
الاسرى الصفحة المغيبة في القاموس الفلسطيني ؟
في الوقت الذي سلمت فيه المقاومة الفلسطينية الاسرى الاسرائيليين المحتجزين لديها منذ نحو عامين وفق الاسس والمعايير والمبادى والقوانين التي تراعي حقوق الاسرى الانسان ضمن صفقة تبادل مع الاحتلال الاسرائيلي ، رغم تعنت سلطات الاحتلال في الافراج عن رموز الحركة الاسيرة الوطنية وعلى رأسهم القادة مروان البرغوثي واحمد سعدات وعبد الله البرغوثي ، هددت دولة الاحتلال - التي تعتبر نفسها " الدولة الديموقراطية " الوحيدة في الشرق الاوسط ، حسب تصريحات مسؤوليها - هددت واجهزتها الامنية ، الاسرى الفلسطينيين المفرج عنهم والمشمولين ضمن عملية التبادل وذويهم ، بعدم اجراء اي شكل من اشكال الاحتفالات او الاتصالات باي كان ، او اجراء اي مقابلات صحفية يتحدثون فيها عما كابدوه خلال فترة الاسر وما واجهوه خلال عملية الافراج .
يتعرض الاسرى لشتى اشكال الاهانة والتنكيل والتعذيب خلال سنوات الاسر ، ولدى الافراج عمن شملتهم الصفقة ، وخلال نقلهم بالبوسطة الى مكان عملية التبادل ، بدى واضحا على هياكلهم الجسدية ما كابدوه ، حيث التجويع المتعمد والتعذيب الممنهج والضرب المبرح وانتشار الاوبئة وخاصة الجلدية بينهم دون تقديم اي شكل من اشكال العلاج ، ناهيك عن افلات كلاب بوليسية مدربة تنهش اجسادهم ، والعزل الانفرادي ، ومنع زيارات الاهل والمحامين ، واحيانا تسميم الطعام المُقنن اصلا المُقدم لهم ، وتعرية الاسيرات والتحرش الجنسي بهن وبالاسرى الاطفال والتهديد باغتصابهم ، حتى كبار السن لم يسلموا من التحرش ، والتلاعب بنفسياتهم وذويهم بهدف تحطيمها ، وادخالهم بحالة من الارق والقلق ، حيث يتم ابلاغ البعض وذويهم بشمولهم ضمن صفقة التبادل ، وإذا بهم غير مشمولين ، او ابلاغهم بعدم الابعاد ، واذا بهم ضمن المشمولين بالابعاد ، وممارسات مخالفة لكافة الاعراف والقوانين ذات الصلة ، وذلك وسط تعتيم مطبق وتأييد رسمي اسرائيلي وتجاهل عربي ودولي وخذلان شعبي محلي ، حسب شهادات ادلى بها بعض ممن أُفرج عنهم .
استهداف الاسرى ، سياسة احتلالية قديمة مُتجددة ، تصاعدت بعد السابع من اكتوبر 2023 ، ترى فيها حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة شكلا من اشكال الانتقام لما حل بدولتهم خلال عملية المقاومة الفلسطينية في السابع من اكتوبر 2023 ، تُضاف الى الوحشية والبربرية التي مارستها الدولة العبرية في ردة فعلها على عملية المقاومة باستهداف الكل الفلسطيني وعدوانها على قطاع غزة وتحويلة الى مكان غير صالح للحياة .
التصعيد الاسرائيلي بحق الاسرى ، جزء من سياسة اسرائيلية ممنهجة ترقى الى مستوى جرائم الحرب ، ومخالفة لكافة القوانين ذات الصلة ، وتهدف الى كسر ارادة الشعب العربي الفلسطيني من خلال استهداف رموزه الوطنية الاسيرة ، بالتالي استهداف الفكر المُقاوم ومحاولة اقتلاعة من العقلية الفلسطينية واستبداله بالاحباط واليأس وثنيه عن التفكير بالمطالبة بحقوقه المشروعة .
وكان من ابرز نتائج هذه السياسة الفاشية استشهاد عشرات الاسرى ودفنهم في مقابر الارقام وحرمان ذويهم من اقامة مراسم الدفن لهم ، وحتى من القاء نظرة الوداع الاخيرة عليهم ، اضافة الى انتشار امراض مزمنة بينهم وسط اهمال طبي متعمد .
