عن الخيارات الراهنة والمستقبلية لفلسطينيي العام 1948
مقالات

 عن الخيارات الراهنة والمستقبلية لفلسطينيي العام 1948

هل سيقودون أحد أهم الحلول الإنسانية الذكية لصراع طويل، أحد أطرافه يعاني من عقد تاريخية طويلة!
- من؟
- من غيرهم؟ فلسطينيو العام 1948..
- الباقون!
- وهم الأجمل.
ما بين العنوان والجملة الافتتاحية، يحتار الكاتب، بم يعنون كلامه وبم يبتدئ!
المسألة لها علاقة بمحاولة التفكير، والابتعاد عن الأحكام المسبقة، بل عن آرائنا السابقة، فالفعل الفاعل، والمؤثر، ما تلا فكرا، وهكذا نحاول ويحاول كثيرون، ويزاد العدد يوميا.
صحيح أنها دولة نووية، لكنها مهزوزة متوترة خائفة، كل اهتماماتها جلب كل جديد من السلاح؛ فانظر لوزيرة الداخلية الجديدة في الحكومة (الجديدة - القديمة) التي لم تكد تجلس على كرسيي كل من مكتبها في الوزارة والكنيست، حتى تطرح قانونا لمنع جمع شمل الأسر، حيث تمنع إسرائيل منح المواطنة للفلسطيني/ة المتزوجة من إسرائيلي/ة، والتي ناكفتها المعارضة بقيادة بنيامين نتنياهو، لا اختلافا على المضمون طبعا.
فلسطينيو الداخل هم الأدرى بالمجتمع الإسرائيلي، لذلك، لعل هناك تفكيرا وطنيا سياسيا ثقافيا استراتيجيا، يسعى إلى خلخلة بنية المجتمع الإسرائيلي، باتجاه قيام دولة حقيقية داخل فلسطين العام 1948، لا تنظر للفلسطينيين كأقلية، تكون هذه الدولة مقدمة لتأسيس الدولة الواحدة في فلسطين التاريخية، تنطلق أولا من التخلص من العنصرية.
في البدء كانت الكلمة، وهل كانت الحضارات مهما وصلت من تكنولوجيا ومدنية إلا تجليا لآثار الروافع الثقافية؟ لقد ابتدأت بكلمات، حتى أن الحضارات التالية، رجعت للمنهل القديم، فما من نهضة قومية حضارية إلا وعادت وأحيت آدابها القديمة، من أجل البناء عليها؛ فكيف الحال بمن يتعرض للاحتلال والنفي هنا وهناك!
وهل كان مفتاح بقاء الشعب هناك غير تجلّ للرواية التي تكون، وفاء لما كان من نهضة ثقافية شاركت بها حواضر فلسطين، وبشكل خاص، هناك في فلسطين المحتلة العام 1948؟
مؤخرا، شاهدت فيلم «الزمن الباقي» لإيليا سليمان، (الذي نرجو أن نعود إليه بشكل خاص)، ومسرحية «من قتل إسمهان» لأمير نزار الزعبي، ضمن سلسلة أعمال أدبية وفنية، تؤكد على الدور التنويري والحضور الإنساني جماليا وفكريا. وهذا ما أود أن أصله، بأن بيت قصيد فهم المسألة الفلسطينية يبدأ من هناك. وكلما أبعدنا عن فلسطين العام 1948، تشتتنا، وأصبحت الحلول السياسية هشة تعاني من تشتت ووهم.
والفلسطينيون هم الفلسطينيون، وإن اختلفت أماكن وجودهم، داخل الوطن (فلسطين التاريخية) وخارجه، وما زالوا يشكلون تجانسا اجتماعيا وثقافيا، ضمّ في داخله تعددية إبداعية.
