هل سيتعظ السياسيون في فلسطين؟
رئيس التحرير

هل سيتعظ السياسيون في فلسطين؟

كتب رئيس التحرير: لا يوجد ردٌّ على مسلسل التطبيع العربي الذي لا يُعرف عدد حلقاته بعد، ولا على خطة مجنون البيت الأبيض الذي نأمل أن تكون أيامه في أواخرها، ولا على قرارات الحصار والضم الإسرائيلية سوى بإعلان الوحدة الفلسطينية، ليتحصّن الجسد الفلسطيني من هذه الآفات، وليلبس الكنعاني على صدره وظهره، تحميه من طعنه العدو ومن غدر الأخ.

استبشر الفلسطينيون خيراً بالوتيرة المتسارعة نحو تحقيق المصالحة الفلسطينية، أو ربما من الأبلغ القول (مصالحة فتح وحماس)، وذلك على إثر اللقاءات التي عقدت على مستوى الصف الأول بين قيادتي الحركتين، فشاهد الفلسطينيون صالح العاروري على شاشة تلفزيون فلسطين في اجتماعه مع جبريل الرجوب، كما شاهدوا الرجوب على شاشة تلفزيون الأقصى، ما أشار إلى أن غمامة الانقسام بدأت تنقشع، وأن الخير قادم لا محالة، بعد سنوات من التشرذم والتفتت.

قلنا إنها مصالحة فتح وحماس، لأنها فعلاً مصالحة بين قطبين فقط، وليس مصالحة بين أبناء الشعب، فشعبنا مترابط ومتماسك بعكس سياسييه، عشائره وترابطه الاجتماعي أعمق بكثير من أن يُشرخ بسبب حزب!، إذن فالمصالحة هي بين الطبقة السياسية في فتح وحماس. أليس كذلك؟

تغزّل الرجلان، العاروري والرجوب، كلُّ بفصيل الآخر، فالعاروري أكد أن منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد وان الرئيس أبو مازن واللجنة التنفيذية الحالية المرجع للشعب الفلسطيني، ليرد عليه الرجوب أن حماس فصيل أصيل من شعبنا واجب ان يكون جزءاً من القرار الفلسطيني.

تلا هذا الاجتماع الذي عُقد على الهواء، اجتماع للأمناء العامين للفصائل، وعلى الهواء أيضاً، لتكون وعلى ما يبدو إشارة على جدية الأمر، فاتفاق الأمناء على خطوات محددة بزمن تبِعها اجتماع تركيا حيث تم وضع اللمسات الأخيرة للبدء بتلك الخطوات.

انتظرنا بعد اجتماع تركيا استمرار الخطوات نحو إنجاز أعظم ملف في التاريخ الحديث للشعب الفلسطيني وهو ملف إنهاء الانقسام من خلال خطو أولى الخطوات (الانتخابات)، لكن شيئاً لم يحدث، وكأن "بريك" مفاجئ، أوقف مركب المصالحة!

اليوم وبعد ما يقارب الشهر على اجتماعهم في تركيا وما يقارب الشهرين على اجتماع الأمناء العامين، بدأنا نسمع عن اجتماعات أخرى تحت عنوان تحقيق المصالحة في القاهرة، ما يعني أننا سندخل مرة أخرى في عباءة دول العرب التي أيدت التطبيع وخانت نفسها قبل القدس! لكن عسى أن يكون الأمر مختلفاً هذه المرة.

العرب الذين كان حديثهم الدائم عن ضرورة وحدة فتح وحماس لم يرحبوا حتى بتلك الجهود، ويقول بعض المحللين إن العرب سئموا من الفصيلين فتح وحماس ولم يعد لديهم قناعة بجديتهما، لذلك لم يحاول العرب ايضا منح تسهيلات لاجتماع آخر للأمناء العامين رغم الاحتجاجات التي صدرت من أكثر دولة عربية حول مكان اللقاء بين فتح وحماس في تركيا ولماذا ليس في دول عربية.

الصمت العربي على فتح ملف المصالحة هذه المرة يشير إلى أحد أمرين، أولاهما أن تلك الدول ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر، عن قصد أو دون قصد بتأزيم الساحة الفلسطينية، والمساهمة في استمرار الانقسام، أما الأمر الآخر فهو عدم ثقة تلك الدول بجدية التحرك الأخير، وهذا الخيار ما نستبعده، حيث أن ما نراه حالياً في أروقة السياسة العربية يشير إلى أن فلسطين بأهلها وناسها ومقدساتها سقطت من الحسابات، بل أن تل أبيب باتت أقرب من باب العامود للأنظمة التي تتساقط تباعاً في حضن العروس الإسرائيلية.

يبدو أن جزءاً من الشارع الفلسطيني بات مؤمناً وبشكل لا يدع مجالاً للشك أن هناك قراراً (لا يعرف مصدره) بعدم السماح بالوحدة الفلسطينية، وببقاء حماس تبني إمارتها في غزة، وفتح في الضفة الغربية، وأن على الفلسطينيين أن يعيشوا منقسمين إلى ما شاء الله، كما يؤمن هذا القسم بأن الضربة الكبرى التي تلقتها القضية كانت من أبنائها وليس من عربان الصحراء في السودان والخليج.

الجزء الآخر من الشعب، ورغم صغر حجمه بالمقارنة مع القسم الأول لم يمت الأمل لديه، فهو يرى أن مركب المصالحة ماضٍ في طريقه رغم العثرات، وأن من واجب بقية الفصائل دعم هذه الجهود، للوصول إلى عتبة الانتخابات، والدخول في بناء المؤسسات التي اهترأت في ظل غياب المُشرع الأساسي (المجلس التشريعي).

ربما يجدر بنا نحن الفلسطينيين الصلاة لأن يحالفنا الحظ ويغيب ترامب نهائياً عن المشهد السياسي عالمياً وإقليمياً ومحلياً، فما بقي من قضيتنا سيضيع في فترته الثانية، إن تم انتخابه.

ثمن التطبيع العربي بات معروفاً للجميع، نسيان شيء اسمه قضية فلسطين، وطوي الصفحة، بل تمزيقها من دفتر الحسابات العربي.

ليس أمام الفلسطينيين اليوم إلا أنفسهم، ولن يقف أحد للدفاع عنهم ولو بالصوت كما كان يفعل العرب (أحياناً)، فهل سيتعظ السياسيون في فلسطين؟