الاقتصاد الفلسطيني على مفترق طرق.. 4 ملفات تنتظر الحسم
خاص صدى نيوز: عامان من حرب الإبادة، وضعت الاقتصاد الفلسطيني في أكبر مأزق منذ إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 1994، إذ يشير الجهاز المركزي للاحصاء إلى أن الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين تراجع بنسبة 29% بواقع (18% في الضفة الغربية، 86% في قطاع غزة) خلال عامي حرب الإبادة، مقارنة مع الفترة نفسها التي سبقت السابع من تشرين الأول 2023، ليصل مستوى الناتج المحلي الإجمالي حوالي (10) مليارات دولار بعد أن كان يشكل من (13)إلى (15) مليار دولار ما قبل السابع تشرين الأول.
الاقتصاد الفلسطيني اليوم وبعد عامين على الحرب، يقف على مفترق طرق أمام أربعة ملفات تنتظر الحسم، لكن الجانب الاسرائيلي يستخدمها ضمن خطة ممنهجة لإفقار الفلسطيني وخلق بيئة طاردة، فإلى أين تتجه الأمور في هذه الملفات الأربعة: المقاصة، والعمال الفلسطينيون العاملون داخل الخط الأخضر، والعلاقة المصرفية بين البنوك الإسرائيلية والفلسطينية، وإعادة إعمار قطاع غزة؟
يقول الخبير الاقتصادي سامي ميعاري لـ"صدى نيوز": من الناحية العملية الملفات الأربعة مرتبطة ببعضها البعض، فلا يمكن على سبيل المثال الحديث عن إعادة الإعمار ولا يمكن تحويل أموال المقاصة إذا كانت العلاقة المصرفية مقطوعة بين الطرفين.
أموال المقاصة
مرت ستة أشهر ولم يحول فيها الجانب الاسرائيلي شيقلا واحداً للخزينة العامة للسطلة الفلسطينية من أموال المقاصة التي تشكل 68% من إجمالي الايرادات، مع العلم أنه كان يقتطع شهريا قرابة (270) مليون شيقل بدعوى أنها مخصصة لقطاع غزة، بالإضافة إلى اقتطاعات أخرى فرضها منذ عام 2019 تبلغ قرابة (52) مليون شيقل بدعوى أنها مخصصة للأسرى والمحررين وذوي الشهداء والجرحى، بعد الاستناد إلى قانون في الكنيست الاسرائيلي.
بلغ حجم الأموال المقتطعة من الجانب الإسرائيلي لأموال المقاصة نحو (13) مليار شيقل حسب ما صرح به مدير الاتصال الحكومي د. محمد أبو الرب. والذي يبين أن هذه الاقتطاعات أدخلت السلطة الوطنية في مأزق مالي هو الأخطر، إذ اضطرت الحكومة طوال الأشهر الماضية إلى الاقتراض البنكي والاعتماد على المساعدات الدولية وبعض التسويات المحلية مع شركات كهرباء وهيئات محلية، وبعض الايرادت المحلية للقيام ببعض التزاماتها خاصة في صرف دفعات منقوصة من الرواتب وتوفير مصاريفها التشغيلية.
غير أن مراقبين يؤكدون أن سياسة السلطة الفلسطينية في "تلبيس الطواقي" لتسيير شؤونها في ظل غياب أموال المقاصة لا يمكن لها أن تستمر إلى ما لانهاية، وأن الهامش يقل أمام السلطة شهراً بعد شهر.
مصادر أوروبية أكدت لـ"صدى نيوز" أن هناك ضغوطاً يمارسها الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي على إسرائيل للإفراج عن أموال المقاصة التي يعتبرها المانحون أموالاً فلسطينية صرفية لا يجوز لإسرائيل احتجازها أو مصادرتها.
مصدر حكومي كشف لـ"صدى نيوز" أن هناك ضغوطا فعلية تمارس من قبل "أكثر من جهة على إسرائيل للإفراج عن أموال المقاصة، لكن الجانب الإسرائيلي لا يريد سوى تحويل قيمة ما تبقى من أموال مقاصة خلال آخر (6) أشهر بعد الخصومات والتي تصل في المحصلة إلى 2-2.5 مليار شيقل، بينما يعتبر الأموال التي تم اقتطاعها تحت بند "رواتب الأسرى والأسرى المحررين" بأنها مصادرة بموجب قانون في الكنيست أعقبه قرارات من المحاكم الإسرائيلية بتعويضات لمستوطنين قتلوا في عمليات، أما الأموال التي تم اقتطاعها "كمخصصات لقطاع غزة"، فيريد اقتطاعها وتحويلها لصالح قطاع غزة وليس للسلطة الوطنية دون أن يبين أوجه استخدامها.
