إلى متى يا خير أمة اخرجت للناس؟
مقالات

إلى متى يا خير أمة اخرجت للناس؟

صدى نيوز -في الوقت الذي بات فيه الحديث عما يسمى " اسرائيل الكبرى " متداولا بشكل اكثر وضوحا على ألسنة ساسة الدولة العبرية وعامتها ، إلتئمت منظمة التعاون الاسلامي مطلع الاسبوع الجاري في جدة بالسعودية ، والتي تمثل اكثر من مليار عربي ومسلم ، على مستوى وزراء الخارجية ، واصدرت بيانا " شديد اللهجة " اشبه ما يكون كالمثل الشائع " تمخض الجبل فولد فأرا " ، تستجدي فيها هيئة الامم المتحدة تعليق عضوية دولة الاحتلال ، في تجاهل واضح بان هذه الهيئة الأممية تسيطر عليها القوة الكبرى في العالم ، وهي الولايات المتحدة الامريكية ، الحليف الاساسي لدولة الاحتلال الاسرائيلي وشريكه في جرائم القتل والتدمير والتشريد والتهجير والابادة الجماعية التي تُرتكب بحق أبناء الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس العربية . 

ومن منطلق الشفافية في النقل ، لم يخلُ البيان من عبارات الادانة والاستنكار والتحذير والتشدق بالقضية الفلسطينية كقضية مركزية للامة الاسلامية ، والحث على ضرورة دعم الشعب الفلسطيني ، ولكن وكما جرت العادة دون التطرق الى آليات عملية على ارض الواقع ، وحتى دون استراتيجية وخطة تقود الى نهضة اسلامية تتصدى للاطماع الصهيونية . 

 فمتى ستتستيقظوا من غفلتكم يا خير أمة اخرجت للناس ، وتعودوا الى رشدكم وتنتصروا لاشقائكم وتنقذوا اوطانكم ؟ ماذا انتم فاعلون وعدوكم اعلنها جهارا نهارا ، بانه يستهدفكم وطامع بارضكم وخيراتكم ومقدراتكم !! خطط سرا ونحج بمحطات عديدة ويكاد يستنزفكم ويقضي على ما تبقى منكم !! وانتم في سبات وتتهافتون على الصلح والتطبيع ، والسرطان ينهش اجسادكم ، ويسعى بكل قوته للاجهاز عليكم  !! يرقص على اوجاعكم وآلامكم ويزرع الهزيمة المعنوية والمادية في قلوبكم ، ويعكر صفو اجوائكم ، ويغذي فتيل الفتنة في ميادينكم ، ويحصر تفكير رعاياكم بالبحث فقط على استمرارية البقاء !!  

ربيع اجتاح ربوع الارض العربية والاسلامية تحت عنوان نشر الديموقراطية ومحاربة التخلف ، ربيع كان من المفترض ان تنمو فيه اشجار الحرية والانعتاق من الدكتاتورية ، ولكن سرعان ما اصبح خريفا قارصا تلون بالاحمر من شدة القتل والتدمير والتشريد والتجويع .. افغانستان الغنية بتراثها الثقافي ، تكالبت عليها الدول طامعة بخيراتها ، وانسحبت تجر ذيول الهزيمة ، لكن تركت خلفها ارضا محروقة ، تونس الخضراء جفت تربتها وماتت اشجارها !! مصر أم الدنيا حُيدت وكُبلت بالسلاسل ونُزعت عنها الامومة العربية !! السودان قتلوا خصوبته التي تكفي الامة !! ليبيا المختار سُحقت ونُهبت !! سوريا العروبة مُزقت بين سنة وشيعة وعلويين وكُرد !! اليمن السعيد نُزعت منه السعادة وتكالب عليه الاشقاء والاعداء وتمزق الى اشلاء  !! عراق العز والمجد والحضارة ، سُلبت من احشائه شرائع حمورابي اساس العدل والنظام ، وبات مسرحا للفتنة والصراعات !! اما درة العالمين العربي والاسلامي ، فلسطين فقد استئصلت من كبدكم واصبحت بؤرة للانتشار السرطاني في جسدكم  يغذيه الطامعون ، وطُمست معجزات الانبياء فيها !! لكنها ما زالت تصارع لاجل البقاء وتقارع من يحاول انتزاعها من كنف عائلتها الممتدة من المحيط الى الخليج ، فماذا تنتظروا وطوق العار يلتف حول اعناقكم ، ولا زلتم تغطون في سبات عميق ؟ وتستجدون الشفقة من عدو يتربص بكم ويكيدُ لكم !! 

