هناك ما هو أخطر من أزمة الرواتب!
مقالات

هناك ما هو أخطر من أزمة الرواتب!

هل قرر سموتريتش تفجير الأوضاع في الضفة قبيل استحقاق الاعتراف بالدولة في النصف الثاني من الشهر المقبل؟.. الآن، لم يعد احتجاز أموال المقاصة بالكامل، وعجز الحكومة الفلسطينية عن دفع رواتب موظفيها، والوفاء بالتزاماتها تجاه المتعاقدين "أزمة مالية" لغرض الابتزاز السياسي كالعادة، هي اليوم عملية تجويع صامتة بطيئة ولكنها متدحرجة، باختصار: حكومة اليمين الإسرائيلي تُشهر حربًا اقتصادية شاملة على الضفة إلى جانب حروبها الأخرى.  

محاولات الحكومة لتأمين الدفعة المعتادة من الراتب تصطدم بانعدام الخيارات والإمكانات مع استمرار الحجب التام للمقاصة، وغياب الدعم العربي والدولي، وتدهور الجباية المحلية، ومعطيات اليوم تعني صرف ثلث راتب قريبًا أكثر أو أقل، ما لم تطرأ تطورات جديدة. هذه النسبة ستكون صادمة للموظف وللسوق أيضا عشية افتتاح العام الدراسي الجديد، ومع ذلك، هذه ليست الأزمة الوحيدة التي تهدف إسرائيل من ورائها لمضاعفة الخطر الوجودي على الشعب الفلسطيني. 

مع القيود المفروضة على شحن عملة الشيقل إلى إسرائيل، تقترب أرصدة البنوك الفلسطينية لدى البنوك المراسلة الإسرائيلية من الصفر، وهذا هو المسار الآخر لضرب مقومات الصمود في الضفة بخلق عوائق جدية أمام تدفق السلع والخدمات التي لا يمكن شراؤها إلا بالحوالات البنكية الرقمية، والحوالات الرقمية تتطلب تغذية مستمرة للأرصدة من العملة المتراكمة في خزنات البنوك الفلسطينية خصوصًا مع الحجب التام لأموال المقاصة. علما أن هذه الأموال (مليار شيكل شهريا) كانت تصل إلى حسابات البنوك الفلسطينية في إسرائيل رقميا، وكانت تخلق حالة من التوازن تحد من أزمة الشيقل المتراكم. 

ومع ضعف أو غياب الضغوط الدولية على إسرائيل، قد نكون على بعد أيام أو أسابيع قليلة من احتمال حدوث نقص حاد في الإمدادات الحيوية إلى الضفة على رأسها الوقود، وبالتالي يصبحُ احتجازُ كل أموال المقاصة ومنعُ شحنِ عملة الشيقل المتراكمة في البنوك الفلسطينية هما الورقة الأقوى لشل الاقتصاد الفلسطيني كليًّا، دون الحاجة لإلغاء العلاقة المصرفية مع البنوك المراسلة. 

عدم صرف الرواتب يخلق واقعًا مؤلمًا يدفع فيه الموظف البسيط القسط الأكبر من المعاناة، لكن منع تدفق السلع الأساسية إلى السوق سيخلق بكل تأكيد واقعًا أشد إيلامًا، إنه وصفة لجعل حياة الفلسطيني في الضفة بدائية، وهذا ليس تهويلا، إنه خطر حقيقي في حال استمرار التعنت الإسرائيلي، والهدف المعلن هو خلق بيئة طاردة تدفع بتهجير الشعب الفلسطيني كما يحلم اليمين الإسرائيلي. 


يبدو أن إسرائيل تسابق الزمن لتدفع بالوضع في الضفة إلى الانفجار، قبيل استحقاق الاعتراف بالدولة الفلسطينية الشهر المقبل، ولما كان "القوي عايب"، ولا يوجد من يردعه، فهي قادرة على إيصال الوضع إلى نقطة الانفجار، وعليه، ستكون أي محاولة ترقيعية لتوفير السيولة وزيادة نسبة صرف الراتب غير مجدية، بل ستزيد من التبعات والمخاطر في حال كان قدرنا أن تنفجر الأوضاع رغما عنا.

واقع كهذا يتطلب مصارحة المواطنين عن حقيقة ما يُحاك من مخططات تستهدف وجودهم ومقدراتهم، ويتطلب أكبر قدر من الشراكة المجتمعية، وإطلاق حوار اقتصادي تكون مخرجاته مُلزمة لإدارة القليل المتاح بما يخدم الصمود والبقاء في هذه المرحلة، وليس هناك أي أولوية أخرى.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.