالية للسياسات الإسرائيلية تاريخيًا. اعتمد بيرك على بيانات صادرة عن مؤسسات يهودية، مثل رابطة مكافحة التشهير (ADL)، للحديث عن تصاعد "معاداة السامية" عالميًا، دون تمييز واضح بين الاعتداءات القائمة على الكراهية الدينية ضد اليهود، وبين الاحتجاجات أو الخطاب السياسي المنتقد لإسرائيل والصهيونية. هذا الخلط، الذي أصبح سائدًا، يتجاهل نقاشًا واسعًا داخل المجتمعات اليهودية نفسها حول تعريف معاداة السامية واستخدامه كسلاح لإسكات النقد السياسي.

المفارقة أن تقارير صحافية موثوقة، من بينها تحقيقات نشرتها Jewish Currents، شككت في دقة بيانات ـADL، مبيّنة أن نسبة كبيرة من الحوادث المصنفة "معاداة للسامية" تتعلق في الواقع بنقد إسرائيل أو الصهيونية. بل إن ذي غارديان نفسها نقلت في تقرير سابق لها عن موظفين حاليين وسابقين في الرابطة قلقهم من أن انحيازها المؤيد لإسرائيل يضر بعملها الأساسي في مواجهة اليمين المتطرف. كما شككت منظمة Jewish Voice for Peace في مصداقية عمل الرابطة.

في المقابل، تتجاهل هذه التحليلات حقيقة أساسية، وهي أن اليهود حول العالم يشكلون جزءًا مركزيًا من حراك التضامن مع فلسطين، لا سيما في الدول الغربية. في لندن وحدها، شارك يهود بريطانيون، أفرادًا وجماعات، في عشرات المظاهرات الوطنية الكبرى من أجل غزة خلال العامين الماضيين، كذلك في نيويورك ومدن أخرى، إلى جانب اعتصامات الطلاب المطالبة بفرض مقاطعة أكاديمية على إسرائيل، وهو حضور نادرًا ما يُسلّط عليه الضوء إعلاميًا، مقارنة بالمساحة الواسعة الممنوحة للأصوات اليهودية المؤيدة لإسرائيل.

الخطاب ذاته تكرر في صحف محافظة مثل ذي تايمز وتلغراف، حيث كتب وزير الخارجية الأسترالي السابق، ألكسندر داونر، مقالًا لكل صحيفة ربط فيها الهجوم في سيدني بشعار "عولمة الانتفاضة"، وذهب حدّ وصفه بأنه دعوة لإبادة اليهود، متجاهلًا المعنى التاريخي والسياسي لمفهوم "الانتفاضة" بوصفه حراكًا شعبيًا ضد الاحتلال، بدأ عام 1987 في سياق مقاومة سلمية واجهها الاحتلال بسياسات قمع وحشية. في الوقت نفسه، لجأ داونر إلى خطاب تآمري، متحدثًا عن "تمويل صيني وروسي" لحركات مناهضة لإسرائيل، في تجاهل واضح لحقيقة أن التحول في الرأي العام الغربي نابع أساسًا من ممارسات إسرائيل نفسها، ومن مشاهد القتل اليومي في غزة وارتكاب أكبر مجزرة بحق الأطفال في التاريخ الحديث.

كذلك الأمر في مجلة "ذي سباكتاكتور" المعروفة بتوجهاتها المتسامحة مع الممارسات العسكرية الإسرائيلية المتعارضة مع القانون الدولي، التي خصصت عدد من المقالات والتحليلات ووضع الهجوم كنتاج "ازدياد أحداث معاداة السامية بعد السابع من أكتوبر 2023" وأيضًا نتاج شعار "عولمة الانتفاضة".

وشعار "عولمة الانتفاضة" بالمناسبة ليس الشعار المركزي الذي يُطلق في مظاهرات التضامن مع فلسطين، ويطلقه مجموعات تؤمن بضرورة التصدي لما تقوم به إسرائيل بحق الفلسطينيين على صعيد دولي، وعدم السكوت عن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي والإبادة الجماعية في فلسطين.

في المحصلة، تكشف هذه التغطيات عن نمط إعلامي متكرر وسيمفونية موحدة في رسائل الكتّاب الذين يعارضون الاعتراف بالدول الفلسطينية: استغلال الصدمات الجماعية لشيطنة حراك سياسي واسع، وتحميله مسؤولية أفعال فردية متطرفة لا علاقة لها بفلسطين ولا بالقضية الفلسطينية العادلة (مثلما حصل بعد الهجوم على الكنيس في مدينة مانشستر)، مع إعفاء العنف المنظم الذي تمارسه دولة الاحتلال أو جماعات المستوطنين من أي توصيف إرهابي في خطابهم.

وجود أشخاص يتماثلون مع أفكار "تنظيم الدولة الإسلامية" - داعش (الذي لم ينفذ أي هجوم ضد إسرائيل في تاريخه) وربطهم مع حراك التضامن مع فلسطين وشعار "عولمة الانتفاضة" هو دعاية إسرائيلية واضحة، ومقاربة لا تخدم الحقيقة ولا تنتصر لضحايا شاطئ بوندي، وتحوّل النقاش المشروع حول حقوق الفلسطينيين إلى ساحة اتهام أخلاقي وسياسي، في لحظة عالمية تتزايد فيها المطالب بالمحاسبة والعدالة.

من اللافت أيضًا أن مواقف معظم هؤلاء المحللين الذين تصدرت مقالاتهم وسائل الإعلام الغربية في الساعات الأولى، تتسق مع التوجهات السياسية لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بسبب ارتكابه جرائم حرب في غزة، والذي حمّل السلطات الأسترالية المسؤولية وربط بين المجزرة المروعة وبين اعتراف أستراليا بالدولة الفلسطينية، فيما رد رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز على هذا الادّعاء بأنه "لا أساس له وخطير".

كيف لنا أن نصدق أولئك الذين يستخدمون ضحايا هجوم شاطئ بوندي الأبرياء للدفاع عن أولئك الذين يرتكبون جرائم يومية ضد عشرات الآلاف من الفلسطينيين؟

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.