
سورية مهدّدة بما هو أخطر من التقسيم!
خاض نظام الأسد البائد حربًا على شعبه قرّرها هو منذ عام ٢٠١١، وصمد فيها أكثر من عشر سنوات، ليسقط في عشرة أيام، وفي الوقت الذي لم يعُد فيه أحدٌ يتوقّع سقوط الأسد... انفعل السوريون فرحًا في كانون الأول/ديسمبر الماضي، لأنّهم عرفوا ممّن تحرّروا، أكثر من معرفتهم بمَن حرّرهم. كان هذا كفيلًا بأن يمنح معظم السوريين داخل سورية وخارجها الشرع ونظامه الجديد في دمشق ثقتهم له ومخاوفهم منه معًا.
لقد ورث الشرع عن الأسد دولة لم تعد موجودة أساسًا، فالدولة التي صنعها الأسد الأب بمركزيّة وحدة ترابها ودورها كفاعل إقليمي، تفكّكت وتلاشت منذ سنوات، في ظلّ الثورة على الأسد الابن ثمّ الاحتراب الأهلي، الذي جعل من سورية ساحة تصفية حسابات إقليمية ودولية خلال السنوات الأخيرة. ومثلما كشفت تلك السنوات عن هشاشة نظام الأسد الابن، الذي لم ير إلا في القبضة الأمنية حلًّا لبقائه، وقد ثبت العكس تمامًا، فإنّ شهور ما بعد الأسد في ظلّ نظام الشرع كشفت بدورها أيضًا عن هشاشة منطق الدولة بالمعنى الوطني لفكرتها لدى نظام الشرع وحواضنه الداعمة له من السوريين.
منذ سقوط نظام عائلة الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي، وهاجس تقسيم سورية يلوح في أفق المنطقة على اعتبارين: تفكّك المجتمع السوري وتشرذمه في العقد الأخير على مسطرة طائفية وإثنية - مناطقية أوّلًا. وثانيًا: ضبابية مستقبل سورية في ظلّ مجهولية وجهة نظام دمشق الجديد وهويته السياسية. هذا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ سورية، في حال واقعها، تتوسّط بلدين تنخرهما طائفية مُؤَسَّسة بنُظُم سياسية منذ عقود، هما: لبنان والعراق. لا بل في هذين الأخيرين قوى كان لها دور كبير في تطييف خريطة سورية السياسية بعد تدخلها سياسيًا وعسكريًا خلال صراع السنوات الماضية لصالح نظام الأسد فيها. إضافةً إلى إسرائيل، دولة الاحتلال وأكثر من يحمل لسورية نوايا كولونيالية، منها خيار تقسيمها.
في آذار/مارس الماضي، اندلعت ما عُرف بأحداث الساحل السوري، الذي يتكثّف في جغرافيته معظم أبناء الطائفة العلوية المحسوبة على النظام السابق، وقد أسفرت الأحداث عن مئات الضحايا من العلويين، الذين بدا التفاعل أو لنقل التعاطف معهم أقلّ، حيث وقف الإعلام العربي الرسمي بمعظمه خلف رواية نظام دمشق التي تقول إنّ فلولًا للنظام البائد وقفت وراء الأحداث في الساحل.
غير أنّ أحداث السويداء الشهر الماضي، بيّنت عن حجم غائلة الطائفية في سورية وفئوية نظام دمشق الحاكم فيها، من ناحية الشعارات والممارسات التي ترتّبت عليها بحقّ دروز السويداء الذين لم يكونوا في صفّ نظام الأسد ضدّ الثورة عليه على الأقل، لا بل كانت السويداء ملاذًا لكثير من حواضن الثوار على نظام الأسد في درعا مثلًا. وأكثر من ذلك، كانت السويداء من بعثت بروح الثورة السورية بنسختها السلميّة الأصليّة طوال العام الماضي – عام سقوط نظام الأسد – عبر حراك ساحة الكرامة فيها ضدّ نظام الأسد، بعد أن خبت جذوة الثوّار السوريين في السنوات الأخيرة.
كان أخطر ما أسفرت عنه أحداث السويداء، تدخّل إسرائيل السافر بقصفها دمشق العاصمة، ثمّ تمكين التيار الانفصالي في السويداء بزعامة حكمت الهجري على حساب التيار الوحدوي بقيادة ليث البلعوس فيها، إلى حدّ المجاهرة بالانفصال ورفع علم إسرائيل علنًا في ساحات وشوارع السويداء المدينة مؤخرًا. ممّا يؤكّد فشل نظام دمشق بقيادة الشرع ليس في امتحان السويداء فحسب، إنّما في سؤال بناء سورية وإمكانها دولة وطنية لجميع مكوّناتها.
