الدعاء وحده لا يكفي
مقالات

الدعاء وحده لا يكفي

على الأرجح أنّ القيادات التي اجتمعت، أمس، ضمن وفود تمثّل أحد عشر فصيلاً، يُدركون جميعاً، أنّ حواراتهم واجتماعاتهم لم تعد تجذب اهتمام الجمهور الفلسطيني.
هذا التجاهل من المجتمع الفلسطيني له أسبابه، التي تعرفها القيادات السياسية، بعد فترة طويلة من الانقسام وعديد الاجتماعات والحوارات والاتفاقيات التي تُترك في مكانها، ولا تخلّف سوى المزيد من الاتهامات والمُناخات السلبية، والمناكفات دون أن يُفلح أيّ طرفٍ في إقناع المجتمع بأنّه لا يتحمّل المسؤولية عن الفشل.
وفي هذه المرّة، أيضاً، لا بدّ أن تلاحظ القيادات الكبيرة الوازنة، التي احتشدت في العلمين الجديدة، من أنّ وسائل الإعلام العربية، وغير العربية، لم تعد تُعطي الاهتمام والمساحة الكافية لتغطية هذا الحدث.
ربّما كان سبب التعامل الروتيني المحدود لوسائل الإعلام تلك يعود إلى السبب ذاته الذي يقف خلف تجاهل الجمهور الفلسطيني، وربّما، أيضاً، بسبب غياب الشفافية، ونُدرة الوصول إلى معلومات صحيحة ومؤكّدة بشأن ما دار قبل الاجتماع الرسمي، وخلاله.
في كل الأحوال تعوّد الناس على الاستماع لتصريحات عامّة تؤكّد الرغبة في التوصُّل إلى تفاهمات لإنهاء الانقسام، والالتزام بالمصلحة الوطنية الفلسطينية في ضوء توافق عام وحقيقي بشأن مخاطر استمرار الانقسام، باعتبار استمراره يقدّم خدمة جليلة للمحتل الإسرائيلي.
أعجبني «بوست» على «التيك توك» كتبه شخص فلسطيني بالتأكيد، لكنّني لم أتمكّن من معرفة اسمه، يقدّم وصفاً دقيقاً وجميلاً لحال الشعب الفلسطيني.
يقول الـ»بوست»: «إنّ الشعب الفلسطيني يشبه (شيش الشاورما)، في الواجهة السكّين وفي الخلفية النّار، مُثبّت على خازوق (سيخ) يخترق كتلة اللحم من الأسفل إلى الأعلى».
محظوظ من تُتاح له فرصة الكتابة، بعد أن يكون الاجتماع قد انتهى واتّضحت نتائجه، حيث إنّه سيتمتّع بقدرٍ أقلّ من التحفُّظ في التحليل وحيث إنّني لستُ من هؤلاء بسبب الالتزام بتوقيت النشر، فإنّني ألتمس العذر، إن كنت قد غامرت في التحليل، والاستنتاجات، والتوقُّعات.
طبعاً لا أحد سوى من وَضعوا أنفسهم في خدمة الاحتلال من لا يتمنّى أن تخرج اجتماعات القاهرة، باختراق إيجابي للحالة الفلسطينية، ينقل الشعب من حالٍ إلى أفضل.
في قراءة الحدث، لا يمكن تجاهل وجود الرئيس محمود عبّاس للمرّة الأولى منذ وقوع الانقسام، على رأس هذا الحوار، وهو في الأساس صاحب الدعوة، ما يفترض أنّه مُؤشّر على جدّية الحوار، والرغبة في تحقيق النجاح.
غير أنّ هذا الأمر لا يكفي وحده، للمراهنة على إمكانية تحقيق الاختراق في الاتجاه الإيجابي، دون الأخذ في الاعتبار المقدّمات والعوامل المختلفة التي ستجعل هذا الاجتماع مختلفاً عن كلّ الجولات السابقة التي انتهت إلى خيبات أملٍ مُتلاحقة.
لا يمكن بطبيعة الحال تجاهل مدى أهمية غياب ثلاثة فصائل وازنة هي: حركة الجهاد الإسلامي، التي تضامنت معها الجبهة الشعبية ـ القيادة العامّة وتنظيم «الصاعقة»، ويتضامن، أيضاً، مع «الجهاد الإسلامي» فصائل قرّرت حُضور الاجتماع والانخراط في الحوار.