قبل أيام، دعينا لندوة بعنوان «الخيارات الراهنة والمستقبلية لفلسطينيي العام 1948»، عقدت بالتعاون بين المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الاستراتيجية، ومركز القدس للدراسات المستقبلية في جامعة القدس. جلست أستمع لما يمكن أن يكون تفكيرا مستقبليا لهم.
دخلت وفي رأسي بضع أسئلة:
ترى كيف رأى الفلسطينيون في فلسطين المحتلة العام 1967 هبة فلسطينيي العام 1948؟
وكيف رأى الإسرائيليون تلك الهبة هناك بشكل خاص؟
هل فاجأت الهبة الإسرائيليين فعلا؟
لماذا انطلقت؟ أمن التضامن الديني والوطني أم من تفريغ طاقات غاضبة بسبب السياسات العنصرية؟ أم من كليهما!
ترى ماذا كان محرك الهبات دوما بدءا بيوم الأرض العام 1976، فانتفاضة الأقصى 2000، فالهبة الأخيرة 2021؟ أهي الشعور الوطني المتمثل بالخصوصية والهوية؟ أم المصلحة والحقوق في يوم الأرض.. وهبة أكتوبر في الانتفاضة الثانية، والهبة هذه؟
لربما لم تجب الندوة عن كل الأسئلة، لكنها حفزّت الذهن للتأمل:
تفسير الآن وهو تفسير الأمس والغد، فكيف يكون التاريخ وكيف يكتب؟ كيف يتم؟ إن تجريد الأفراد والجماعات من نزعاتهم في التملك والرفاهية يعني إضفاء الملائكية على البشر. كذلك إن تغييب النواحي المعنوية والخصوصيات تعني أيضا تجريد البشر من إنسانيتهم.
حديث سعيد نفاع عن المدني والوطني، وصولا لحق تقرير المصير لشعبنا بمن فيه فلسطينيو العام 1948، هو استئناف لتفكير عقلاني وطني، يمكن أن يذهب إلى اتجاهات جادة في البحث عن ممكنات العيش هنا، في ظل تغييرات لا بدّ أن تحدث، فلا يمكن أن يطول عمر المشروع العنصري العسكري، ذلك تكامل الكاتب محمد الهيب مع هذا الطرح بالحديث عن الروافع الوطنية عبر إجراءات ثقافية، وجمل ما وصفه من فعل «صوتي وحركي» واقتصادي، وعلى الأرض في الميدان من أفعال احتجاجية، الإضرابات حالة نضالية منها، بالتأكيد على وضوح المرجعيات. في حين جعل د. احمد رفيق عوض وهو الروائي المعروف، الأدب محور حديثه، لما يوليه اهتماما خاصا، كونه يشكل البعد الثقافي الإنساني للباقين.
لم تنقطع الحالة اللحظية، عما كان من زمن منذ ما قبل العام 1948، لكن وجودها، الآن، يعني توفر ظرف يكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فلا يمكن أبدا أن يعيش الفلسطينيون في فلسطين العام 1948 كأقلية؟ وأيضا صعب فصلهم وطنيا وقوميا وثقافيا عن باقي الفلسطينيين، في الضفة وغزة بشكل خاص.
من هم فلسطينيو العام 1948؟ إنهم الباقون في الوطن، من بقي حيا من 154 ألف فلسطيني وفلسطينية هم من بقوا في الوطن السليب، وإنهم الأبناء والأحفاد أيضا، فمن كان عمره يوما صار سبعينيا.
ميزة الشعب الباقي (أقلية عدديا)، أنه شعب أثبت حضوره وبقاءه، كما صور وأبدع إميل حبيبي في روايته «الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل» التي صدرت العام 1974. لكن أساليب الباقين تغيرت منذ العام 1966، مع بدء وقف الحكم العسكري، ومنح هامش مدني ديمقراطي للباقين. فأبناء سعيد (فتحي - ولاء) يختلفون عن الأب سعيد النحس، ومن الطبيعي أن الأحفاد، اليوم، هم غيره وغير آبائهم.
