متى تنتهي الحرب؟
مقالات

متى تنتهي الحرب؟

قبل عامين، في مثل هذا اليوم، السابع من تشرين الأول/أكتوبر، بدت إسرائيل كأنها قد كُسرت ولو لساعات، في عملية حربية استباقية توقّع المبادرون لها أن تجرّ أو تورّط حلفاءها في إيران ولبنان، وفي الداخل والضفة الغربية، في انتفاضة وحرب تنهي الغطرسة الإسرائيلية في فلسطين والمنطقة.

بعد عامين، ما حصل أن إسرائيل هي التي بادرت إلى حرب ضد إيران، وشنّت حربًا واسعة ضد حزب الله، بل تمادت في عدوانيتها، وقصفت دمشق والدوحة وصنعاء، أي قصفت خمس عواصم في المنطقة، وتقول إن منطق القوة العسكرية هو الأساس، لا الحديث عن التطبيع ولا غيره؛ أي تقول لنا إنها ليست بيت عنكبوت، بل قلعة صليبية حصينة ويدها طُولى.

وإذ عزّزت إسرائيل مكانتها العسكرية إقليميًا بالممارسة الفعلية للقوة، وليس بالتهديد والردع فحسب، فإن السابع من أكتوبر وما تلاه من حرب مفتوحة على قطاع غزة يمثّل لحظة تاريخية من حيث التراجع الشديد في مكانة إسرائيل دوليًا، وخصوصًا في الرأي العام، وهو ما ستمتدّ تبعاته لسنوات مقبلة.

ورغم أنها عزّزت مكانتها إقليميًا وتحاول فرض هيمنتها العسكرية في المنطقة، فإنّ ذلك ليس سوى جولة من جولات مقبلة، فالحرب مع إيران لم تضع أوزارها، وكذلك في لبنان؛ إذ صرّح بنيامين نتنياهو، في احتفال برأس السنة العبرية عُقد في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي قبل نحو أسبوعين، بأن السنة المقبلة ستكون "سنة الحرب للقضاء على المحور الإيراني".

وتراجع مكانة إسرائيل الدولية، بالتوازي مع تعزيز نفوذها الإقليمي، ربما هو أحد الاعتبارات الرئيسية التي دفعت بدونالد ترامب للإعلان مؤخرًا عن خطته لوقف الحرب في غزة. فمن جهة، يحاول بذلك كسر العزلة التي تدخلها إسرائيل، كما ظهر في مؤتمر نيويورك للاعتراف بالدولة الفلسطينية ودعم حل الدولتين، إذ بدت إسرائيل في وضع غير مسبوق دوليًا، حتى من أكثر الدول الداعمة لها، مثل بريطانيا وفرنسا وغيرها. ومن جهة ثانية، فإن طرح الخطة وكأنها مدعومة من زعماء عرب وبمشاركتهم، يهدف إلى التخفيف من حرج هؤلاء الزعماء أمام شعوبهم، وقد بدوا عاجزين وفي قمة الضعف في ظل استمرار الإبادة في القطاع على مدار عامين، وفي ظل الممارسات العدوانية الإسرائيلية ضد عواصم عربية. ولهذا أيضًا، كرّر ترامب مؤخرًا مديحه لزعماء عرب ولأردوغان.

وفي الحقيقة، لم يُطْلع الزعماء العرب على الخطة التي أعلنها ترامب، فهي مختلفة عن تلك التي عرضها عليهم سابقًا في نيويورك وبدت لهم متوازنة. وحتى ملاحظاتهم وتعديلاتهم على الخطة المُعلنة، فلم تؤخذ بعين الاعتبار عمومًا. رغم ذلك، باركوا جهود ترامب وينخرطون حاليًا في جهود الوساطة لوقف الحرب.

الخطة، عمليًا، هي شروط إسرائيلية طُرحت كمبادرة أميركية بموافقة عربية، وقد تماشوا معها؛ فمن يجرؤ على إغضاب ترامب ورفض مبادراته، وإن كانت سطحية؟ فويلٌ من العقاب، ستنهار عليه حمم الكلام والتصريحات.

في المقابل، ردّت حركة حماس برد غير مألوف، يُجنّب غزة "جهنم ترامب"، ولا يُورّطها بقبول الشروط الإسرائيلية للاستسلام كما وردت في الخطة. بل تعتبر حماس أن ملف الأسرى الإسرائيليين بات حملًا ثقيلًا عليها وعلى غزة، ويُستخدم كمبرّر لاستمرار الحرب وتصعيدها، فقبلت المرحلة الأولى من الخطة: إطلاق الأسرى ووقف الحرب، والتفاوض على المرحلة الثانية. فالمُعتقد السائد بأن الأسرى الإسرائيليين هم أداة المساومة الأخيرة في يد حماس لوقف الحرب، لكن في الحقيقة أن ما يهمّ الحركة والمقاومة عمومًا في غزة هو مسألة تسليم السلاح. فتسليم السلاح في ظل بقاء الجيش الإسرائيلي في مناطق واسعة من غزة يعني الاستسلام. وإذا كان السؤال هو: من يضمن عدم تجدد الحرب بعد تسلّم إسرائيل أسراها؟ فهو يسري أيضًا على سؤال: ما الضمانات لعدم استمرار الحرب واحتلال كل القطاع إذا سلّمت المقاومة سلاحها؟

لذا، فإن موضوع السلاح والانسحاب الإسرائيلي من القطاع أو إعادة تموضعه على حدوده، سيبقى هو المسألة الأكثر تعقيدًا في المرحلة المقبلة.

وعودة إلى السؤال: متى تنتهي الحرب؟ وهل تتجدد بعد إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين؟

قبل الإجابة، يجب التأكيد على أن نتنياهو يريد ويُصرّ على بقاء السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة، أي استمرار الحرب، ويرفض وجود قوات دولية أو عربية، وهذا موقف مبدئي، باعتبار أن غزة أرض إسرائيلية أو جزء من "أرض إسرائيل". كما يرى أن الحرب تمثل فرصة تاريخية لتحقيق كل مخططاته، سواء في غزة أو الضفة الغربية أو المنطقة، رغم خطر العزلة الدولية. ويُصرّ كذلك على نزع سلاح المقاومة في غزة.

إزاء هذه المعطيات الواضحة، فإن الموافقة على المرحلة الأولى، أي إطلاق سراح الأسرى، تُعدّ "مخاطرة محسوبة". فمن جهة، تسليم الأسرى الإسرائيليين ينتزع من نتنياهو الذريعة المزعومة لاستمرار الحرب. ومن جهة ثانية، فإن وقف الحرب، ولو مؤقتًا، قد يُتيح ضغوطًا دولية وعربية حقيقية هذه المرة لعدم تجددها، فالذريعة قد انعدمت.

الأيام القليلة المقبلة حرجة بما يتعلّق بمفاوضات وقف إطلاق النار، وقد يُفشلها نتنياهو بإصراره على رفض إطلاق سراح أسرى فلسطينيين مثل مروان البرغوثي، وبتمسكه بمطلب تسليم المقاومة لسلاحها، وبإلزامها بقبول كل بنود خطة ترامب الإسرائيلية كما هي: إما تسليم السلاح أو الحرب.

لكن في المقابل، هذه المفاوضات هي الأقرب إلى إمكانية تحقّق وقف الحرب، حتى لو حاول نتنياهو تجديدها بعد إطلاق الأسرى الإسرائيليين، إن حدث، فيظلّ التعويل قائمًا على الضغط الدولي والرأي العام العالمي لإنهائها نهائيًا.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.