عند إحتجاز مجموعة من الاسرائيليين المغتصبين للارض الفلسطينية على يد المقاومة ، تقوم الدنيا ولا تقعد ، وتتعالى الاصوات من كل صوب وحدب لضرورة اطلاق سراحهم ، اما احتجاز الالاف من الاسرى الفلسطينيين في اقبية السجون الاحتلالية وفي ظروف قاسية جدا بكافة المناحي ، وتعرضهم لابشع اصناف التعذيب السادي ، بتواطىء من جميع اجهزة الدولة العبرية الامنية والقضائية ، وقيادتهم الى الموت البطيء ، لا ينطق احد بحرف واحد يدعو الى اطلاق سراحهم ، او حتى تحسين اوضاعهم حسب القوانين الدولية ذات الصلة ، الجانب الرسمي الفلسطيني لم يتعامل مع قضية الاسرى كاولوية ، حتى ردات الفعل الشعبية الفلسطينية لم ترق الى مستوى الحدث ، كما رأينا كيف نزل عشرات الالاف من الاسرائيليين وأغلقوا الشوارع مطالبين حكومتهم بالعمل بكافة السبل لاسترجاع العشرات من أسراهم .
تساؤلات تدور في خُلد كل فلسطيني ، هل باتت قضية الاسرى صفحة مُغيبة في القاموس الفلسطيني ؟ لماذا لا يجري التعامل مع قضية الاسرى - رسميا وشعبيا ، سابقا ولاحقا - بما يليق بنضالاتهم وتاريخهم ؟ في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن تحقيق سلام " مُشرق " في الشرق الاوسط ، وتُعقد فيه القمم والتقاط الصور بابتسامات عريضة من القادة ؟ الا يجدر بمن يسعى الى تحقيق السلام ان يطوي هذه الصفحة المؤلمة في الحياة الفلسطينية ، بعيدا عن كل الحسابات ، الذاتية والفئوية ؟ الا يستحق الفلسطينيين ان ترتسم الابتسامة على محياهم وهم يحتضنون ابناءهم الذين طال الابتعاد القسري عنهم خلف معتقلات الاحتلال ؟
اولا بالنسبة للاسرى يدركون ان انهيار معنوياتهم ستقودهم الى فقدان الامل والهلاك بالموت البطيء ، لذلك يواجهون سادية الاحتلال بشموخ وعنفوان ، ويُفيد بعض ممن اُفرج عنهم انهم يتقاسمون ما يحصلون عليه من زاد شحيح ، واتخذوا من الصيام وسيلة في صراعهم لاجل البقاء ، ولم يفقدوا الامل بالله ويقرأون كتابه المُقدس باستمرار ، ويتضرعون له بالدعاء ، وينشدون الاهازيج الوطنية التي تبعث التفاؤل في قلوبهم .
ولاجل تعزيز معنوياتهم ، على الكل الفلسطيني المُوحد ، - الرسمي والشعبي - استغلال ما حققته فلسطين على المستوى الدولي ، والتفاعل الجدي والحقيقي مع قضية الاسرى العادلة ، وذلك من خلال استراتيجية وطنية يشارك فيها كافة الاطياف الفلسطينية مع ديمومة في التفاعل ، تعمل على الارتقاء بالوعي الشعبي وتفعيل الحراك الشعبي لنصرة الاسرى ، والضغط على الرأي العالم العربي والدولي ، والتشبيك مع كافة الاطر الدولية الداعمة للسلام والمؤيدة للحقوق الوطنية الفلسطينية ، لتسليط الضوء على ما يكابدونه الاسرى خلف قضبان الاحتلال ، والاصرار على ضرورة اطلاق سراحهم ، او كحد ادنى تحسين ظروف اعتقالهم بما تنص عليه القوانين الدولية ذات الصلة ، ، خاصة القانون الدولي الانساني ، واتفاقية جنيف الثالثة والرابعة 1949 ، واتفاقية مناهضة التعذيب ، واتفاقية حقوق الطفل ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، حتى يحين وقت حل القضية من جذورها .

صفقة بلا سلام : وهم على الورق ودماء على الأرض

يحدُث في الضفة الغربيّة

مستقبل حركة حماس في قطاع غزة وفي المشهد السياسي عموما

غزة... حين ينهار الاقتصاد قبل الإعمار

إلى أين... أوسلو ناقص أو زائد أم دولة واستقلال؟

غزة: الحرب انتهت والمعركة على استئناف شروط الحياة بدأت

تأمُّلات في الحالة الفلسطينية الرّاهنة
