إعادة التسلح "الإسرائيلي" تحت اختبار تداعيات غزة وتكاليف الحرب
اقتصاد محلي

إعادة التسلح "الإسرائيلي" تحت اختبار تداعيات غزة وتكاليف الحرب

صدى نيوز - أرهقت ضغوط العمليات التي امتدت من غزة إلى إيران المعدات العسكرية الإسرائيلية، إلا أن خياراتها لتجديد ترسانتها محدودة. يدفع تزايد انتقادات حملتها في غزة والتدقيق فيها بعض شركائها إلى لجم تزويدها بالأسلحة، فيما تكافح الولايات المتحدة -وهي موردها الرئيسي- لزيادة الإنتاج الصناعي الدفاعي.

يشير كل هذا إلى أن إسرائيل قد تزيد من استثماراتها في صناعة الدفاع لديها لإعادة التسلح. لكن هذا مكلف وسيضع مزيداً من الضغط على ميزانيات الحكومة التي تضخمت بسبب الإنفاق الدفاعي الإضافي.

لدى إسرائيل صناعة دفاع محلية قوية لكنها تعتمد على واردات الأسلحة الخارجية، وخاصة الطائرات والذخائر المتقدمة.

تُعد الولايات المتحدة أكبر مُصدر للأسلحة إلى إسرائيل، فقد وفرت 66% من واردات الأسلحة الإسرائيلية في الفترة من 2020 إلى 2024 و3.8 مليار دولار من المساعدات العسكرية. يُعد الدفاع الصاروخي والمركبات المدرعة والذخائر الدقيقة والطائرات المقاتلة المتقدمة أبرز الصادرات. وقدمت الولايات المتحدة أسلحة إضافية منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، تراوحت بين ذخائر عيار 155 ميليمتر وطائرات "إف-15".

من موردي الأسلحة المهمين الآخرين ألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة. باعت ألمانيا غواصات لإسرائيل، بينما قدمت المملكة المتحدة طائرات وسفناً ومركبات برية. وقدمت الدول الثلاث المدفعية والذخيرة.

ردود الأفعال على حرب غزة

منذ حرب غزة، بدأت بعض الدول في وضع شروط على تدفقات الأسلحة إلى إسرائيل أو تعليقها تماماً. فقد أعلنت إسبانيا بأنها علقت جميع شحنات الأسلحة بعد 7 أكتوبر. وتعهدت كندا بخفض شحنات الأسلحة إلى إسرائيل إلى النصف، لكن لم يتضح ما إذا كانت الحكومة قد التزمت بذلك.

ألغت المملكة المتحدة عدداً صغيراً من تراخيص تصدير المعدات العسكرية إلى إسرائيل في عام 2024، بما في ذلك مكونات الطائرات والمروحيات والطائرات بدون طيار. ويجدر ذكر أن المكونات البريطانية المستخدمة في طائرة ”إف-35“ استُثنيت من حظر التصدير هذا.

 إيطاليا نفذت العقود الموقعة قبل 7 أكتوبر لكنها اشترطت عدم استخدام المعدات في غزة، ثم علقت الصادرات المتبقية. أما هولندا فسحبت تراخيص تصدير مكونات السفن. وألمانيا، الحليف الوثيق وثاني أكبر مصدر للمعدات العسكرية إلى إسرائيل، أعلنت أنها ستتوقف عن إرسال المعدات العسكرية إلى إسرائيل لاستخدامها في غزة، ولم يتضح ما هي الأسلحة التي حُجبت، لكن بعض المعدات التي تقدمها ألمانيا لإسرائيل، مثل الذخيرة والمركبات المدرعة وقطع غيار الأسلحة والأصول البحرية، ذات صلة بعمليات غزة.

حروب ومزيد من الحروب

تخوض إسرائيل منذ ما يقرب من عامين حرباً متعددة الجبهات. كانت غزة في الغالب حرباً برية، شارك فيها جنود جيش الدفاع الإسرائيلي على الأرض. أما في إيران وسوريا فكانت الحملات جويةً، فيما جمعت عملياتها في لبنان بين النوعين.

أدى اتساع العمليات وتزايد وتيرتها إلى انهاك الطائرات والمركبات البرية الإسرائيلية، وكان استهلاك الذخيرة والمتفجرات بكميات كبيرة. صرح جيش الدفاع الإسرائيلي في عام 2024 أنه يعاني من نقص في الدبابات والذخيرة. خلال الجولة الأخيرة من رشقات إيران الصاروخية، نفدت صواريخ الدفاع الجوي الاعتراضية الأساسية لدى إسرائيل، مما أدى إلى ادخار الموارد والاعتماد على الدفاعات الجوية الأمريكية.

