الخيار الوحيد الممكن ..!
مقالات

الخيار الوحيد الممكن ..!

لا يعني توجيه ملاحظات لحركة «حماس» على اندفاعة السابع من أكتوبر وتداعياته وإدارتها اللاحقة سواء الداخلية أو للمفاوضات سواء على شكل نصائح أو انتقادات لاذعة، تبرئة إسرائيل من واحدة من أكبر جرائم التاريخ وربما ستكون الأكبر للقرن الحادي والعشرين. فقد درجت أنظمة العالم الثالث البدائية على وضع الناس أمام ثنائية فجة إما التأييد لمغامراتها وجهلها وإما التبعية للغرب والاصطفاف مع العدو، وتلك حيلة استخدمها الطغاة لإسكات من يفكر خارج صندوق عقلها المتواضع.

لا يعني لوم صدام حسين على اجتياحه للكويت تأييد الولايات المتحدة بتدمير أعرق البلاد العربية وأهمها لتتحول إلى واحدة من الدول الفاشلة والتي لن تكون يوماً ولا يعني لوم «حماس» على مغامرة السابع من أكتوبر تأييد إسرائيل في حربها على غزة وتلك اللغة تمثل واحدة من أسوأ نماذج الحكم وسطحية ثقافة الجهة التي تردد ذلك أو تعتقد، ونموذج بارز للاستخفاف بالعقول إلى حد يستدعي تساؤلات أكبر عن حقيقة الوعي والمستوى الإدراكي لفهم الأحداث وتداعياتها إذا كان من يردد ذلك يصدق ما يقول.

الولايات المتحدة دولة استعمارية قامت على طرد شعب آخر وإبادته، وهي الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح الذري ضد المدنيين والدولة التي تطمع بالسيطرة على الشعوب والاستيلاء على إمكانياتها خصوصاً في الدول المنتجة للنفط والغاز، لكن لم يكن بإمكانها أن تحطم وتحتل العراق والسيطرة على نفطه دون اجتياح الكويت ولم يكن بإمكانها احتلال أفغانستان ومد خط غاز أوراسيا الذي كانت مفاوضاته قد تعثرت سابقاً دون ضربة الحادي عشر من سبتمبر وغزوة بن لادن. هكذا يكتب التاريخ صفحاته.

إسرائيل كذلك ولم يكن خافياً أنها بعد عقود من النكبة اكتشفت أنها ارتكبت خطأ تاريخيا بإبقاء الفلسطينيين داخل فلسطين، وتحديداً في المدينة الساحلية الوحيدة التي أبقتها خارج سيطرتها بعد احتلالها لكل مدن الساحل الفلسطيني وقامت بتكديس الكتلة الكبيرة من اللاجئين بها. قالها بنيامين بن إليعازر يوماً للوزير الفلسطيني السابق فريح أبو مدين ولكن لا أحد يتصور أنه كان من الممكن تحقيق هذا الحلم الإسرائيلي والكابوس الفلسطيني معاً دون حدث بحجم السابع من أكتوبر تهتز فيه إسرائيل وتستمد منه رخصة دولية للإبادة.

إسرائيل دولة مجرمة وقامت مِثل مَثَلَها الأعلى على طرد شعب وسرقة أرضه وهي خارج القانون الدولي، لكن من الخطأ الاعتقاد أنها تستطيع أن تقوم بما قامت به دون رخصة. لأن حربا بهذا المستوى لا يمكن أن تتحقق إلا في مناخات دولية معينة، وليست هناك إضافة كبيرة في توصيف إسرائيل كدولة قامت على الجريمة وبأخلاق الجريمة «القتل - السرقة - الطرد» تلك أصبحت جزءا من العقل القائم والثقافة التي تتجسد في سلوكها، لكن المهم هنا كيف تشاغل هذا العقل بذكاء وبأقل الخسائر في إطار التضحيات المقبولة لشعب تحت الاحتلال؟ هنا كان ولا يزال الخلاف الفلسطيني ومدارسه السياسية الحادة.

لماذا يقال هذا الآن في إطار حملة الإبادة المستمرة والتي لن تتأثر بالنقاش بين الفلسطينيين بقدر ما يتعلق الأمر بالمشاريع الإسرائيلية التي أُخرجت من الأدراج في اللحظة التي توفرت مناخات وظروف تنفيذها؟ هذا مهم لقراءة الحدث الهائل والاستفادة في صناعة السياسة بين مدرسة العقل التي تقيس الأشياء بحجم الفداحة والإنجاز، ومدرسة حزبية تقاتل من أجل جدارتها وسط كل هذا الخراب بعد خطئها الكبير، فلم يصدر من حركة «حماس» ما يشي بأي فكرة تتعلق بمراجعة التهور سوى من الدكتور أحمد يوسف وهو الشخصية الوسطية التي دفعتها ثقافة الحركة وأقصتها نحو الهامش.

يقال هذا في حمى الجدل وشعور الفلسطينيين في غزة بفداحة عناد «حماس»، وعدم قدرتها على إدراك الواقع ما يهدد بزيادة الخسارات الكبرى التي تقترب من سحق مدينة من أجمل مدن المتوسط بكل ما تحمله من تاريخ وعراقة. ولم يصدر من الحركة ما يشي أيضاً باستعدادها للمراجعة أو نقد للذات والاستفادة من الدرس الفادح الذي أطاح بمدينة كانت دوماً عصية على الانكسار على امتداد تاريخها وحروبها التي لم تتوقف منذ فجر التاريخ.

بات واضحاً أن حركة «حماس» في أزمة وجودية كبيرة، لكن تلك الأزمة باتت هي أزمة الكل الفلسطيني. صحيح أن جميع خيارات الحركة مأزومة سواء بالاستسلام أو بالاستمرار، ففي الحالتين خسارات كبرى وبات واضحاً لسوء حظ الحركة والفلسطينيين أن لا خيارات بينهما وهنا ما يجب أن يتم التفكير به بمسؤولية وطنية تتجاوز صغائر الصراعات القديمة. كيف يتم مساعدة حركة «حماس» بالنزول عن الشجرة وكيف يمكن مساعدتها بتخفيف وطأة الخيارات وثقلها لأن في استمرار الراهن ما يهدد باستمرار سحق غزة وتنفيذ مشروع التهجير كمشروع قديم توفرت كل عوامل وظروف نجاحه.

ويبدأ الأمر من اعتراف «حماس» بخطئها الكبير وتطلب من الكل المساندة والمساعدة، بدلا من استنزاف الكل الوطني والنخب في محاولة إفهام «حماس» بأنها أخطأت وهي تعاند في حالة إنكار رغم كل النتائج المدمرة التي أطاحت بغزة وكسرتها لعقود قادمة وكسرت أهلها وكسرت مصداتها ومناعتها. فلا يجوز الاستمرار بحالة الإنكار لأن تلك يترتب عليها العقد الاجتماعي بين الفلسطينيين. لكن وسط هذا النقاش بات من الضروري دعوة فلسطينية تجمع الجميع للتفكير بوقف المذبحة بما يجمع عليه الكل الوطني وتنزل «حماس» عن الشجرة لأن هذا الخيار الوحيد الممكن وهي بحاجة لهذا الآن.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.