السبب الذي يقف خلف موقف «الجهاد» ومن يتضامن معها، من فصائل من خارج الاجتماع ومن داخله، هذا السبب ينطوي على أهمية بالنظر لمُؤشّراته.
فشلت جميع المحاولات، والوساطات، والمواقف التي حاولت بقوّة إقناع السلطة الوطنية، بالإفراج عمن تقول «الجهاد» إنهم معتقلون سياسيون، وثمة ادّعاءات أُخرى من قبل فصائل أخرى، بينما تقول السلطة إنّ هؤلاء لم يتمّ اعتقالهم على خلفية سياسية وإنّما لديهم ملفّات جنائيّة.
الأمر بالنسبة لـ»الجهاد» ومن يتبنّى ادّعاءاتها، ينطوي على قناعة بأنّ السلطة، تمارس منهج مُلاحقة المقاومين، وأنّ رفضها الإفراج عنهم، يعني أنّها تُصرّ على متابعة هذا المنهج حتّى لو خرج الاجتماع بتوافقات إيجابية وجدّية.
تُثير هذه القناعة، أجواء من السلبية، وأزمة الثقة، لكن كلّ ذلك يمكن تجاوزه، في حال كانت النتائج إيجابية وجادّة، والأرجح أنّ «الجهاد الإسلامي»، ستتجاوز هذا الملفّ، وتلتحق بالرّكب في حال كانت النتائج إيجابية، وقابلة للتنفيذ والالتزام.
ولكن ما الذي تغيّر في رُؤى ومناهج العمل السياسي، والتزامات الفصائل والسلطات، حتى نتوقّع نتائج مختلفة عن كلّ المرّات السابقة؟
في الواقع، باستثناء التغيّرات الخطيرة، التي تشهدها دولة الاحتلال والتي تستهدف حسم الصراع مع الفلسطينيين، ولو اقتضى الأمر استخدام كلّ أشكال البطش والتدمير، باستثناء ذلك لم يتغيّر شيء على الوضع الفلسطيني.
السلطة الوطنية ومنظمة التحرير وحركة فتح، وبعض الفصائل لا تزال عند رؤيتها ومنهجها، وآليات عملها، وقناعاتها إزاء أشكال النضال، بينما من الناحية الأخرى لا تزال حركة حماس كطرفٍ رئيس وفصائل أخرى تتمسّك برؤيتها ومنهجها وآليات عملها، وقناعاتها إزاء أشكال النضال المناسبة أكثر في مواجهة الاحتلال.
لا يبدو أنّ ثمّة إمكانية لتوفير مساحات تتقاطع عندها هذه الخلافات يمكن البدء بها، والبناء عليها، لإزالة بقيّة العقبات أمام إمكانية إنهاء الانقسام وإزالة آثاره العميقة.
وبصراحة، فإنّ الحوارات والاتفاقيات السابقة، لم تترك مجالاً لأيّ فكرة جديدة، يمكن أن تشكّل البداية، بعد أن تمّ استنفاد كافّة الزوايا والأفكار.
لقد تعدّدت المدن، وتعدّدت الأطراف التي حاولت تقريب وُجهات النظر وتحقيق المصالحة، والخشية أن تنضاف هذه الجولة إلى سابقاتها والسبب غياب الإرادة واختلاف الحسابات الفئوية، وعدم الرغبة في اتّخاذ قرار إنهاء الانقسام، واستعادة الوحدة، ودفع الثمن المطلوب وتجاوز الأهداف الاحتلالية.
في نيسان 2014، تمّ توقيع «اتفاقية مخيم الشاطئ»، وبموجبها تمّ تشكيل حكومة برئاسة د. رامي الحمد الله. قبل ذلك، كان عدد من الأطباء استضافوني في حوار، وكان السؤال: هل هناك مصالحة، وهل هناك حرب؟ كان جوابي في حينه: نعم. هناك مصالحة وهناك حرب، حيث ستتدخّل إسرائيل لإفشالها، وهذا ما وقع، حيث شنّت إسرائيل عدواناً لواحد وخمسين يوماً على غزّة، وكان من بين أهدافها إفشال المصالحة.
سيتكرّر الأمر لو أنّ الفصائل وقّعت على اتفاق مصالحة، والفصائل غير مستعدّة لحماية اتفاقها، ودفع الثمن.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.