الفخاخ السياسية: فلسطين ولبنان بين الوعد الزائف والسيطرة الأمريكية والإسرائيلية
مقالات

الفخاخ السياسية: فلسطين ولبنان بين الوعد الزائف والسيطرة الأمريكية والإسرائيلية

على مدى أكثر من ثلاثة عقود دُفع الشعب الفلسطيني نحو مسار بدا وكأنه بوابة للحرية والدولة المستقلة لكنه في الواقع كان فخاً سياسياً محكماً رعت تفاصيله الولايات المتحدة الأمريكية مستفيدة من الانقسامات الداخلية والضعف العربي وممهدة الطريق لتوسع المشروع الصهيوني بلا قيود.

في التسعينات تم دفع الفلسطينيين نحو ما عُرف بخدعة السلام حيث طالبتهم الاتفاقيات بالتخلي عن السلاح والمقاومة والاعتراف بإسرائيل مقابل وعد بدولة مستقلة ، حيث ان اتفاقيات أوسلو عام 1993 لم تتضمن أي آليات إلزام لإسرائيل لا بالأعراف بدولة فلسطين و لا بوقف الاستيطان و تغيير الواقع على الارض بينما فرضت قيوداً صارمة على الفلسطينيين سياسياً وأمنياً ، الاستيطان استمر بوتيرة متصاعدة وفصل غزة عن الضفة جعل إقامة دولة فلسطينية متصلة شبه مستحيلة فيما لعبت الولايات المتحدة الدور الرئيس في رعاية هذا الفخ مقدمّة الغطاء السياسي والاقتصادي لإسرائيل دون أي التزام بتحقيق الحق في تقرير المصير و اقامة الدولة الفلسطينية.

الدور الأمريكي لم يقتصر على رعاية هذه الاتفاقيات بل تفرد بصياغة المشاريع السياسية الوهمية في المنطقة بينما اكتفت معظم الدول الأوروبية وبعض العواصم العربية بدور رمزي و احيانا مشاركة في بيع الوهم لتمرير المخطط الاسرائيلي ومع ذلك تظل هناك إمكانية للدول المحايدة مثل الصين وروسيا للعب دور موازن إذا تم تعزيز العلاقات معها وتحويلها إلى أدوات ضغط دبلوماسي وحقوقي فعال و السعي لعقد مؤتمر دولي فيه كل هذه الدول بعيدا عن امريكا كشريك لإسرائيل في عدوانها و احتلالها لفلسطين و السؤال الجوهري الذي يؤكد المؤامرة : أين الدول التي رعت أوسلو؟ وأين الدول التي يمكن أن تضمن حماية حل الدولتين؟

على صعيد غزة ولبنان تتكرر نفس الفخاخ تحت عناوين و وعود وقف النار أو تسويات مستقبلية بلا أي ضمانات وهو ما يمنح إسرائيل ميزة زمنية وعسكرية لتفكيك خصومها. لبنان على وجه الخصوص يواجه تهديداً مباشراً من المشروع الإسرائيلي الذي يسعى إلى احتلال كامل البلاد وأقل تقدير قد يكون احتلال جنوبها حتى نهر الليطاني مع محاولات لتقسيمها إلى ثلاث دويلات طائفية (درزية، سنية، مسيحية) وإلغاء الوجود الشيعي ، الخيارات اللبنانية صعبة للغاية إما حمل المشروع الأمريكي و الانجرار إلى حرب أهلية داخلية قد تدمر النسيج الوطني والطائفي أو مواجهة خارجية محتملة مع إسرائيل ربما بدعم أمريكي علني وهو خيار صعب لكنه أقل تدميراً من حرب أهلية ، و تصريحات زعيم حزب الله نعيم قاسم بأسم المقاومة اللبنانية قال “لن نسلم السلاح وسنخوض حرباً كربلائية” تؤكد أن المقاومة المسلحة تبقى خط الدفاع الحي ضد التوسع الإسرائيلي وتهديدات الاحتلال و تحمي محو المقاومة و لبنان بكل طوائفه.

أما الاستيطان والسيطرة الإسرائيلية فقد توسع بشكل صارخ إذ تشمل أطماع إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات السيطرة على المياه والمستوطنات وقطع الأراضي الفلسطينية مدعومة بالغطاء و الفيتو الأمريكي الكامل كما أعلن مؤخراً رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو المشروع التوسعي ليشمل كل فلسطين و الدول العربية من النيل إلى الفرات و يستغل كل ضعف فلسطيني و عربي ويبقى الهدف الاستراتيجي هو الهيمنة على كامل المنطقة بما يشمل مصر والأردن و سوريا و لبنان .

إضافة إلى ذلك حاصرت إسرائيل بدعم أمريكي القيادة الفلسطينية سياسياً ومالياً وشلت قدرتها على مواجهة التحديات ، و التمويل الدولي المشروط والقيود الاقتصادية يقلصان أي هامش للتحرك المستقل ما يجعل المواقف الرسمية ضعيفة أمام الهيمنة الأمريكية.

الفخ الإقليمي المتكرر يظهر بوضوح في غزة ولبنان حيث تظل وعود التسويات بلا ضمانات مما يمنح إسرائيل ميزة زمنية وعسكرية لتفكيك خصومها ، و مواجهة هذه المشاريع الأمريكية والإسرائيلية تتطلب تحريك الدعم الدولي البديل حيث يمكن للصين وروسيا ودول محايدة أن تلعب أدوار ضغط دبلوماسي ومراقبة لفرض التوازن في السياسات.

من هذا السياق تصبح التوصيات ضرورية وملحة أولها تحييد الهيمنة الأمريكية ومنعها من التفرد بالمشاريع السياسية في فلسطين ولبنان عبر فتح قنوات دبلوماسية دولية بديلة كما يجب إعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية لتوحيد الموقف الداخلي وتعزيز القدرة على مواجهة الفخاخ السياسية و استقلالية القرار السياسي تعتبر أمراً حيوياً بعيداً عن الضغوط المالية الأمريكية مع الاستفادة من الدعم المحتمل من روسيا والصين والدول المحايدة و حماية الأرض والمستوطنات وضمان الربط الجغرافي بين الضفة وغزة ومقاومة محاولات تهويد القدس والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية تعتبر من الأولويات الوطنية ، كذلك يجب تعزيز القدرات الدفاعية لضمان قدرة الشعب الفلسطيني والمقاومة اللبنانية على الدفاع عن الأرض والمواطنين ضد أي هجوم إسرائيلي ، وأخيراً توسيع التحالفات الدولية واستخدام الصين وروسيا ودول محايدة كأدوات ضغط موازن للهيمنة الأمريكية إلى جانب التوعية والتحشيد الإعلامي والدبلوماسي لنشر الوعي حول مخاطر الفخاخ السياسية الأمريكية والإسرائيلية يعزز الموقف الوطني على المستوى الدولي ويقوي فرص الصمود.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.