ترامب.. دمّر ديموقراطية أمريكا أم كشف زيفها؟
رئيس التحرير

ترامب.. دمّر ديموقراطية أمريكا أم كشف زيفها؟

كتب رئيس التحرير: ينقسم العالم اليوم إلى قسمين اثنين عند النظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية الفترة الترامبية، جزء يرى أن ترامب "المجنون" دمّر ما تبقى من صورةٍ لأمريكا، وبعثر قوّتها الناعمة وديموقراطيتها، وقسم آخر يرى أنه كشف عن زيف الديموقراطية الأمريكية التي كانت تتشدّق بشعارات الديموقراطية، بل وشنت حروباً عديدة لنشر الديموقراطية وتعليم العالم الثالث أبجديات الليبرالية وحقوق الإنسان، بعد أن دمرتها عن بكرة أبيها، إما عسكرياً أو اقتصادياً أو سياسياً.

كل قسم من القسمين له حجمه، فمن يرون أن ترامب دمر ديموقراطية أمريكا، يستشهدون بالوضع الحالي في الولايات المتحدة، والانقسام في الشارع الأمريكي، ورفض ترامب تسليم السلطة "حتى الأن" كما جرت عليه العادة حتى التسليم الرسمي في 20 يناير.

في الحقيقة، لقد دمر ترامب صورة أمريكا في العالم وقوتها ونفوذها، عندما غادر منظمات دولية مهمة، وعندما تعامل مع الدول باستعلاء واستكبار وتجبر، فصنع أعداءً جدد للولايات المتحدة، بدل أن يصنع أصدقاء. لم يتعامل "المجنون" بعقلانية كما أغلب الرؤساء الأمريكيين من جورج واشنطن وحتى باراك أوباما، لقد دمر موروث هؤلاء الرؤساء، واختتم تدميره بخلق شرخ في المجتمع الأمريكي الذي يقف الآن على فوهة بركان مهدد بالانفجار في أية لحظة.

القسم الثاني، يرى أن ترامب بجنونه كشف عن زيف الادعاء الأمريكي بالديموقراطية ونشرها في العالم، فأمريكا لم تكن يوماً ديموقراطية خارج حدودها، وهي الدولة التي استخدمت حق النقض الفيتو ضد حقوق الشعوب ومن بينها الشعب الفلسطيني، وهي التي شنت حروباً عديدة مخلفة آلاف القتلى والجرحى، وحرب العراق وأفغانستان أكبر دليل على الإجرام الأمريكي الذي لا يتورع في مقاتلة الدول. 

أمريكا "الديموقراطية" عززت حكم ديكتاتوريات في العالم العربي على وجه الخصوص، وتدخلت في إرادات الشعوب. لقد مارست الاستبداد بأشد صوره تطرفاً، باسم نشر الديموقراطية للعالم!

يؤكد أنصار القسم الثاني أن أمريكا تبيع الوهم على انها دولة ديمقراطية و تتدخل وتعطي احكاماً في تقييم ديمقراطية الآخرين بل وتُرسل مراقبين لتقييمها في جميع أنحاء العالم وفي عُقر دارها فُضحت ديمقراطيتها، فهل هذه الدولة مؤهلة أن تحمي الديمقراطية التي دمرتها داخلياً وخارجياً؟ بالتأكيد لا وهي فعلياً دولة دكتاتورية عنصرية داخلياً وخارجياً وإمبريالية بامتياز، وهي لم تمارس الظلم على شعوب ودول اخرى وتقتل الملايين من النساء والأطفال في العراق وأفغانستان وفيتنام وفلسطين وسوريا وليبيا بل مارست الظلم على شعبها من الهنود الحمر والسود وتغطي على ذلك بالادعاء بالديمقراطية واحترام القانون وحقوق الانسان، امريكا لا تؤمن الا بمصالح شركاتها الكبرى وأغنيائها وتخضع لـ "اللوبي الصهيوني" وتخدع مواطنيها، فهي لا تلتزم بالقرارات الدولية ولا حتى بوصايا الرئيس الأمريكي ولسون العشرة بعد الحرب العالمية الأولى، إنها دولة تبيع الوهم على العالم وقبلهم شعبها.

بين هذين القسمين يقف الشعب الفلسطيني محتاراً، فهل أمريكيا الديموقراطية سُتجبر يوماً انطلاقاً من مبادئها "الديموقراطية" على نصرة الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره؟ أم أن أمريكا "المستبدة" ستظل راعية للاستبداد الإسرائيلي لسحق ما تبقى من حلم فلسطيني بإقامة دولة؟!

ما لا يختلف عليه أحد أن أمريكا لا تخضع لحكم شخص، أي أن أي رئيس لا يُمكن له التفرد بالقرار، وما سنشهده خلال أقل من 70 يوماً هو أن من كان يحرس ترامب سيُجبرونه على مغادرة البيت الأبيض إن ظل مصراً على جنونه، ليثبت للعالم كله أن أمريكا حقاً لا تُحكم بشخص، فهي دولة مؤسسات منذ اليوم الأول لاستقلالها، بغض النظر عن سياساتها الخارجية التي تكون مصنوعة لتحقيق مصالحها، ومن قال لكم أن السياسية تهتم للأخلاق والقيم والمبادئ؟ هي فقط تُرسم لتحقيق المصالح مهما كانت الطرق لتنفيذها. وفي المسألة الفلسطينية الإسرائيلية فإن مصلحة الولايات المتحدة بلا شك في تنمية وتعزيز قوة إسرائيل لأسباب عديدة لا يمكن لمقال واحد إجمالها.

عودة للقسمين اللذين يُحاججان بديموقراطية أمريكا أم استبدادها، كل قسم سيظل يحشد شواهد على صدق مقولته واعتقاده، ونحن في فلسطين لا ناقة ولا جمل لنا بالنقاشين سوى أن تتعامل الولايات المتحدة بعد ترامب مع القضية الفلسطينية بوصفها قضية سياسية وليست صفقة تجارية.