فلسطين الحصن الاخير الذي ما زال منيعا حتى اللحظة أمام اطماع الطامعين بكم ، ما يجري في غزة على وجه الخصوص ، وارجاء فلسطين على وجه العموم بات معجزة العصر الحديث ، صمود اسطوري رغم الخسائر الفادحة ، وحرب ابادة يتعرض لها الغزيين ، وحرب تجويع يمارسها الاحتلال الصهيوني الطامع ، غزة هي جرس الانذار للامة لتستفيق من غفلتها وتحافظ على ارث الاباء والاجداد من تاريخ وامجاد . 

تمعنوا جيدا فيما يجري في غزة : أبناؤها يقتلون في مهاجعهم بالخيام وهم نيام !! رجالها يقتلون وهم يصارعون للحصول على كمية طحين يسدون فيها افواه الجياع !! نساؤها يذبحون لاجل كم بسيط من المياه يروون فيها عطشهم !! شيوخها يقتلون وهم لله ركع سجود !! خُدج تنتهي حياتهم قبل التقاط الانفاس الاولى من دنياهم !! ناقلوا الحقيقة تُفقىء عيونهم لحجبها !! رواة الواقع المؤلم تقطع السنتهم قبل النطق باستغاثة تخفف من العذاب المحيط بهم من كل جانب !! 
في غزة ، اناس يقتلون بدم بارد ، وغالبا لا يجدون من يواريهم الثرى ، وآخرين ينتظرون الموت باي لحظة وسط عالم بات اصما !! لا جُرم لهم الا انهم ينشدون الحرية وقرعوا ابواب العدل دون استئذان ، لكنهم وجدوها مؤصدة ، فلم يبق لهم ليستغيثوا سوى السماء التي لم تكف عن إمطارهم بالقذائف الحارقة !! 

وفي الضفة ، يُقتلع زيتونها من الجذور لطمس اي دالة على روح السلام المنشود !! تُهدم المخيمات على رؤوس ساكنيها لقتل الشاهد على معاناة مستمرة منذ اكثر ما يزيد عن سبعة عقود !! 

وفي القدس يُدنس المسرى الذي بات قاب قوسين او ادنى - ولا قدر الله - ، سيكون الهيكل المزعوم !! شوارعها التي تعج بالامجاد العربية باتت مغطاة باللون الازرق !! 

في فلسطين يا خير أمة ، يُكتب التاريخ بحبر من دم ودمع ، وانتم ما زلتم مُغيبون تغطون بالسبات ، ومنكم  يبكي بالاهازيج والاغاني !! زرعوا في عقولكم الارهاب الفكري من خلال ترهيبكم باعداء وهميين او بممارسة العنجهية والغطرسة معكم ، ووأد اي محاولة للافلات من وحشيتهم ، فكان لا بد القضاء على اي فكرة للتحرر، افلتوا الشياطين على الثورات القومية ، والافكار الجهادية الاسلامية ، التي نهضت لتحرير البلاد بعد الاستعمار الذي خضعت له في اعقاب الحرب العالمية الثانية ، وزرعوا وكلاء لهم لاجهاض افكارهم ، ووضعوهم امام بعض ، لإبعادهم عن الهدف السامي الذي يسعون اليه وهو الانعتاق من العبودية المفروضة عليهم !! 

فلسطين قلب الامة النابض ، اجهضوا ثوراتها بمكائد سهلت احتلالها فيما بعد ، وتُركت قيادتها كالحاج امين الحسيني والشهيد عبد القادر الحسيني وحيدين في مقارعة العصابات الصهيونية ، خلال عقد الثلاثينيات من القرن الماضي ، وكيدت المؤامرات على الثورة الفلسطينية المعاصرة ، التي اعادت للامة كرامتها في معركة الكرامة ، بعد هزائم متعددة ، وما ان رفعت غزة راية الحرية ، الا وتحالف ضدها القريب والغريب لوأد اي دواء أُعد لاستئصال ، او كحد ادنى وقف انتشارالسرطان الخبيث في الجسد العربي والاسلامي ، ولكن تُركت غزة هي الاخرى وحيدة تصارع بما اوتيت من قوة ورباط الخيل ، تستنزف قوة من اعتى القوى العالمية ، وكادت تنجح لولا الخذلان المُعتاد من شرايين سامة زرعها العدو في جسد الامة . 

النهضة العربية والاسلامية تاتي من فلسطين ، ونجاح ثورتها يُخرج الامة من ازمتها ، وتكتمل فيما بعد بالاستفاقة من الغفلة وتغيير النهج وذلك من خلال تكامل عربي اسلامي مشترك وموحد ، والسير نحو انهاء المعاناة واغتصاب الارض العربية . فاستفيقوا يا خير أمة أخرجت للناس .

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.