ولهذا رفضت السلطة الفلسطينية هذا الموضوع معتبرة أن الأموال المصادرة تصل إلى (13) مليار شيقل، مطالبة بالإفراج عنها جميعا. لذلك فإن أفق حصول انفراجة في هذا الملف تبدو ضئيلة في الوقت الحالي بسبب وجود فجوة كبيرة بين الطرفين رغم الضغوطات الدولية الممارسة على "إسرائيل".
يعتقد الخبير الاقتصادي د. سعيد صبري أن المقاصة تظل الورقة المالية الأكثر حساسية لأنها تشكل العمود الفقري لإيرادات الحكومة، وبالتالي لأي قدرة على دفع الرواتب أو تشغيل الخدمات.
ولفت إلى أن التوقعات بخصوص هذا الملف تشير إلى استمرار الاقتطاعات وربط تحويل الأموال بشروط سياسية وأمنية، ما يجعل التدفق المالي غير مستقر. رغم ذلك، من المرجح حدوث تدخلات دولية لضمان عدم انهيار الوضع المالي، عبر ترتيبات مرحلية تسمح بالإفراج الجزئي عن الأموال. ويقول: "هذه الحلول، رغم ضرورتها، تبقي الحكومة في دائرة (إدارة السيولة) وليس (الإصلاح المالي)، فغياب اتفاق شامل ومستقر سيجعل كل شهر مرتبطًا بمفاوضات جديدة، ويؤخر أي إمكانية لتخفيض العجز أو إعادة ترتيب الأولويات المالية للفلسطينيين".
أما ميعاري فيؤكد أن موضوع المقاصة يحتاج إلى ضغط دولي أكبر لإحداث انفراجة فيه.
العمال الفلسطينيون داخل الخط الأخضر
قبل السابع من أكتوبر كان يعمل داخل الخط الأخضر قرابة (200) ألف عامل، وهؤلاء كانوا يدرون للسوق الفلسطينية نحو 1.5 مليار شيقل أي نحو (18) مليار شيقل سنويا. هذه الفئة من القوى العاملة الفلسطينية كانت تشكل أكثر من 15% من القوى العاملة وتسهم بنحو 20% في الدخل القومي الفلسطيني.
يقول ميعاري لـ"صدى نيوز": "هناك مصلحة إسرائيلية من عودة هؤلاء العمال للعمل داخل الخط الأخضر، مشيراً إلى أنه إبان انتفاضة الأقصى عام 2002 منع قرابة 150 ألف عامل من التوجه إلى أعمالهم، ولكن اضطرت اسرائيل لاحقاً للاستجابة لطلبات قطاع الأعمال باستقطاب العمال الفلسطينيين إلى داخل إسرئيل".
ويوضح ميعاري أن مساعي الحكومة الاسرائيلية لإيجاد بدائل للعمالة من الخارج باءت بالفشل، مرجعاً ذلك إلى سبب وحيد يتمثل بمهنية العامل الفلسطيني، إذ أن أرباب العمل لم يجدوا في العامل الأجنبي بأنه بديل عن العامل الفلسطيني خاصة في قطاعي البناء والزراعة. ويعتقد ميعاري أنه رغم الإغلاق في هذا الموضوع حاليا من قبل الحكومة الإسرائيلية، غير أنها ستضطر في لحظة ما للاستجابة لطلبات أرباب العمل بما يسمح لاستقطاب عمال فلسطينيين إلى إسرائيل.
غير أن هذه النظرة التفاؤلية نوعا ما لا تتوافق مع توجهات الحكومة الإسرائيلية الحالية التي مازالت ترفض بشكل قاطع عودة العمال الفلسطينين لإسرائيل. فالناطق باسم جيش الاحتلال افيخاي ادرعي ظهر في فيديو مصور يحذر فيه العمال الفلسطينيين من فقدان حياتهم في حالة محاولتهم التسلل للعمل عبر الجدار، وكذلك شوهدت عناصر من الشرطة الإسرائيلية وهي تستهدف منشآت اقتصادية كونها تشغل عمالاً فلسطينيين.
