شركات الحفر السعودية تتوسع بالغاز والخارج عقب تجميد التوسع النفطي

صدى نيوز - بعد نحو عامين من تباطؤ النشاط عقب تخلّي "أرامكو" عن خطة رفع طاقتها الإنتاجية من 12 إلى 13 مليون برميل يومياً، بدأ قطاع الحفر السعودي يرسم ملامح مرحلة جديدة من النمو المدفوع بالتوسع الخارجي، وتحسين الكفاءة التشغيلية، والتركيز على الغاز.

تراجع عدد منصات حفر النفط النشطة في السعودية إلى 20 منصة فقط في يوليو 2025، وهو أدنى مستوى منذ أكثر من عقدين، بعد أن كان عند 46 منصة في مطلع 2024، بحسب بيانات "بيكر هيوز" التي نقلتها "بلومبرغ".

ويعكس هذا الانخفاض التحول في أولويات "أرامكو" نحو تطوير مشاريع الغاز الطبيعي وتقليل الإنفاق على الحفر النفطي التقليدي، ما ضغط على مقاولي الحفر المحليين، ودفعهم لتسريع خطط التوسع في الأسواق الخارجية.

"الحفر العربية" تسجل أول خسارة منذ الإدراج وتستعد للتعافي

نتيجة الضغوط التشغيلية التي أعقبت خفض الإنفاق المحلي على حفر الخام، تكبدت "الحفر العربية" أول خسارة فصلية منذ إدراجها في السوق السعودية في نوفمبر 2022، بلغت 9.4 مليون ريال في الربع الثالث 2025. وتطمح الشركة لأن تبدأ مؤشرات التعافي بالظهور العام المقبل، عبر رفع معدلات التشغيل، والتوسع في الأسواق الخارجية.

يتوقع غسان مرداد، الرئيس التنفيذي للشركة، ارتفاع معدل تشغيل منصات "الحفر العربية" إلى 80% مع بداية الربع الثاني 2026 مقارنة بـ73% حالياً، على أن تصل المنصات البحرية إلى تشغيل كامل بنسبة 100% بدلاً من 67% بالوقت الراهن. وهي خطوة يراها مرداد كفيلة بتحسين هوامش الربحية لكون المنصات البحرية أقل تكلفة وأكثر دخلاً من البرية.

وأضاف بمقابلة مع "الشرق" أن الشركة دخلت سوق حفارات الغاز غير التقليدية، التي أضافت نحو 600 مليون ريال إلى الإيرادات، تماشياً مع توسع "أرامكو السعودية" في مشاريع الغاز.

تعليق عمل نصف المنصات يكبد "الحفر العربية" السعودية خسارة فصلية

أظهر تقرير شركة "أرامكو" لعام 2024، أنها أرست عقوداً بقيمة 25 مليار دولار تشمل تطوير أعمال الغاز غير التقليدي في حقل الجافورة، والتوسع في شبكة الغاز الرئيسية، وإنشاء منصات حفر جديدة لإنتاج الغاز.

وفي هذا السياق قال زياد المرشد، النائب التنفيذي للرئيس وكبير الإداريين الماليين في "أرامكو"، في لقاء مع "الشرق"، إن الشركة رفعت مستهدف نمو الطاقة الإنتاجية من غاز البيع من أكثر من 60% إلى نحو 80%، مشيراً إلى أن الزيادة في الإنتاج ستبدأ قريباً مع تشغيل حقل الجافورة ومعمل رأس تناجيب خلال الربع الرابع من العام 2025.

التوجه إلى سوريا

مع هذا النمو المرتقب، تتوقع "أرامكو" زيادة تتجاوز مليون برميل يومياً من السوائل المصاحبة عالية القيمة، ليبلغ إجمالي إنتاج الغاز والسوائل المصاحبة نحو 6 ملايين برميل مكافئ نفطي يومياً بحلول عام 2030.

وأوضح رئيس "الحفر العربية" لـ"الشرق" أن عدد المنصات المعلّقة من قِبل "أرامكو" انخفض بعد إعادة تشغيل خمس منصات، إضافة إلى تشغيل منصة أخرى في إحدى دول الخليج بما يمثل أول نشاط للشركة خارج السعودية، ما يعزز تدفقات الإيرادات في المرحلة المقبلة. 

كما كشف عن توقيع مذكرة تفاهم مع وزارة الطاقة السورية للتعاون في مجالات خدمات الحقول البترولية، وحفر الآبار وصيانتها، والتدريب الفني وتطوير الكوادر البشرية.

شركة الحفر العربية أُدرجت في السوق المالية السعودية بتاريخ 7 نوفمبر 2022، وبلغت قيمتها السوقية عند الإدراج 8.9 مليار ريال بعد طرح أسهمها بسعر 100 ريال للسهم، في اكتتاب جمعت من خلاله 2.67 مليار ريال.

تبلغ القيمة السوقية الحالية للشركة نحو 8.12 مليار ريال، بينما يتداول سهمها عند 91.2 ريال، أي أقل من سعر الطرح الأولي.

"أديس القابضة".. توسع خارجي يعوض تباطؤ السوق المحلية

اللاعبة النظيرة في سوق الحفر السعودية، شركة أديس القابضة، حافظت على مسار ربحي ثابت لأكثر من عام، إذ تراوحت أرباحها الفصلية عند حدود 200 مليون ريال منذ الربع الثاني 2024، قبل أن تتجاوز هذا الحاجز بالربع الثالث 2025 لتبلغ 219.1 مليون ريال.

وأشار محمد فاروق، الرئيس التنفيذي للشركة، بمقابلة مع "الشرق" إلى أن نصف أعمال "أديس" داخل السعودية والنصف الآخر موزع بين الخليج (25%) ودول آسيا وأفريقيا (25%).

أظهرت القوائم المالية المفصلة للشركة أن أعمالها داخل السعودية شكلت نحو 72% من إجمالي الإيرادات في الربع الأول 2024، قبل أن تتراجع تدريجياً إلى 57% في الربع الثالث 2025، في حين ارتفعت مساهمة الأسواق الخارجية نتيجة دخول الشركة أسواقاً جديدة مثل نيجيريا وجنوب شرق آسيا.

فاروق توقع تحقيق نمو في الإيرادات والأرباح التشغيلية بين 35% و40% خلال 2026 مدفوعة بتشغيل حفارات جديدة وصفقات الاستحواذ المزمعة خارج المملكة. مضيفاً أن التوسع الخارجي أسهم في خفض التكاليف ورفع أسعار الإيجار اليومية، إذ لا تتجاوز دورة التحصيل في بعض الأسواق 45 يوماً بعد إصدار الفاتورة، ما يعزز التدفقات النقدية التشغيلية.

يملك صندوق الاستثمارات العامة حصة 23.8% من رأسمال "أديس"، البالغة قيمتها السوقية حالياً نحو 18.9 مليار ريال، مقارنةً بتقييم اكتتابها البالغ 15.2 مليار ريال عند إدراجها في أكتوبر 2023.

مع تعليق حفر آبار نفط جديدة في المملكة، وتوجيه بوصلة الحفارات إلى الغاز، وتصاعد الاستثمارات غير التقليدية بقطاع الطاقة، يبدو أن صناعة الحفر السعودية تدخل مرحلة إعادة تموضع، تفرض معادلة جديدة بين الاعتماد على سوق النفط والغاز المحلية، والسعي لتنويع مصادر الدخل عبر التوسع نحو المزيد من أسواق الطاقة الإقليمية والعالمية.