
سيادة الرئيس.. الفرصة أمامك لدخول التاريخ من أوسع أبوابه
معلومات رشحت من أكناف الرئيس محمود عباس ، عن مشاورات يُجريها حول نوايا بإعلان السلطة الفلسطينية، دولة من جانب واحد، وذلك بالتزامن مع انعقاد اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول القادم.
الرئيس أبو مازن الذي يقف على أبواب العقد التاسع من عمره، هو آخر القادة التاريخيين للثورة الفلسطينية ، قدم نفسه كرجل سلام، وبذل مساعي حثيثة وما زال لاثبات ذلك، وكان واضحا منذ توليه رئاسة السلطة الفلسطينية، وراهن على ذلك كثيرا الى درجة الاصطدام بالمزاج الشعبي الغاضب من ممارسات سلطات الاحتلال المنافية لكل رؤى السلام، والمعارض لسياساته، ما أثر على شعبيته التي تراجعت بشكل كبير، واشتهر بعناده وتمترسه برأيه وسياسته، دون التفريط حتى اللحظة بالثوابت الوطنية وأسس عملية السلام التي انطلقت منذ مدريد عام 1991، وصولا الى اتفاق اعلان المبادىء في اوسلو عام 1993 وقيام السلطة الفلسطينية، وما تلاه من اتفاقيات موسعة كان يأمل حقا ان تؤدي الى قيام دولة فلسطينية مستقلة، الا ان التفاؤل يغلب عليه هذه المرة بإمكانية قيام الدولة الفلسطينية المستقلة في غضون ثلاث الى خمس سنوات، وذلك في ظل موجة النوايا الدولية للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفي خضم موجة الغضب والسخط العالمي من الممارسات الإسرائيلية الوحشية بحق أبناء الشعب الفلسطيني عامة، وأهلنا في قطاع غزة على وجه الخصوص ، والذين يواجهون حرب تجويع وابادة جماعية .
وهنا يتبادر الى الاذهان تساؤلات يتبادلها الفلسطينيون والكثير من المهتمين من الأصدقاء والاعداء، بالشأن الفلسطيني في أرجاء المعمورة: ما هو شكل الدولة الفلسطينية، وحدودها؟ وهل حقا بات هناك إمكانية لقيامها في ظل التعنت الإسرائيلي المدعوم أمريكيا، خاصة بعد ان اعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو انه يؤدي مهمة تاريخية وروحانية تتمثل في إقامة ما اسماه " إسرائيل الكبرى " والتي تضم إضافة الى فلسطين ، الأردن وسوريا ولبنان ومصر ؟
في عودة الى القرن الماضي ، ومع بداية الانتداب البريطاني على فلسطين التاريخية ، والذي بموجب القانون الدولي، فإن من مسؤوليات سلطات الانتداب تهيئة السكان لإنشاء دولتهم، وبالفعل قامت سلطات الانتداب البريطاني، - وربما كانت شكلا من اشكال الخداع والالتفاف على القانون الدولي، التي اشتهر بها الانجليز – اظهار بعض من ملامح الدولة الفلسطينية، كإصدار عملة فلسطينية (الجنيه) وجنسية فلسطينية بين العامين 1922 و1925، والذي من وجهة نظر قانونيين ان بند الجنسية وحده ، يؤسس الاللبنة الأساسية لاستقلال الدولة ، وهو ما جرى بالفعل من منح الجنسية الفلسطينية لأغلبية السكان العرب، والأقلية اليهودية في حينه، الذين ظلوا محتفظين بجنسيتهم الفلسطينية حتى صدور ما يُسمى قانون الجنسية الإسرائيلية عام 1952، والتي كانت قد تبنته الحركة الصهيونية ، واستدرجت حكومة الانتداب البريطاني ودفعتها الى مخالفة قانون الانتداب الذي يفرضه عليها القانون الدولي، لتهويد فلسطين جغرافيا وديموغرافيا وطبغرافيا.
ما يعني أن ملامح الدولة الفلسطينية موجودة منذ عهد الانتداب البريطاني ، بصرف النظر ان كانت عن قصد او غير قصد، لكن ما قام به الانتداب يُعد ثغرة قانونية يُمكن للدولة الفلسطينية المُعترف بها كمراقب في الأمم المتحدة، ان تستغلها وتطالب بتنفيذ ما شرعه القانون الدولي من خلال قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني من العام 1947 ، بتقسيم فلسطين الى دولتين يهودية على ما مساحته 57 بالمئة من فلسطين التاريخية وتقع على السهل الساحلي من حيفا حتى جنوب تل الربيع ، التي أُطلق عليها (تل ابيب) والجليل الشرقي بما فيه بحيرة طبريا واصبع الجليل والنقب ، بما في ذلك أم الرشراش التي أُطلق عليها (ايلات) ، ودولة عربية على ما مساحته 42 بالمئة من فلسطين التاريخية وتقع في الجليل الغربي وعكا والساحل الجنوبي الممتد من شمال مدينة اسدود وجنوبا حتى رفح مع جزء من الصحراء على طول الشريط الحدودي مع مصر ، والضفة الغربية لنهر الأردن، اما القدس فستكون تحت الوصاية الدولية .