المستشار القانوني لنقابة العمال العرب في الداخل وهبي بدارنة أشار إلى أن كافة التصريحات التي تصدر من مسؤولين ونقابيين ويتم نقلها من بعض وسائل الاعلام، حول عودة العمال قريباً للعمل في إسرائيل عارية عن الصحة"، لافتاً إلى أن توجهات الحكومة الإسرائيلية حتى الآن متشددة تجاه السماح بعودة العمال الفلسطينيين في إسرائيل.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي د. سعيد صبري لـ"صدى نيوز" إن ملف العمال يبقى الأكثر تأثيرًا اجتماعيًا واقتصاديًا في المدى القصير، لكنه في الوقت ذاته الأكثر غموضًا. حتى اللحظة، لا توجد مؤشرات على عودة العمل داخل الخط الأخضر إلى مستواه السابق، ما يضع عشرات الآلاف من الأسر تحت ضغط مالي مباشر. البديل المحلي غير قادر على التعويض نظرًا لضعف الطاقة الاستيعابية للقطاع الخاص وتباطؤ المشاريع. لذلك من المتوقع استمرار ارتفاع البطالة، وتراجع القوة الشرائية، وتوسع الاقتصاد غير المنظم. السيناريو المرجّح خلال الأشهر المقبلة يتمثل في إجراءات جزئية مرتبطة بالقطاعات الحيوية، دون انفراج شامل. وهذا يعني بقاء حالة "الإدارة المرحلية للأزمة" بدل الوصول إلى حل مستدام يعيد التوازن لسوق العمل الفلسطيني.
تجديد العلاقة المصرفية مع البنوك الإسرائيلية
يقول د. صبري إن هذا الملف هو الأخطر لأن الموعد النهائي بنهاية الشهر يضع البنوك الفلسطينية أمام اختبار حقيقي لاستمرارية عملها مع النظام المصرفي الإسرائيلي.
ويؤكد أن العلاقة مع البنوك الإسرائيلية ليست خيارًا؛ فهي قناة إلزامية لعبور المقاصة، والتجارة، والتحويلات، ومدفوعات القطاع الخاص، مشيراً إلى أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو تجديد العلاقة ولكن بشروط أكثر صرامة تشمل رفع مستوى الامتثال، وتوسيع التدقيق على التحويلات، وربما تحديد سقوف لعمليات معينة.
ويعتقد صبري أن خيار "القطع الكامل" غير مرجح بسبب كلفته العالية على الطرفين، لكن قد نشهد تضييقًا جزئيًا يؤثر على سرعة المعاملات وتكلفتها. باختصار، ما سيحدث هو "إدارة مخاطرة" وليست "عودة للوضع الطبيعي"، مع توسع أكبر في الرقابة والتنظيم خلال الفترة القادمة.
وكان محافظ سلطة النقد يحيى شنار أكد في لقاء مع الصحفيين أن سلطة النقد أعدت خطة (ب) في حالة إقدام اسرائيل على قطع العلاقة المصرفية مع البنوك العاملة في فلسطين تستند إلى التعامل مع بنوك مراسلة لدى طرف ثالث لإتمام المعاملات المالية مع إسرائيل.
وكانت وسائل إعلام عبرية أشارت إلى أن خلافاً حاداً اندلع مؤخراً بين وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، على خلفية محاولة نتنياهو الدفع باتجاه تجديد العلاقة المصرفية بين البنوك الإسرائيلية وتلك العاملة في الأراضي الفلسطينية.
وعلمت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، أن سموتريتش هدّد بالاستقالة من الحكومة بعد أن تبيّن له أنّ نتنياهو يعتزم تمرير قرار في الكابينت يسحب منه صلاحياته في هذا الملف الحساس.
الخلاف اندلع بسبب انتهاء سريان الإعفاء الذي مُنح لسنوات للمصارف في إسرائيل والذي يسمح لها بنقل الأموال للسلطة الفلسطينية. إلا أنّ سموتريتش، منذ بداية ولايته، يسعى لإنهاء هذا الترتيب الذي يراه في جوهره مشجعًا لـ"الإرهاب" و"مكافئًا للقتلة".
وفي المقابل، يخشى المجتمع الدولي من أن يؤدي قطع العلاقة بين البنوك الإسرائيلية والفلسطينية إلى انهيار اقتصادي للسلطة الفلسطينية. ولهذا السبب تمارس في الأيام الأخيرة ضغوطاً كبيرة من واشنطن على نتنياهو وسموتريتش لتمديد الإعفاء.
