رفض استلام المقاصة.. لم يضغط على إسرائيل بل عاقبنا!
رئيس التحرير

رفض استلام المقاصة.. لم يضغط على إسرائيل بل عاقبنا!

كتب رئيس التحرير: تشكل رواتب الموظفين العموميين عصب حياة الاقتصاد الفلسطيني، ومحركاً أساسياً للدورة الاقتصادية، وأكبر مثال على ذلك هو شكل السوق عند تأخر صرف الرواتب، والتي تصبح خاوية على عروشها!

لذلك، فإن هذه الرواتب لا تؤثر على المجال الاقتصادي فحسب، بل تتعدى ذلك إلى المجالات الأمنية والسياسية، فأي أزمة رواتب ستؤدي لأزمة اقتصادية، والتي تؤدي حال استفحالها إلى أزمة أمنية وسياسية.


العالم يُدرك هذه المعادلة، ويدرك أيضاً خطورة أن يجوع الشعب الفلسطيني على السلام في المنطقة، فكان تحرك للأمم المتحدة حيث اجتمع منسق الأمم المتحدة لعملية السلام نيكولاي ميلادينوف مع وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ وتم نقاش الأزمة المالية وانعكاساتها على الاقتصاد الفلسطيني و كذلك قرار الضم الاسرائيلي وخطورته على هيبة وقرارات الأمم المتحدة.

ربما تشير زيارة ميلادينوف إلى اقتراب حلحلة ملف المقاصة،  وفتح آفاق سياسية وعودة تحويل المقاصة التي أدت لحرمان أكثر من 153 الف موظف مدني وعسكري من الحصول على رواتبهم.

البنوك الفلسطينية لم تعد قادرة على منح قروض للسلطة الوطنية وخاصة ان الشهر السابق استدانت السلطة من عدة بنوك لعجز أي بنك عن سد هذه الثغرة، وكذلك هناك شبه توقف للدعم الدولي وانعدام الدعم العربي وشبكة الأمان باستثناء الجزائر التي لم تتوقف عن دعم خزينة السلطة الوطنية. كل هذه العوامل تدفع بشكل متسارع إلى انهيار مالي للسلطة وأزمة اقتصادية لن يعرف أحد عاقبتها.

 وزير الخارجية الإسرائيلي غابي اشكنازي قال في ألمانيا خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الألماني أن إسرائيل انتقلت من الضم إلى التطبيع داعيا الجانب الفلسطيني إلى العودة لطاولة المفاوضات، وهذا يندرج في جهد دولي لإنهاء الأزمة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل وهذه التصريحات غير واضحة تماما، فهل تمت إزاحة قرار الضم من برنامج الحكومة الاسرائيلية والذي بسببه أوقفت السلطة الوطنية كل أشكال التنسيق مع دولة الاحتلال؟

العديد من المسؤولين الفلسطينيين صرحوا بأن سبب رفض المقاصة هو أنها جزء من اتفاق باريس، وقبول المقاصة يعتبر كأنه كسر لقرار منظمة التحرير بقطع كل أشكال العلاقة مع الاحتلال سواء التنسيق المدني او الأمني، وبعض المسؤولين في السلطة الوطنية الآخرين اوضحوا انه في حال حولت اسرائيل أموال المقاصة دون أي توقيع من قبلهم للأوراق فإن السلطة ستقبلها!

الظاهر للعيان أن قرار رفض استلام المقاصة كان قراراً خاطئا،  فلماذا إذن ننسق على المعابر مع الطرف الآخر من أجل الخروج والسفر للخارج ولدينا البعض يسافر عبر مطار ينغريون (اللد) ولا ننسق لأمر اقتصادي هام جدا يؤثر على الجميع من مختلف النواحي؟ لماذا نترك أموال شعبنا بأيدي الاحتلال؟ 

قرار رفض المقاصة فعليا يشكل معاناة  لشعبنا وتأثيره على المواطن الفلسطيني، فهل انعدمت وسائل مقاومة الاحتلال ومواجهة قرار الضم إلا من خلال الانتحار الاقتصادي؟

الاحتلال لا زال يقتحم مناطق A,B,C لتحقيق مصالحه والحفاظ على أمنه، فلماذا نحن نعاقب أنفسنا بترك أمول المقاصة لهم والتي تخدم  شعبنا ولا نضع آليات للتعامل الجديد مع المُحتل بحيث ننسق بالأمور المدنية التي فيها مصلحة لنا ولا يوجد بدائل لها؟ لماذا لا زالت البضاعة الاسرائيلية مكدسة في محلاتنا؟! ولماذا لا زال عُمالنا يعملون وحتى في بناء المستوطنات، أليس بسبب الضرورة؟
برتوكول باريس واتفاقية أوسلو في عداد الماضي، لكن من المهم نِقاش قضايا حساسة واجب التعامل بها ليس بإعتبارها جزءاً من الاتفاقيات الملغاة وإنما تعامل بحكم الامر الواقع، والتعامل بها لا يعتبر خرقاً لقرار القيادة بأننا في حِل من كل الاتفاقيات مع الطرف الآخر، بل يعتبر جزءاً من خطة الصمود لمواجهة الاحتلال والتفريق بين قرارنا الجامد والقرار الواقعي المبني على أهداف محددة واجب شرحها وتوضيحها للجمهور.

استمرار عدم الالتزام بدفع الرواتب يجعل 153 ألف عائلة محرومة من الأكل والشرب والتعليم اللائق ومنهم من خسر أبناءه وحرموا من التسجيل في الجامعات وعجز عن تسديد ديونه وشيكاته وقروضه، ما يدفع إلى إشكالية اجتماعية وهي ازدياد نسبة الجريمة داخل المجتمع الفلسطيني سواء السرقات او القتل، استمرار ذلك يعني انهيار شركات وتجار لاعتمادهم على  راتب الموظف العام وعلى أموال المقاصة بشكل عام لما لها من تأثير عالٍ على الدورة الاقتصادية للمجتمع الفلسطيني بكل مناحي الحياة.

المستهجن عدم وضوح رؤية الحكومة لملف الرواتب وفرضها لتعتيم إعلامي كامل حوله! حتى أن المسؤولين ابتعدوا عن الخوض في هذا الملف، ما يجعل الشارع في حالة ارباك وعدم فهم للمستقبل في ظل ازدياد الإشاعات.

حالة سخط وغضب تسود موظفي القطاع العام قد تؤدي إلى إضرابات، لكن ألا تعلم الحكومة أنه في اللحظة التي يتم الإعلان عن موعد صرف الرواتب فإن الحركة الاقتصادية  تنشط بشكل كبير؟ ولماذا لا يخرج أحد من الحكومة يقنع المواطن بصحة موقف الحكومة برفض المقاصة، ويوضح ما هو البرنامج للتعامل الشعبي مع هذا الواقع، حيث ان ارتدادها قد تولد زلزالاً يطحن الأخضر واليابس؟!
لعل الحراك السياسي الأخير بزيارة ميلادينوف يثمر سياسيا لصالح فلسطين أولًا وينقذ الاقتصاد يما في ذلك دفع الرواتب قبل فوات الأوان.

نستذكر ما كتبه محمود درويش يوماً: "سألني: هل يدافع حارس جائع عن دار سافر صاحبها، لقضاء إجازته الصيفية في الريفيرا الفرنسية أو الإيطالية.. لا فرق.
قلت: لا يدافع.!"