نحتاج جميعا إلى قراءة واعية لنتائج الانتخابات الإسرائيلية عبر عقود وصولا لليوم، على ضوء التغيرات الموضوعية في المجتمع الفلسطيني داخل أراضي 1948، وداخل إسرائيل، كذلك بالانتباه لما بعد تأسيس السلطة الوطنية هنا في فلسطين العام 1967، ككيان سياسي، قادته منظمة التحرير.
بعد قيام السلطة الوطنية، شعرنا بلوم فلسطينيي الداخل، وعتبهم على منظمة التحرير، كونهم يعتقدون أنهم جزء من أي حل، ومعهم حق، لكن الظروف التي وقعت فيها أوسلو تسارعت، وهكذا حدث. ومنذ العام 1993، بدأت تتأسس تيارات سياسية عربية فلسطينية في الداخل، جزء من جدليتها، يتمثل في مدى الاندماج في المجتمع والأحزاب الإسرائيلية، أو التحالف معها في تشكيل الحكومة، بالتصويت معها.
صحيح أن هناك من فلسطينيي الداخل - تشاؤما من الاستبداد الصهيوني - يرون أن التصادم سيظل محتملا وقائما، لأسباب لها علاقة بالنظرة للفلسطيني كمواطن من الدرجة الثالثة، كمواطن مشكوك بولائه، وبسبب القيود على الحرية، لكن نظن أن هناك مجالا لفعل ما، خصوصا في ظل وجود مرجعية عقلانية تفكر بخلاص شعبها لا أحزابها.
ترى، إن كنا نؤمن كما يؤمن آخرون، من فلسطينيين وغيرهم، بأن المستقبل الحقيقي، هو دولة واحدة مدنية، تحافظ على الخصوصيات، وتحترم كرامة الجميع، تضمد جراح الفلسطينيين، فماذا سيفكر فلسطينيو العام 1948 بفعله؟ كذلك هنا في فلسطين العام 1967؟ هل سنشهد ولادة تيار سياسي يتشارك فيه فلسطينيو العام 1948، وإسرائيليون يهود؟
لذلك من الضرورة عدم تدخل فلسطينيي العام 1967 والشتات في العلاقات الداخلية بينهم هناك، بل تشجيعهم لخلق حوار بينهم من جهة، وبينهم وبين الأحزاب اليهودية على اختلافها ودرجة تطرفها، بهدف المستقبل الآمن، فما يصرف على الخوف، يمكن أن يكون جزء منه كافيا لحياة فضلى للجميع هنا.
لذلك، فليس السؤال مع منصور عباس أو ضده، فكل تجربة جديرة بالدراسة والتعمق. لقد شكر لابيد في جلسة المصادقة على الحكومة الجديدة نتنياهو لأنه هو أول من حاور منصور عباس.
كيف نتحدث عن اندماج، بعيدا عن الأسرلة؟
والفلسطينيون في فلسطين العام 1948 ليسوا استثناء، لذلك من العادي أن يتم تمثيلهم وطنيا في منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ويمكن مثلا اعتبار ممثلي القوى والأحزاب أعضاء وعضوات في المجلس الوطني الفلسطيني.
كانت ندوة الخيارات الراهنة والمستقبلية أول ندوة بعد الهبة والانتخابات الإسرائيلية، وهناك آخرون ربما يفكرون بالتعمق أكثر. (أنصح بالاطلاع على مخطوط كتاب خالد الحسن الخاص بالموضوع).
وأخير، فهذا المقال هو كلمات، وأدبيات فكرية سياسية، نجتهد أن تكون روافع للمستقبل، مدعومة دوما بالروافع الأدبية، تحديدا من عالم الرواية، لأنها الأصدق في التصوير: تصوير البشر هنا وهناك، لعلنا نقرأ دوما عمن يكتب عن تصورات ممكنة للعيش هنا بعيدا عن النزق والنمطية والعنصرية.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.