نتنياهو قرر الاستجابة للضغوط، ولتجاوز معارضة سموتريتش خطط لتمرير قرار في الكابينت ينقل الصلاحية لوزير آخر كي يواصل ترتيب الإعفاء.
لكنّ سموتريتش علم بذلك وغضب بشدة. وفي لقاء بينهما، أوضح لنتنياهو أنّه لن يسمح بنزع صلاحياته ولن يوافق على تمديد الآلية التي تخلق، في نظره، واقعًا تمكّن فيه إسرائيل دفع أموال لـ"الإرهاب".
وعلمت "إسرائيل اليوم" أنه في مرحلة معيّنة هدّد سموتريتش بالاستقالة، وهو ما يعني تفكيك الحكومة والذهاب لانتخابات.
نتنياهو تراجع، وفي هذه المرحلة يبدو أن القرار الذي بادر إليه لن يُطرح للتصويت في الكابينت.
ويذكر أن آلية الحماية التي تنظّم التعاون بين البنوك الإسرائيلية والفلسطينية ستنتهي صلاحيتها نهاية الشهر الجاري، أي بعد أيام قليلة، ولا يزال من غير الواضح كيف ستتم معالجة المشكلة.
ملف إعادة الإعمار
يعتقد ميعاري أن ملف إعادة إعمار قطاع غزة يظل الملف الأكثر أهمية من بين الملفات الأربعة، كونه ذا أبعاد إنسانية مباشرة، وانفجاره يبعث الضرر على عدة جوانب محلية ودولية، كون الولايات المتحدة ومصر كانتا راعيتين لاتفاق وقف النار.
أما د. صبري فيرى أن إعادة الإعمار ستظل رهينة المعادلة السياسية والاشتراطات الأمنية، ما يعني أن التقدم سيكون بطيئًا وغير كافٍ لحجم الدمار.
ويلفت إلى أن التوقعات تشير إلى توجه نحو "الإغاثة أولًا" من خلال إعادة الخدمات الأساسية والبنى التحتية الإنسانية، قبل الانتقال إلى مشاريع اقتصادية واستثمارية أكبر. والتمويل المتوقع سيكون مجزّأً ومتعدد المصادر، ما يخلق تحديات تنسيقية وقد يحد من سرعة التنفيذ. كما أن غياب رؤية اقتصادية جامعة لإعادة الإعمار قد يؤدي إلى جهود متفرقة غير قادرة على خلق وظائف أو دعم القطاع الخاص. لذلك من المرجح أن يبقى الإعمار في مرحلة "الترميم المرحلي" بدل التحول إلى برنامج تنموي شامل يعيد بناء الاقتصاد بشكل متوازن ومستدام.
وكانت الأمم المتدة أشارت إلى أن إعادة إعمار قطاع غزة سيتطلب نحو (70) مليار دولار، وفقا لتقييم الاحتياجات العاجلة الذي أجرته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، وإن هذا يعني أن هناك حاجة إلى (20) مليار دولار لهذا الغرض في السنوات الثلاث المقبلة.
كيف سيتحرك الاقتصاد الفلسطيني خلال الفترة المقبلة؟
يؤكد الخبير الاقتصادي د. سعيد صبري أن الاقتصاد الفلسطيني سيتحرك خلال الفترة المقبلة على وقع مفاوضات وليس سياسات؛ ومدى التحسّن سيعتمد على قدرة الأطراف على الوصول إلى "حدّ أدنى" من الترتيبات المالية، والمصرفية، والاقتصادية التي تمنع الانهيار وتسمح ببعض التعافي. لكن من دون حلول مستقرة لهذه الملفات الأربعة، سيبقى الاقتصاد في منطقة "الإدارة اليومية للأزمة" وليس في مسار تنمية.
مستوطنون يصيبون مواطنا بالرصاص في بيت عور التحتا غرب رام الله
مستوطنون يشرعون ببناء بؤرة استعمارية في خربة الحديدية بالأغوار الشمالية
مستوطنون يحرقون أشجار زيتون ويسرقون معدات زراعية في عطارة شمال رام الله
4 شهداء بنيران جيش الاحتلال في مدينتي غزة وخان يونس منذ الصباح
مركز بتسيلم: إسرائيل قتلت 1003 فلسطينيين بالضفة منذ أكتوبر
كاتس يأمر بإعادة مراجعة تحقيق الجيش الإسرائيلي في هجوم 7 أكتوبر
مجلس الأمن يناقش اليوم القضية الفلسطينية











