صديقي ... وابن رشد في الخليل
باغتني صديقي العائد حين كنت أطلب كأسَ، كعادة مساء نهاية الأسبوع، بطلب كاسي شاي من النادل بصوتٍ عالٍ، وبدأ حديثه بسؤالٍ مباشرة "هل تعرف أشهر ميدان في مدينة الخليل؟" قلت ما أعرفه في مدينة الخليل المعلم الأهم "الحرم الابراهيمي"، وأعرف أيضاً أهلها الطيبين منهم التجار والعلماء والمثقفون وأهل خير كثير. بإيماءة غضب قال لي إنه ثاني أشهر الأماكن الدينية في فلسطين، لكنني أسأل عن مَعْلَمٍ حيوي في المدينة وهو دوار ابن رشد.
فأجبته بالإضافة إلى الميدان هناك مدرسة؛ ربما هي من أقدم المدارس في المدينة وأعرقها نشأت بداية الأربعينيات من القرن الماضي، وأضفت هي تسميات في العادة يطلقها أهل البلد وحاكميها تيمناً بأسماء سياسيين وفلاسفة ومثقفين وأهل الخير الذين يبنون هذه المدارس، أو حفظاً لسيرتهم ومكانتهم. فقاطعني أدرك ذلك، لكن تسمية ابن رشد لها دلالات ومعاني " أليس لكل شيء من اسمه نصيب"؛ فهو فيلسوف يطلق العنان لإعمال العقل في درجات التفكير لا يقبل فقط بالتحليل والتفسير بل ينطلق نحو التأويل "الدلالات والمعاني" في النص -قلت في نفسي لا أفهم مبتغاة لكنني سأتعقب حديثه لعله يشير لمعنى وأفهم دلالة حديثه أو ما يحيكه- وإعمال العقل يعني أيضاً القبول بالثنائية؛ الفكرة ونقيضها أو التأييد والمعارضة أي القبول بالآخر. ناهيك عن أن هذا الميدان مكانٌ للتعبير عن الرأي والاختلاف والرفض والاحتجاج وغيرها التي تشير الى الثنائية في المجتمع وفي الدولة.
وأضاف صديقي ألَمْ تسمع عن إنشاء لجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مدينة الخليل بعد عقد عدة اجتماعات في المدينة لبعض الشخصيات، قلت له سمعت فحرية الاجتماع والتجمع مكفولة بالقانون لا يحق لأحد أن يمسها، ولا يجوز لك أن تعارضها. أردف صديقي قائلاً اشاطرك الرأي في هذه الجزئية لكن ألَمْ ترَ أن إنشاء لجنة لفرض توجه محدد يخالف الحرية التي تتحدث عنها وتتمسك بها؟ أليس هذا يخالف فلسفة ابن رشد الناظرة لمعالم المدينة، وفي مؤسساتها التعليمية القائمة على العقل " فلا علم بدون عقل".
قلت لصديقي الفرق بين حرية التعبير بترجماتها ومسالكها وصورها من الكتابة إلى الرفض بالاحتجاج "وهي حق للمواطنين جميعاً بغض النظر عن التوجهات والميول والاعتقادات" وبين مخالفة ما رسمه القانون؛ كتحريض الموظفين بعدم تنفيذ القانون أو منع مواطنين حاصلين على إذن أو ترخيص من ممارسة مهنهم وعملهم، فمن حق المواطنين المطالبة بإلغاء القانون لكنهم لا يمتلكون حق خرقه أو منع تطبيقه. كما من حق الحكومة "التي وحدها تمتلك شرعية استخدام القوة" فرض القانون على الجميع دون تمييز.
وفيما هو ينهض من مكانه؛ قال إن الحكومة تخلت عن حقها أو وظيفتها في هذا الجانب، قلت له مال الحكومة والتنظيم الاجتماعي، أجاب بغضب ألَمْ نفوضها في العقد الاجتماعي بحماية حقوق المواطنين كافة، وتنفيذ القانون، وسلامة الحاصلين على التراخيص منها الملتزمين بتعليماتها. قلت بلى هذا صحيح، فأجاب مباشرة أن التدخلات التي نراها من قوى سياسية وعشائرية بتوجهات دينية محددة تحاول فرض أمر واقع بتحديد سلوك المجتمع وفقاً لأهوائها، وغير آبه بالتعدد والتنوع الذي يحميهما القانون الأساسي، وإعمال العقل لابن خلدون بمعالمه في مدينة الخليل، ونزع اختصاصات الحكومة وصلاحياتها. قلت في نفسي لم أفهم ما يريده صديقي العائد هدم معالم ابن رشد أم إعادة التفكير في مكانة الدولة، ودفع الحكومة للتدخل قبل الانهيار، أم التحريض لإعمال العقل والقبول بالتنوع والتعدد في المجتمع؛ فالمعنى في بطن الحوت كما يقال أو المراد في عقل صديقي العائد.
من أوروبا إلى الضفة.. رسالة مواطن يطالب بالحق والعدل
الأعضاء المستقلون في مجالس الإدارة: قيمة مضافة
تجويع وتعذيب الأسرى وقتلهم: سياسة وهدف من أهداف حرب الإبادة
الاستيطان الرعوي في الضفة الغربية: الوجه الأخطر للاحتلال وسيناريو التهجير المنظّم
ليس اجتهاداً بل خطيئة تستحق المحاسبة
الأرض محور الصراع نحو سياسة زراعية تحمي الوجود الفلسطيني وتواجه الاستيطان
وداعا 2025: ماذا تعلّم الفلسطينيون من عام غير مسبوق؟











