انتفاضة المغرب
مقالات

انتفاضة المغرب

انتفضت مدن المغرب العربي تحت شعار أساسي أولي، وهو "الشعب يريد إسقاط الفساد". شارك في هذه المظاهرات، التي عمّت كبريات المدن المغربية، مئات الآلاف من مختلف الأجيال والشرائح الاجتماعية.

جاءت المبادرة من جيل "زد" (Z)، وهو الجيل الذي وُلد في خضم ثورة الاتصالات والمنصّات الاجتماعية التي أصبحت جزءًا من تكوينه الشخصي، ومن خلالها يعبّر عن نفسه ومواهبه وقدراته وآماله واحتجاجه.

هذا الجيل، الذي تتراوح أعمار أفراده بين 14 و25 عامًا، يشكّل حوالي 25% من سكان المغرب، أما الذين تقل أعمارهم عن 34 عامًا، فيقدَّر عددهم بحوالي عشرة ملايين نسمة.

أتت الدعوة إلى هذه النشاطات الاحتجاجية على خلفية وفاة ثماني نساء حوامل في مستشفى حكومي بمدينة أغادير، نتيجة الإهمال الطبي، ونقص الكوادر من أطباء وممرضين، وغياب العتاد الكافي والحديث في المستشفى، الأمر الذي فجّر الغضب على الوضع العام.

أبرزت هذه الحادثة مدى إهمال الدولة في مجالين أساسيين: الصحة والتعليم، بحسب منظّمي الاحتجاجات. في المقابل، خصصت الدولة أموالًا طائلة لإقامة مرافق حديثة استعدادًا لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2030، بتكلفة تصل إلى 6.5 مليار دولار، بينما يُخصَّص نصف هذا المبلغ فقط لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية.

لقد ذهبت حكومة النظام المغربي إلى التركيز على كرة القدم، لما لها من شعبية، وخصوصًا بعد الإنجازات الكبيرة التي حققها المنتخب المغربي في مونديال قطر عام 2022. ولكن إلى جانب المرافق الحديثة التي ستُقام على مستوى عالمي، هناك في الساحة الخلفية، والمجاورة، يقبع الفقر والتخلف في الخدمات الصحية والتعليمية، واضطرار الأهالي إلى الإنفاق الكبير على التعليم الخاص، بسبب ضعف التعليم في المدارس الحكومية.

في المغرب، الذي يزيد عدد سكانه على 38 مليون نسمة، تصل نسبة البطالة العامة إلى أكثر من 13%، لكنها تبلغ حوالي 37% بين جيل الشباب الذي قاد هذه الانتفاضة. وتزداد هذه النسبة في المدن مقارنة بالأرياف، حيث تصل البطالة في المدن إلى 45% بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا.

وتصل نسبة البطالة بين النساء إلى نحو 19%، ما يعني وجود ملايين من القادرين على العمل في حالة بطالة. والبطالة، في جوهرها، تعني الفقر، وتعني أيضًا الفساد.

يحتل المغرب المرتبة 99 على مؤشر الفساد العالمي، وذلك بحسب تقرير عام 2024. ولا يوجد نظام دعم شهري للعاطلين عن العمل، رغم وجود بعض البرامج التي تحاول التخفيف من آثار البطالة السلبية، وتوفير فرص عمل.

في الوقت ذاته، لا يمكن فصل الخدمات الصحية والتعليمية عن السياسة؛ فالشعب المغربي يرى في حكومته الحالية حكومة فاسدة، ويطالب بإقالتها، وإقالة رئيسها عزيز أخنوش. ينعكس الفساد في التعيينات والوظائف والمناقصات، ويُعتبر المجال الصحي من أكثر القطاعات فسادًا.

يشمل الفساد أيضًا التعيينات في الوظائف الحكومية، والصفقات والمشتريات الحكومية، والتراخيص لمختلف مجالات الحياة من بناء ومحال تجارية، وضعف استقلالية القضاء، وتأخر المحاسبة على التجاوزات، وفسادًا في التخطيط والبناء وتوزيع الأراضي، التي تغلب عليها المحسوبيات، وكذلك في الخدمات والمعونات الاجتماعية، واستغلال المناصب في الشرطة والإدارات المحلية وغيرها.

ترفض الغالبية الساحقة من الشعب المغربي التطبيع مع إسرائيل، وقد بادرت أحزاب وتنظيمات وجمعيات وأساتذة جامعات ومثقفون، يمثلون هذه الأغلبية، إلى إعلان رفضهم له. وقد انخفضت نسبة المؤيدين للتطبيع من 30% عام 2022 إلى 13% في أواخر 2024، ولا شك أنها الآن أقل بكثير.

ورغم هذه المعارضة الواسعة والساحقة للتطبيع، والمظاهرات الحاشدة ضده، فإن النظام لا يزال ماضياً فيه، متجاهلًا إرادة شعب متضامن إلى أقصى الحدود مع فلسطين. ولا شك أن هذا يسهم إلى حد كبير في رفع منسوب الغضب الشعبي، خاصة بعد الحديث عن حمولات ذات طابع عسكري رفضت موانئ أوروبية استقبالها، بينما رست في موانئ مغربية مثل طنجة.

الشعب والمتظاهرون لم يرفعوا شعارات ضد الملك، بل ضد الحكومة والفساد، وضد التطبيع. ورغم ذلك، فإن أبواق الأنظمة المرتعبة، كما هو حال نظام السيسي، بدأت في تخويف الشعب المغربي من مصير سورية وليبيا واليمن.

إنهم يدركون، في ظل ما يشهده العالم من رفض للظلم وهمجية الاحتلال، أن رياح الغضب ضد فساد الأنظمة وضد التطبيع لن تتوقف عند حدود بلد واحد، بل هي رياح عاتية تجوب المنطقة والعالم.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.