الانتخابات البلدية في فلسطين ديمقراطية مفرغة وسلطة بلا أنياب
مقالات

الانتخابات البلدية في فلسطين ديمقراطية مفرغة وسلطة بلا أنياب

تشكل الانتخابات البلدية في جوهرها محطة ديمقراطية أساسية تُمنح فيها المجتمعات المحلية الحق في اختيار ممثليها لإدارة شؤونهم اليومية بدءاً من النظافة مروراً بالتخطيط العمراني وانتهاءً بالبنية التحتية ، غير أن هذه العملية النبيلة تحوّلت في كثير من القرى والبلدات الفلسطينية إلى سباق عشائري و سباق مصالح لا علاقة له بالكفاءة تُهيمن عليه المصالح الفردية الضيقة والعائلية بعيداً  عن معايير الحكم الرشيد.

فبدلاً من أن يُنتخب الأصلح من حيث النزاهة والخبرة يُنتخب “ابن العشيرة” لمجرد انتمائه الدموي حتى لو لم يُدِر ملفاً  بسيطاً في حياته ، الصوت لا يُمنح للشخص او البرنامج الأفضل بل لمن يمثل العائلة أو الحيّ أو من يملك “ظهرًا” وهكذا تتكوّن المجالس من شخصيات غير مؤهلة ضعيفة مهنيا وأحيانًا خائفة تواجه واقعاً أمنياً  واجتماعيا يتجاوز قدرتها على الفعل.

مأساة الحكم المحلي زعران وعصابات و عشائر فوق القانون

في بعض القرى يتحول رئيس المجلس أو البلدية إلى رهينة داخل مكتبه مهدداً من الخارجين عن القانون الذين يستقوون بالعائلة أو السلاح أو النفوذ ، من يبني دون ترخيص أو يعتدي على الطريق العام، أو يستولي على أرض الدولة غالباً  ما يكون له “غطاء” ما يجعل أي محاولة لردعه مغامرة غير محسوبة.

الواقع الميداني يكشف أن القانون يُطبق فقط على المواطن الملتزم بينما يُعطَّل أمام الأقوياء و الزعران الأسوأ من ذلك أن بعض رؤساء البلديات أو الأعضاء يضطرون للتواطؤ أو الصمت لأن البديل هو التهديد وربما الاعتداء المباشر ومنهم من هو شريك و له مصالح و دخل الانتخابات لاجل اجندات شخصية .

الفوضى العمرانية بناء بلا تخطيط ولا قانون

تنتشر في المدن الكبرى والأحياء الشعبية شوارع لا يتجاوز عرضها ثلاثة أمتار رغم ارتفاع الأبنية إلى عشرة  أو عشرين و حتى ثلاثين طابق  وغالباً ما يكون هذا الارتفاع مخالفاً للمخططات التنظيمية لكن يُمرر من خلال دفع مخالفة مالية بدلاً من تنفيذ الإجراء القانوني وهو الهدم و بعضها لا يدفع اي مخالفة بسبب خضوعهم تحت السيطرة الاسرائيلية التي تشجع ذلك و خاصة في محيط القدس لإخراج السكان خارج القدس ، تخيلوا حريق في عمارة فيها اكثر من 100 شقة !!!. 

أما في القرى فالصورة أكثر فوضى ، لا توجد مخططات هيكلية في كثير منها، وكل شخص يبني حيث يشاء، ما يخلق ضغطاً على البلدية أو المجلس القروي لإيصال الشارع والماء والكهرباء إلى منزله ، وتخيلوا أن تكلفة إيصال الخدمات أحياناً لبيت واحد تفوق تكلفة إيصالها لكل بيوت القرية الأخرى! هذه ممارسات تنسف أي تخطيط عقلاني وتحول العمل البلدي إلى سلسلة من المخالفات و مخالفة تجر مخالفات و تعم الفوضى .

توصيات عملية للخروج من المأزق:
    1.    تعزيز دور الدولة في الحكم المحلي:
يجب أن تُعطى وزارة الحكم المحلي صلاحيات مؤقتة لتعيين مجالس إدارية في المناطق الخارجة عن السيطرة بدعم أمني فعلي لإعادة فرض النظام وتهيئة بيئة ديمقراطية حقيقية.
    2.    استقدام كوادر مهنية من خارج القرية او المدينة :
تعيين إداريون ومهندسون موثوقين من خارج الإطار العشائري قد يكونون أقدر على تنفيذ القانون دون ضغوط أو محاباة مما يعيد ثقة المواطن بالمجلس.
    3.    توفير الحماية القانونية والأمنية للمجالس:
يجب تفعيل وحدة متخصصة من الشرطة لحماية المجالس المحلية وتمكينها من أداء مهامها دون خوف من التهديد أو الاعتداء.
    4.    سنّ قوانين رادعة وتنفيذها دون تردد:
الاعتداء على موظف عام أو منتخب محلي يجب أن يُعامل كجريمة كبرى تُواجه بحزم وعلنية وليس بتسويات عشائرية تفرغ الدولة من هيبتها و المخالفات لا تسقط بالتقادم و المجلس البلدي الذي يصمت على هذه المخالفات يجب إيقاع أقصى العقوبات بحقه و بأثر رجعي مهما تقدمت المخالفة .
    5.    التوعية المجتمعية بدور البلدية:
حملات إعلامية وميدانية لشرح دور البلدية وأهمية أن يكون القانون فوق الجميع هذه ستقلل من التوتر وتعيد بناء العلاقة بين المواطن والسلطة المحلية.


إذا استمر الوضع على ما هو عليه فستبقى البلديات في كثير من المناطق مؤسسات صورية تُدار بالترضيات والخوف لا بالقانون والمصلحة العامة ، الانتخابات لا تعني شيئاً إن كانت تُكرّس الزعرنة والعصبية بدلاً من اختيار من يخدم الناس بكفاءة ونزاهة.

لقد آن الأوان لنفكر خارج الصندوق ، لا يكفي أن نُجري انتخابات بل علينا أن نعيد تعريف مفهوم “البلدية” ذاته: مؤسسة لخدمة الجميع لا ملجأً للعائلة أو وسيلة لتعزيز النفوذ.
هل نملك الشجاعة لنفعل ذلك؟ أم سنبقى نمارس الديمقراطية كطقس موسمي ثم نعود للشكوى من “مجلس لا يعمل” و”شارع بلا قانون”؟.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.