وهذا للقول، ليس التقسيم ما يتهدّد سورية كما يمكن لراهنيّة المرحلة السورية أن تُحيلنا للوهلة الأولى، لأنّ تقسيم سورية إلى كيانات مستقلّة على اعتبارات جهوية - طائفية استحالة، وهذا ما أثبتته التجربة الاستعمارية، منذ أن سعت فرنسا إلى تقسيم سورية إلى كيانات طائفية وجهوية مستقلة في عشرينيات القرن الماضي.
حين أنشأ الفرنسيون ما عُرف بالدولة العلوية في الساحل والدولة الدرزية في الجنوب مطلع عشرينيات القرن العشرين، كان الفرنسيون هم أنفسهم من تراجعوا عن فكرة دولة علوية مستقلّة مثلًا، ليس لأنّ كلّ العلويين لم يرحّبوا بالانفصال بدويلة مستقلة عن سورية الأم، بل لأنّ الفرنسيين وجدوا دولة علوية يقوم على شؤونها الإدارية تحت سلطة الإدارة الاستعمارية غير علويين، مسلمين سنّة ومسيحيين من أبناء الطبقة المدينية في اللاذقية وطرطوس الساحليتين في حينه.
ما يعني أنّ السوريين، على اختلاف طوائفهم ومرجعياتهم الاجتماعية، كانوا وما زالوا متداخلين جغرافيًا أكثر ممّا تبديه لنا التصدّعات الطائفية السياسية بينهم. وحتى السويداء، التي تعالت فيها مؤخرًا نبرة انفصالية بكيانية مستقلّة عن سلطة دمشق، فليست السويداء وجبل العرب عمومًا درزيين بالكامل، ولا هوية الجنوب السوري هي كذلك بالتأكيد. وإذا ما أخذنا شرق الفرات تحت سيطرة "قسد" (قوات سورية الديمقراطية)، وهي الحالة الأكثر جدية من ناحية سؤال إمكان مقوّمات انفصالها بكيانية مستقلّة عن دمشق، فإنّ التداخل العربي - الكردي على المستويين الجغرافي والاجتماعي متشابك للحدّ الذي يصعب معه تخيّل كيانية سياسية مستقلّة ذات طابع إثني متّصل بالأكراد مثلًا.
هذا، إلّا إذا كنا نقصد بتقسيم سورية ما تشهده حاليًا من حالة تصدّع مجتمعي وتفكّك مناطقي - جغرافي، والتي تفاقمت في الأشهر الأخيرة أكثر ممّا سبق. ليس ما بات يُطلق عليها "الأقليات" في سورية مكوّنات متجانسة فيها أصلًا، لا سياسيًا ولا اجتماعيًا ولا جغرافيًا. فما بالك بالنسبة للسنّة الذين يستحيل تطييفهم في سورية تحديدًا.
إنّ أخطر ما يتهدّد سورية، مزيدٌ من التفكّك والاحتراب الأهلي، لن يقودا إلى تقسيم سورية، بقدر ما سيكونان دعوة للتدخّل الخارجي لا يُستبعد فيها اجتياح سورية عسكريًا من قبل قوى إقليمية، هي موجودة ومتوغّلة في الأراضي السورية أصلًا: تركيا في الشمال، وإسرائيل في الجنوب... والأخطر على سورية، هو هذه الأخيرة تحديدًا، مع تفاقم أزمة السويداء التي باتت تتّسع فيها قاعدة انفصالييها عن دمشق. ولا يجب الاستهانة بسيناريو يقوم فيه جيش الاحتلال بغزو الجنوب السوري بعملية عسكرية برية شاملة تصل إلى جبل العرب، لزرع علم أزرق مرفوع فيه أصلًا.

نقطة ضوء.. قريبا جدا " فلسطين كانتون”

النظام الحزبي الصيني: ابتكار سياسي يقود النهضة ويصنع الفارق

بخصوص الرواتب والأزمة المالية وبدء الموسم الدراسي ..ما هو المرجح؟

عندما يهرب نتنياهو من الحقيقة الفلسطينية

هل باستطاعة العرب مواجهة مشروع "إسرائيل الكبرى"!

أي "حلّ دولتين" كان مقبولًا على "عملية أوسلو"؟

نزيف العقول الفلسطيني: كيف نحول الهجرة من خسارة إلى فرصة اقتصادية؟
