الديموغرافيا ساحة معركة: كيف تواجه إسرائيل التفوق الفلسطيني بالإبادة والتهجير؟
مقالات

الديموغرافيا ساحة معركة: كيف تواجه إسرائيل التفوق الفلسطيني بالإبادة والتهجير؟

منذ تأسيسها عام 1948 لم تتوقف إسرائيل عن محاولات فرض أغلبية يهودية مصطنعة على أرض فلسطين التاريخية، رغم أن الواقع السكاني والديموغرافي يُظهر تفوقاً واضحاً لعدد الفلسطينيين، وفي سبيل ذلك انتهجت سلطات الاحتلال سياسات متكاملة من التطهير العرقي، والتهجير القسري، وسحب الهويات، وسنّ القوانين العنصرية، وصولاً إلى استخدام آلة القتل الشامل كما يحدث حالياً في غزة والضفة الغربية.

أولاً: التهجير والتطهير العرقي

بدأت النكبة عام 1948 بتهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم وتكررت في نكسة 1967 التي شهدت تهجير عشرات الآلاف من الضفة الغربية وقطاع غزة. وواصل الاحتلال عملياته من خلال هدم المنازل في القدس والضفة لإفراغ الأرض من سكانها الأصليين في محاولة ممنهجة لتقليص الوجود الفلسطيني وإحلال المستوطنين مكانهم.

ثانياً: مصادرة الأراضي والتوسع الاستيطاني

تعمل إسرائيل على تفتيت الكتل السكانية الفلسطينية عبر بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي وفرض قيود على البناء الفلسطيني في الوقت الذي تشجّع فيه الاستيطان وتمنحه دعماً سياسياً ومالياً غير محدود، هذه السياسة تسعى لفصل الفلسطينيين جغرافياً عن بعضهم وتقطيع أوصال المجتمع الفلسطيني.

ثالثًا: سحب الهويات ومنع لمّ الشمل

سحبت سلطات الاحتلال آلاف الهويات من سكان القدس ومنعت لمّ الشمل العائلي مما أدى إلى تفكيك النسيج الاجتماعي الفلسطيني والحد من تكاثر العائلات داخل المناطق المصنفة ضمن “الخط الأخضر” ، هذه السياسات تخدم هدفاً استراتيجياً يتمثل في تقليص الوجود الفلسطيني في مدينة القدس خاصة وفي الداخل الفلسطيني عامة.

رابعاً: الجدار والفصل الديموغرافي

يُعدّ جدار الفصل العنصري أبرز أدوات العزل الديموغرافي حيث فصل المدن والقرى الفلسطينية عن أهلها في الداخل وحتى عن بعضها البعض ، وعملت إسرائيل على ضمّ الكتل الاستيطانية الكبرى داخل الجدار ما شكّل واقعاً ديموغرافياً جديداً يعزز من السيطرة الإسرائيلية ويضعف التواصل بين الفلسطينيين في مختلف المناطق ومنها تطبيق سياسة البوابات على مداخل المدن والقرى والحواجز الامنية العسكرية في كل مكان.

خامساً: قوانين عنصرية ضد الوجود الفلسطيني

أقرّ الكنيست الإسرائيلي قانون “الدولة القومية اليهودية” عام 2018 ليؤكد رسمياً أن إسرائيل هي “الدولة القومية للشعب اليهودي فقط” مما شرعن التمييز ضد المواطنين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر وكرّس مكانتهم كمواطنين من الدرجة الثانية، هذا القانون يلغي عملياً الاعتراف بالعربية كلغة رسمية ويُقصي الرواية الفلسطينية من المشهد السياسي والقانوني الإسرائيلي.

سادساً: حرب إبادة جماعية في غزة والضفة

منذ 7 أكتوبر 2023 نفّذت إسرائيل حرب إبادة بحق الشعب الفلسطيني:
-في غزة: بلغ عدد الشهداء حتى 19 مايو 2025 أكثر من 58,567 شهيداً بينهم نحو 16,250 طفلاً وأكثر من 20,120 امرأة إضافة إلى أكثر من 168,610 جريحاً ، استهدفت إسرائيل المدنيين عمداً عبر قصف البيوت والمدارس والمستشفيات ومخيمات اللاجئين وما زالت جرائمها مستمرة بلا توقف.
-في الضفة الغربية: ارتقى نحو 923 شهيداً بينهم 183 طفلًا وقرابة 62 امرأة نتيجة الاجتياحات اليومية وعمليات الإعدام الميداني واقتحام المخيمات والبلدات ضمن سياسة تصعيد العنف الممنهج ضد المدنيين العزل.

كل هذه السياسات ليست إلا محاولة يائسة لطمس هوية شعبٍ متجذّر في تاريخه ضارب في عمق أرضه كأشجار الزيتون التي لا تموت مهما اجتثها المحتل، فإسرائيل التي تبني وهم تفوقها على جماجم الأطفال والنساء وتعتقد أن المجازر والهدم والاقتلاع ستغير معادلة الوجود، تنسى أن الدم لا يُهزم وأن الشعوب التي تعلّمت كيف تزرع شهداءها في الأرض كالأمل لا تنكسر.

الفلسطينيون اليوم لا يُعدّون بالأرقام فقط بل تُقاس عظمتهم بقدرتهم على البقاء رغم كل محاولات المحو وتُقاس إرادتهم بما يزرعونه في قلوب أبنائهم من عشق الأرض والإصرار على العودة.

فلتقتل إسرائيل ما تشاء ولتسرق ما استطاعت من الأرض والهواء لكن ساعة الزوال ستأتي، لا لأننا نتمنى بل لأن من يزرع الموت حتماً سيحصد الفناء ومن يبني دولته على جماجم الأطفال ستبتلعه لعناتهم ذات يوم.

الديموغرافيا ليست معركة أرقام فقط بل معركة وجود وإيمان والوجود لا يُلغى والإيمان لا يُقهر وسيأتي اليوم الذي تُكتب فيه نهاية الرواية على يد أولئك الذين وُلدوا من رحم المجزرة وحروب الابادة يحملون مفاتيح العودة في يد وراية فلسطين في اليد الأخرى.

فلسطين لا تُهزم لأنها ببساطة: ليست قضية بل روح أمة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.