قد لا تكون ترسانة إسرائيل قد استنفدت بعد، لكنها بحاجة إلى تجديد القدرات الرئيسية لدعم العمليات والاستعداد للهجمات المستقبلية، خاصة وأن جولة أخرى من القتال مع إيران قد تكون وشيكة. وهذا يشمل إعادة بناء صواريخ اعتراضية منتجة محلياً لدفاعها الجوي متعدد الطبقات؛ وهو مسعى مكلف يستغرق وقتاً طويلاً.

بعض إنتاج الذخائر الأميركية يتخطى أقصاه، وبعض الذخائر المستخدمة -مثل القنابل التي يبلغ وزنها طناً وقد تُستخدم في ضربات في لبنان- هي عناصر منخفضة الإنتاج. قد لا يكون الموردون الآخرون، ومنهم ألمانيا، التي باعت إسرائيل فيما مضى صواريخ ”باتريوت“ للدفاع، خياراً إذا استمرت قيود التسليح.

كما أن إصلاح الأصول التالفة وصيانة المعدات المستخدمة بكثافة أمر مهم بنفس القدر. قد يؤدي انخفاض قطع الغيار ومكونات أنظمة الأسلحة من ألمانيا والمملكة المتحدة ودول أخرى إلى إبطاء الجهود المبذولة للحفاظ على تشغيل المعدات العسكرية الإسرائيلية.

هل تتحمل إسرائيل تكاليف إعادة البناء؟

إذا استمرت الدول في تقييد عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل، فقد تزيد من الاستثمار في صناعتها الدفاعية المحلية لسد الفجوات الحرجة. ربما تستطيع إسرائيل تحمل هذه الجهود، لكنها ستؤثر على المالية العامة التي تضررت بالفعل من التكاليف الباهظة الناجمة عن الحرب المستمرة.

لا توشك إسرائيل على أزمة اقتصادية، إذ تملك إسرائيل احتياطيات أجنبية كبيرة، وإمكانية الوصول إلى الأسواق المالية ودعم من الولايات المتحدة. لكن استمرار الحرب له ثمن يشمل زيادة الإنفاق الدفاعي وإخراج الجنود من سوق العمل وتلف البنية التحتية وإصلاحها وتدفقات السكان إلى الخارج والنزوحات وإغلاقات المدارس وعدم اليقين المستمر.

قد يؤدي احتمال زيادة العقوبات وسحب الاستثمارات، كما حدث عندما سحب صندوق الثروة السيادية النرويجي استثماراته من 11 شركة إسرائيلية، إلى انقطاع الإمدادات وهروب رأس المال والحاجة إلى الحصول على واردات أكثر تكلفة من دول أخرى.

ضغوط مالية متصاعدة

كل واحد من هذه العناصر صغير في حد ذاته ولكنها قد تتراكم بمرور الوقت، في حين أن زيادة الميزانية بنسبة 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي واستمرار الإنفاق الدفاعي المرتفع يضغطان بالفعل على مالية إسرائيل.

تعني الضغوط المالية أن إسرائيل ستحتاج على الأرجح إلى الاختيار بين زيادة الاستثمار في الإنتاج الدفاعي أو في البحث والتطوير. وتشير الأوامر المستمرة من الحكومة الإسرائيلية لدعم صناعتها الدفاعية والحاجة إلى إعادة تسليح جيش الدفاع الإسرائيلي إلى التركيز على إنتاج الأسلحة بدلاً من التطوير. 

يُرجح أن تركز شركات الدفاع الإسرائيلية على تجديد الدبابات والمركبات المدرعة وصواريخ الدفاع الجوي. كما يُرجح أن تستثمر إسرائيل في تقنيات الدفاع الجوي الجديدة مثل أشعة الليزر من الجيل التالي الأرخص والتي يمكن أن تعمل بشكل أسرع من تلك الموجودة بالفعل في شبكة الدفاع الجوي الإسرائيلية. توفر أسلحة الليزر تكلفة أقل لكل اعتراض من الدفاع الصاروخي التقليدي.

سيكون مسعى إعادة بناء الجيش الإسرائيلي مكلفاً. ولا يبدو مرجحاً أن تقلص إسرائيل جهودها الحربية في أي وقت قريب وتستعد لهجوم أخير على مدينة غزة، لذا فهذه هي التكاليف التي قد تكون على استعداد لدفعها. وبمرور الوقت، ستصبح إعادة بناء القدرات الهجومية والدفاعية لإسرائيل في الوقت المناسب أصعب.