كورونا والخيارات الصعبة
رئيس التحرير

كورونا والخيارات الصعبة

كتب رئيس التحرير: كانت الحكومة الفلسطينية سباقة في إجراءاتها لمواجهة فيروس كورونا، فاستطاعت حماية البلاد والعباد صحياً من الموجة الأولى للفايروس من خلال إغلاقات لمحافظات مثل بيت لحم وغيرها، ومحافظة بيت لحم كانت نموذجاً في الالتزام.

خلال اليومين الماضيين تعرضت فلسطين لضربة ثانية قوية، وموجة جديدة للفيروس، حيث وصلت الإصابات في الخليل لوحدها 70 إصابة وانتشرت بعض الاصابات في رام الله ونابلس وطولكرم.

فلسطين ليست دولة عظمى أو كبرى أو حتى متوسطة، فهي ليست نفطية ولا تملك حقول غاز ودخل يؤهلها لكي تخطط كما الدول الكبرى والتي منحت تعويضات لجميع الفئات التي تضررت من الإجراءات الصحية لمواجهة الفايروس، حيث أن بعض الدول مثل أمريكا لم تكتفِ بتعويض المتضررين، بل صرفت 1200 دولار لجميع أفراد الشعب.

إيطاليا لم تستعد بشكل جدي لانتشار الفايروس ووصلت الأمور لوجود مصابين بالفايروس في الشوارع او الموت في بيوتهم، كانوا يحتاجون لعناية مركزة وأوكسجين ولا إمكانية لتوفير أسِرة لهم بسبب ازدياد عدد المصابين أضعاف أضعاف عدد الأسِرة في المشافي.

هناك دول نجحت في مواجهة الفايروس بقوة مثل كوريا الجنوبية في بداية انتشار الفايروس وكانت واحدة من أكثر بؤر الإصابة بالفيروس  تضرراً، حيث كان معدل الإصابة يصل إلى أكثر من 900 حالة يوميا، لكن إنخفض في غضون أسابيع إلى معدل إصابة واحدة أحيانا وبمعدل منخفض للغاية، ولم تكن كلمة السر عمليات الإغلاق، بل سُرعة الإجراءات وإلتزم الشعب.
طور الباحثون في كوريا الجنوبية نماذج إختبار مُحتملة قبل تأكيد الفيروس في بلادهم، إضافة إلى ذلك أقامت الحكومة الكورية نظام تتبع من خلال تطبيق الحجر الصحي الذاتي، والذي سمح للمصابين بمراقبة  وعزل أنفسهم أو تقوم الحكومة بعزلهم إذا لزم الأمر. أيضاً طُلب من أولئك الذين ثبتت إصابتهم بالفايروس مشاركة المعلومات حول أماكنهم الأخيرة، بمساعدة نظام تحديد المواقع «GPS»، ومعاملات بطاقات الائتمان، ومكنت هذه التفاصيل مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها من إصدار تنبيهات للجمهور حول أماكن التعرض المحتملة مع الحفاظ على هوية الأشخاص المصابين غير معروفة، بعد أسابيع من العُزلة الذاتية، تدفق السكان في كوريا الجنوبية إلى المقاهي والمطاعم المزدحمة والحدائق العامة، يرتدون أقنعة الوجه ويمارسون البُعد الإجتماعي ولكن لا تزال كوريا تغلق المدارس، والجامعات، ودور العبادة، وتمنع إقامة الحفلات الكبيرة، عدا ذلك فإن الحياة الطبيعية موجودة في الشوارع.

فلسطين كما قلنا ليست دولة لديها الامكانات المادية أو الصحية بالإضافة أنها دولة تحت الإحتلال، لا سيطرة على حدودها فإجراءاتها من إغلاقات كانت تتعرض لنكسة بسبب حركة العمال بين فلسطين ودولة الاحتلال.

قلنا أن فلسطين نجحت نسبيا في الحد من انتشار الفايروس لكنها لم تستطيع معالجة آثار الإغلاقات والحد من الفقر والخلل في قطاع الاقتصاد، حيث خرجت مسيرات في معظم المحافظات تطالب الحكومة بإنهاء حالة الإغلاقات بسبب إنهيار الحياة الاقتصادية، وعدم نجاح القائمين على صندوق وقفة عِز الذي من المفترض أنه يعالج الخلل لدى بعض القطاعات وخاصة العمال، حيث كانت التبرعات قليلة جداً وآليات التوزيع صعبة، تبِع ذلك الآن حجز إسرائيل أموال المقاصة وبهذا دخل 200 الف موظف حكومي مع عائلاتهم قائمة الفقراء الذين يحتاجون الإغاثة، وبهذا من الصعوبة العودة للإغلاق الشامل.

في ضوء المعطيات فإن أي من الخيارات أحلاهم مُر، إذا قررت الحكومة الإغلاق التام سيموت العديد بسبب الفقر وتنهار قطاعات اقتصادية كبيرة، وإذا تركت الأمور تحت بند مناعة القطيع فإن المتوقع زيادة عدد المصابين بحيث ينهار النظام الصحي ولا يستوعب عدد المصابين وسيكون لدى الأطباء خيارات أصعب (وهي تحديد من يموت )، اختيار من يدخل العناية المكثفة كبير السِن أم شاب مصاب أم طفل مصاب لإنقاذه بسبب عدم توفر الأسِرة، وخيار النموذج لكوريا الجنوبية يواجه بضُعف الإلتزام الشعبي للأسف.

خيارات الحكومة صعبة جداً كما أسلفنا، لكن خيارات الشعب بسيطة، فقط إلتزام بالكمامة والكفوف والتباعد وإستخدام المُعقِمات، فهل نفعلها ونساعد الحكومة بتكمِلة الإجراءات وفق النموذج الكوري أو غيره؟؟

بكل الأحوال ووِفقا لما هو متخذ من إجراءات في العالم، على الحكومة الإستمرار في إغلاق  المدارس، والجامعات، ودور العبادة، ومنع إقامة الحفلات الكبيرة وإغلاق صالات الأعراس وبالتأكيد إغلاق الحدود والتشديد على حركة العمال للداخل من خلال فحوصات ومراقبة وتوعية وحجر ذاتي أو عند الضرورة حجِر بقرار من وزارة الصحة في الأماكن والمستشفيات المعدة لذلك.

على الحكومة عمل إجراءات متوازنة بين الصحة والاقتصاد، إغلاق شامل صعب، لكن إغلاقات جزئية مؤقتة ضرورة لمحافظات وأماكن ومحلات ومطاعم، مراقبة وتشديد على إلزام الشارع بمتطلبات الوقاية، فعلينا أن نفهم جيداً أن الأمر يعتمد على أخلاقنا وقيمنا والتزامنا وليس أخلاق الفايروس، وعلينا تفهم الحالة أن مع هذا الفيروس خياراتنا صعبة ومحدودة.