
أين حركة فتح؟
حركة فتح ، رائدة العمل الكفاحي الوطني ، مُطلقة الرصاصة الاولى ، قاهرة أسطورة الجيش الذي لا يقهر ، حين أعادت الكرامة ، في معركة الكرامة الخالدة لأمة كانت قد فقدتها بنكبة تلتها نكسة ، قائدة حرب التصدي لاوسع عدوان اسرائيلي استهدف قطر عربي عام 1982 ، وفرض اطول حصار على عاصمته في حينه للنيل من عزيمة المقاومة ، مُفجرة انتفاضة الحجارة ، اول من بادر الى وضع اللبنات الاساسية للدولة الفلسطينية القادمة .
حركة فتح التي قدمت خيرة قادتها وأبناءها قرابينا على مذابح الحرية والاستقلال والانعتاق من العبودية ، قادة تخلدت صورهم في وجداننا ببزاتهم العسكرية وبدلات السفاري والسلاح لم يفارق وسطهم ، قادة طالما التحفوا السماء وافترشوا الارض ، واخذوا من المُغر والانفاق والكهوف مأوى لهم ، كانت تفوح منهم رائحة البارود ، استمدوا قوتهم من حر الصيف واشعة الشمس الحارقة ، وبرد الشتاء واجواءه الماطرة ، لم نعهدهم يوما ببدلهم الفاخرة وربطات العنق الانيقة والعطور الباريسية والاستمتاع بدفىء وتبريد المُكيفات .
حركة فتح التي كانت تبادر دوما الى اي احتجاجات مساندة لحقوق الشعب بفئاته المختلفة ، والمبادرة الى المسيرات والمظاهرات الغاضبة ،والاعتصامات ، احتجاجا على الممارسات الاحتلالية بحق ابناء شعبنا ، خاصة الاسرى ، وتقيم خيم الاعتصام والاضراب عن الطعام والتلويح بعصيان شامل ، لرفع الظلم عن ابناءنا القابعين خلف قضبان الاحتلال .
اجيالنا السابقة ارتبطت بحركة فتح بالفطرة ، نشأت وترعرت وعرفت ان قتح أم الجماهير ، وانها المناعة الوطنية لاي اختراق اقليمي او عربي او دولي ، ولا يختلف اثنان ، ان كانت فتح قوية فالحركة الوطنية الفلسطينية بكل الوانها قوية وفلسطين بخير ، وإن ضَعفت فتح ، فالترهل يدك عصب الحركة الوطنية .
ولكن السؤال الذي بات يُحير ، ان لم يكن يستفز كل من عرف حركة فتح وقوتها وتأثيرها ، أين هذه الحركة التي تُعد أم الجماهير مما يحصل من تطورات واحداث تعصف الساحة الفلسطينية ، وابرزها ، بل وأخطرها حرب التجويع والابادة الجماعية التي يتعرض لها أبناء شعبنا في قطاع غزة ؟ خاصة ولم يصدر اي صوت مدوي من لجنتها المركزية ومجلسها الثوري وكافة أطرها سوى بيانات باهتة لا ترق الى هول الحدث والاخطر في التاريخ الفلسطيني ، وبشاعته التي يندى لها الجبين !! هل انتهى دور الحركة وباتت حبيسة اوسلو وتبعاته من امتيازات لقة متسلقة ومستفيدة من المجريات ، فيما الاغلبية الصامتة ملئها التشاؤم واحاط بها العجز والحسرة والتغني بامجاد الماضي ؟
من دون شك ان انخراط عدد كبير من كوادر الحركة في مؤسسات السلطة الفلسطينية ، الامنية والمدنية ، أثر بشكل سلبي للغاية على عمل الحركة التنظيمي ، خاصة وان معظم هؤلاء المنخرطين في أطر السلطة من المؤطرين والمؤهلين التنظيميين ، من الفتحاويين الاوائل الذين رضعوا من حليب الحركة كامل الدسم ، وترعرعوا في أطرها المختلفة ، ولكن مع تبوئهم مناصب حساسة بالسطلة ترك فراغا في العمل التعبوي التنظيمي الشعبي ، ويُمكن القول ان ذلك ساهم في إبعاد الحركة عن العمل الجماهيري ، ما ترك المجال لاخرين ، غير مؤهلين تنظيميا لاخذ الدور المناط بهم بين الجماهير، وبحاجة الى عمل دؤوب لتأهيلهم تنظيميا ، ولم تقدم لهم ما كانوا يأملون بالحصول عليه من نضال استمر على مدى عقود طويلة ، ما اصاب هذه الجماهير حالة من التيه والاضطراب الفكري والنضالي وخاصة فيما يتعلق بفكر المقاومة التي كانت فتح اول من بادر اليها ، وانتهى بها المطاف الى الابتعاد عنها والدعوة الى اعادة تشكيلها وفق التطورات الراهنة ، تحت شعار المقاومة السلمية ، وحتى تلك لم تتمكن الحركة وكوادرها من توظيفها بما يخدم المصلحة الوطنية وجراح الشعب الفلسطيني .