هذا القرار يمكن ان يكون مستندا أساسيا للمطالبة بالدولة الفلسطينية ، خاصة انه لا يمكن لإسرائيل التنكر له لانها اعترفت وأقرت به مرتين: الأولى كانت مع اعلان ما يسمى استقلالها عام 1948، والثانية عام 1949 مع قبول طلبها بالانضمام الى الأمم المتحدة، شريطة تنفيذها للقرارين الامميين 181 بقيام دولة عربية الى جانبها، والقرار 194 عودة السكان الأصليين الى بيوتهم او التعويض لمن لا يرغب بالعودة ، وهو ما لم يتم تنفيذه حتى اللحظة، بمعنى ان شرعية الدولية اليهودية ( إسرائيل ) مشكوك فيها لعدم تنفيذ أي من القرارين المذكورين أعلاه .
اضف الى ذلك، اعلان الدولة الفلسطينية الذي اطلقه الرئيس الراحل الخالد ياسر عرفات في المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988 ، والذي حظي باعتراف 108 دولة في حينه، جاء استنادا الى القرار الدولي 181 ، وأرسى أسس الدولة الفلسطينية فعلا وقانونا ، بالرغم من الظلم الذي ألحقه هذا القرار بالشعب العربي الفلسطيني.
نوايا الرئيس محمود عباس - وان صحت المعلومات الراشحة من اكنافه - باستبدال السلطة الفلسطينية بدولة فلسطينية في الخطاب المُزمع القاءه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول القادم ، خطوة بالاتجاه الصحيح واستثمار جيد للتطورات المتلاحقة بعد احداث السابع من أكتوبر 2023 ، وثمن - بالرغم من فداحته والظلم الذي سيلحق بحقوق كثيرة للشعب العربي الفلسطيني في ارضه من فلسطين التاريخية – الا انه سيحفظ دماء الشهداء والجرحى والأسرى والضحايا الأبرياء ، ويؤسس لسلام عادل في المنطقة تنعم فيه شعوبها بالامن والاستقرار ، ولكن ذلك يجب ان يسبقه خطوات عدة من شأنها ان تقود خطوات القيادة الفلسطينية الى النجاح ان صدقت النوايا ، وحينها سيرى الرئيس ابو مازن يخل أبواب التاريخ من اوسعها ، وهي :
1 . الشروع بحوار وطني جدي شامل لا يستثني أي كان من الفصائل الفلسطينية بكافة الوانها ، يتمخض عنه الإعلان عن انهاء الانقسام الفلسطيني الفلسطيني ووحدة الأراضي الفلسطينية والتوجه الى المجتمع الدولي بموقف واحد موحد .
2 . تنسيق فلسطيني عربي على اعلى المستويات ، لاحياء المبادرة العربية للسلام ، ولكن على أساس القرارين الدوليين 181 و 194 ، وليس على أساس القرار الاممي 242 ، والذي يُطالب دولة الاحتلال بالانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية والجولان السوري .
3 . إعادة النظر بالاتفاقيات الثنائية ( الفلسطينية الإسرائيلية ) وخاصة اتفاق اعلان المبادى ( أوسلو ) الذي ابرم عام 1993 ، والاحتكام الى قرارات الشرعية الدولية الخاصة بقضية فلسطين ، زرمة واحدة دون استثناء أي منها ، مع الاخذ بالاعتبار التبعات السلبية التي قد تفرضها سلطات الاحتلال وحليفتها الولايات المتحدة الامريكية ، ولكن للضرورة الوطنية احكامها وتبعاتها .
4 . إعادة احياء الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية .
5 . الإعلان عن انهاء المفاوضات العبثية مع الجانب الإسرائيلي ، والتي يراها قانونيين انها مُخالفة للقانون الدولي ، حيث هناك قرارين امميين وتعهد إسرائيلي بتنفيذهما ، وهما 181 و 194 ، ولا يجوز اخضاعهما للتفاوض .
6 . يُمكن للدولة الفلسطينية التوجه الى القضاء الدولي والمطالبة بالزام دولة الاحتلال بتنفيذ القرارت الأممية ، وكذا مقاضاة دولة الانتداب البريطاني على مخالفتها لقوانين الانتداب التي يفرضها عليها القانون الدولي ، كذلك محاسبة ومسائلة الدول الداعمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي لمخالفتها قوانين الشرعية الدولية .
الإعلان عن دولة فلسطين تحت الاحتلال ، بموازاة الاعترافات الدولية ، من شأنها ان تعيد للقانون الدولي المُغيب هيبته ، وتحد من الظلم الذي يعيشه الشعب العربي الفلسطيني ، ويزيد من عزلة دولة الاحتلال حتى تمتثل للشرعية الدولية وتنفذ المطلوب منها لتكرس شرعيتها ، ويقود الى تحقيق السلام المنشود ، وان صدقت المعلومات ، ونجح الرئيس محمود عباس في رؤيته ، فمن دون شك سيدخل التاريخ من أوسع ابوابه ويسجل اسمه مع العُظماء .

المحتل والمختل: "اغتيال أنس الشريف ودفن الحقيقة في غزة"

خطة "احتلال" غزة لاستكمال الإبادة والتهجير

هل يقود فصل الصناعة عن الغرف التجارية إلى إقلاع اقتصادي أم انحدار نحو الانقسام؟

نتنياهو بين وهم التطبيع وقنبلة العزلة: كيف كشفت غزة الوجه الحقيقي لإسرائيل

حرب إسرائيل الوجودية

عمالقة في زمن التقزيم !!

مـطـار أثـيـنـا وقـطـاع غـزة «في ذكرى محمود درويش»
