
لماذا لا نقرأ لبعضنا البعض؟
في نقاش ليلي فيسبوكي طويل وحزين، باح لي روائي عربي معروف، بقلقه واستغرابه من عدم تفاعل أصحابه ومعارفه الروائيين والشعراء والقاصين مع روايته الجديدة التي أصدرها بعد عشرة دواوين من الشعر، وبعد أن قلت له: إن هذا طبيعي جداً، وربما معهم حق، فهم يخافون من أي تجربة تصدر، أن تتفوق على تجاربهم، وإذا قرؤوها فهم يقرؤونها بعين المراقب المترصد القلق من إبداعها، وكتب: «المفاجأة يا صديقي أن لي شلة أدباء أجلس معهم أسبوعياً، وهم أصدقائي منذ زمن طويل، أحدهم حاول أن يبدع أدباً ففشل وذهب إلى حقل معرفي آخر وحلّق فيه، كان هؤلاء يسألونني عن الرواية أثناء كتابتها، وكانوا متحمسين، وحين صدرت لم يطلبوها ولم يذكروها على ألسنتهم رغم أننا نتحدث معظم الوقت عن الرواية العربية وأزماتها، ولديّ صديق شاعر يعمل إعلامياً، هذا الصديق يواظب كل يوم على إغداقي بنصوصه ويطلب رأيي، ولم يسألني عن روايتي أبداً رغم أنني نشرت على صفحتي مقالات نقدية عنها، ووضعت له (تاغ) إشارة، ونشرت غلافها على (الستوري) لأكثر من مرة، وأكثر من ذلك، هل تعرف أن لديّ صديقاً قاصاً يعمل في مؤسسة قرب بيتي تماماً، وكل صباح يلقي عليّ التحية المتحمسة وهو يهبط من سيارته، ثم يقف ويطلق تجاهي صاروخاً: (إمبارح كتبت قصة جديدة بدي رأيك فيها، بس إيش بتجنن) هل تعرف أن هذا القاص لم يسألني عن روايتي، ولم يبد رغبة في قراءتها، ولم يذكرها على لسانه أثناء وقوفنا أمام بيتي ومؤسسته».
أرسلت لصديقي أسأله: لماذا لا تحرجهم وتهديهم روايتك، وتسألهم عن رأيهم فيها؟ وبهذا ترتاح؟
أرسل لي: «أخجل يا صديقي أن أعرض روايتي على الآخرين، لن أرتاح لو فعلت مثلهم، سأشعر أني أتوسل آراءهم، المهتم هو الذي يسأل، ويبحث، إذا كانوا بالفعل حريصين على متابعتي، فهم الذين عليهم طلب الرواية. وهكذا أشعر أني محترم وكبريائي محفوظ».
أرسلت له: لا تشغل بالك كثيراً، روايتك جميلة ومختلفة ومؤثرة وذات فكرة جديدة، والعمل الجيد سيحصد ثماره يوماً ما، وقد استمتعت بقراءة عملك أنا وطلابي، صدقني سيبقى خالداً وملهماً، وفي كل مكان، سيتحدثون عنها في الصحف والإذاعات، والجامعات، أما أولئك الأدباء الذين يتجاهلونها، عليك أن تعذرهم، فهم فقط يشعرون بالخوف من كل فعل إبداعي. والغريب، وهذا ما لا أفهمه، أن الخائفين قادمون من أجناس أدبية، عملك الجديد بعيد عنها، كالقصة والشعر والنقد والمسرح، أفهم أن يخاف منك روائي، لكن أن يخاف قاص أو ناقد أو مسرحي أو سينمائي فهذا عجيب والله. أريد أخبرك عن تجربتي في التجاهل، أصدرت قبل أشهر لأول مرة رواية قصيرة، بعد 11 كتاباً قصصياً، أقسم لك بأن كاتباً أو اثنين من سألني عنها، وطلب قراءتها، أما الباقون وهم كثر فهم من القراء، وصلتني عشرات الرسائل تسأل: هل يباع الكتاب في تونس؟ هل هو موجود في الجزائر؟ الخ... وهكذا، وكنت أرسل لهم الرواية (بي دي دف).
أرسل لي: نعم، نعم، القراء أصدق وأكثر براءة، لا يخافون لأنهم لا مشروع كتابة لديهم يقارنونه مع كتابات آخرين. هم متحررون من التوتر القادم من شراسة التنافس وهاجس التفوق. وهم يقرؤون بصدق، إن أعجبهم العمل أو لم يعجبهم، يكتبون بالضبط ما يحسّون، لا يجاملون مثل الأدباء، ولا يخفون دهشتهم الحقيقية مثلهم.
أرسلت له: أريد أن أسالك سؤالاً صريحاً؟ هل تبحث أنت عن روايات زملائك وأصدقائك السوريين؟ هل تطلبها منهم؟ أعطني اسم روائي طلبت منه روايته وقرأتها وكنت صادقاً في تقييمها.
لم يجب الصديق، رغم أنه قرأ الرسالة، كتبت له تصبح على خير ولم يقل لي أنت من أهله. وقبل أن أسقط في النوم سقط فوق رأسي السؤال كصخرة: وماذا عنك يا زياد؟ متى آخر مرة طلبت أو اشتريت رواية لكاتب فلسطيني لتقرأها وتستمتع بها لا لترصد ضعفها وتقارنها بأعمالك؟
لم أجب.
ولم أقل لي: تصبح على خير. ولم أرد: وأنت من أهله.

فـي ذكــرى مــرور سنـتـين

أصوات من الهامش آخذة بالاتساع

العالم ينتفض ويتحرك إلا النظام السياسي الفلسطيني!

متى تنتهي الحرب؟

غزة والضفة على مفترق اقتصادي حاسم: هل يُتوَّج وقف الحرب بتكامل وطني أم يُكرَّس انقسام مالي...

اللحظة الفلسطينية الحاسمة: ضمان وقف الإبادة نحو الدولة المستقلة

رد ذكي ومسؤول... ما السيناريوهات المطروحة؟