ومن دون شك ايضا ان حالة التيه احاطت كذلك بمنظمة التحرير الفلسطينية وكافة فصائلها دون استثناء ، والتي تعتبر حركة فتح عمودها الفقري ، ووليدتها السلطة الوطنية الفلسطينية ، اللاتي باتتا عاجزتان عن تقديم ادنى الاحتياجات للمواطن الفلسطيني ، تيه نابع ربما عن عجز واضح باستنفاذ كافة الاوراق المؤثرة ، أو تقاعس - غير معروف ان كان متعمدا ام غير ذلك – ام تقوقع في سجن اوسلو والتزاماته التي باتت من جانب واحد وباتجاه واحد ، بينما الجانب الاخر يتملص منها على أمل فرط هذا العقد المستمر منذ ثلاثة عقود ، وصولا الى تحقيق احلامه في الانقضاض على الحلم الفلسطيني بالحرية والاستقلال والدولة .
تخرج كثيرا اصوات فلسطينية رسمية تدعو الى تثوير الشعوب العربية الصامتة ، والمغلوب على امرها ، وفي الوقت نفسه ، تصمت هذه الاصوات امام الراي العام المحلي ، ولا تعمل لاجل تثوير ابناء شعبها لمساندة اهلنا في قطاع غزة الذين باتوا يموتون جوعا وعطشا قبل ان يموتوا قتلا برصاص الاحتلال ، ومن هنا ياتي دور الحركات الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها حركة فتح ، لاعادة تصويب العمل الثوري المناهض لسياسات الاحتلال ومماراساته العنصرية .
حركة فتح ، كعمود فقري للعمل النضالي الفلسطيني ، يقع على كاهلها العبىء الاكبر، ولجنتها المركزية ومجلسها الثوري وكافة اطرها مطالبة بالنزول من ابراجها العاجية الزائلة ، والتوقف عن معارك الولاءات وشراء الذمم ، ومواجهة التحديات ، وذلك وقبل اي شي عليها الفصل بين كوادرها المرتبطين معيشيا بالسلطة الوطنية ومؤسساتها المختلفة ، واعادة هيكلة كوادرها تنظيميا ، ومن ثم الشروع بحوار وطني يُفضي الى وحدة وطنية ، أدناها توافق وطني ، يقود اولا الى إنهاء حالة الانقسام الجغرافي والديموغرافي وانهاء حالة الاضطراب الفكري بين كافة فئات الشعب الفلسطيني ، وهو ما يتطلب نهضة فتحاوية تُولد ارادة حقيقية تنبذ سياسة التفرد بالقرار الفتحاوي ، والتهميش للكادر المؤهل واستبعاد المتسلقين المستفيدين من وضع الحركة المترهل ، والا فمصير الحركة سيكون على المحك وتقف على مفترق طرق صعب للغاية ، ان لم تُجيد ضبط بوصلتها فستتلاشى في زحمة الاحداث المتسارعة !!
فلم يَعد هناك مبررا الالتزام بالصمت ومراقبة الاحداث عن بُعد والعيش على التغني بالامجاد ، ومن المُعيب ان نرى شعوب اوروبا تنزل الى الشوارع تساند حقوقنا ونحن اصحاب الدار نقف ساكنين ، ومن المُخجل ان ندعو اشقائنا العرب الى مساندتنا ونحن نكمم افواه احرارنا ، ومن العار ان ندعو العالم الى دعمنا اقتصاديا ونحن نهدر اموالنا على الملذات والمصالح الذاتية !!

الدين العام الفلسطيني: من يُقرض من؟ وإلى متى؟

القادم أسوأ إن بقيت المواقف على حالها

مرسوم الانتخابات والمأزق الفلسطيني: بين الحاجة للإصلاح ومخاطر الإقصاء

عن غزة: بين جوعها وتجويعها

التجويع وسيلة فتاكة للإبادة… والأولوية الفلسطينية للانقاذ ومنع التهجير

رد موظفي القطاع العام على مقال السيد سمير حليله بعنوان: “الزيادة في العلاوات: جوهر أزمة ال...

إعادة تشكيل الوعي الفلسطيني
