
حين تُقصف غزة باسم ذكرى الضحايا: الصهيونية لا تُمثّل اليهود… بل تُسيء إليهم
في الوقت الذي يُحيي فيه العالم ذكرى الهولوكوست بوصفها واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية تتكرر في غزة مشاهد تُذكّرنا بما لا ينبغي أن يتكرر أبداً : مدنيون تحت الركام أطفال يُسحبون من تحت الأنقاض مستشفيات تُقصف ومدن تُحوَّل إلى ركام – كل ذلك على مرأى من العالم لا في الظلام بل تحت ضوء الكاميرات.
لكن الأخطر من الجريمة هو أن تُرتكب باسم الضحية.
كيف أصبح الخوف من تكرار التاريخ مبرراً لصمّ الآذان أمام تكراره بشكل آخر؟
يجب أن نُميّز: اليهود ليسوا الصهيونية
اليهودية ديانة عريقة وأتباعها بشر متنوعون – بينهم أوروبيون وأميركيون وآسيويون مؤمنون وملحدون ليبراليون ومحافظون ومنهم من يقف بشجاعة ضد ما تفعله إسرائيل اليوم.
الصهيونية ليست اليهودية بل هي أيديولوجيا سياسية قومية نشأت في أوروبا في القرن التاسع عشر واستندت إلى أفكار استعمارية وعنصرية لتبرير إقامة دولة على حساب شعبٍ آخر هو الشعب الفلسطيني.
وقد عبّر العديد من اليهود عن رفضهم لهذا الخلط الخطر ، ففي المؤتمر اليهودي المناهض للصهيونية (فيينا، يونيو 2025) قال أحد المتحدثين:
“الصهيونية لا تُعبّر عنا كيهود بل تُهدد أمننا وتُسيء لضحايا الهولوكوست باستغلال ذكراهم.”
رسالة إلى الضمير الأوروبي
أوروبا تعرف تماماً ماذا يعني الصمت أمام الإبادة وتحمّل الشعور بالذنب التاريخي بعد المحرقة يجب ألا يُحوَّل إلى عُذر للصمت مجددا بل إلى التزام أخلاقي بعدم السماح بتكرار المأساة – بأي شكل ضد أي شعب فكيف إذا عرفنا أن بعضها ايضا يقدم المال و السلاح لارتكاب الابادة في غزة و بعض الدول يشارك عمليا براً و بحراً وجواً و استخبارياً فإذا كان الصمت مشاركة ؟! فماذا يعني الدعم و الفعل على الارض !؟.
إن التضامن مع ضحايا الأمس لا يمكن أن يعني تبرير معاناة اليوم.
ولا يصحّ أن يُحاصر أي صوت ينتقد ممارسات إسرائيل باتهامات فورية بمعاداة السامية في وقتٍ يخرج فيه عشرات من المثقفين اليهود – ومنهم ناجون من المحرقة – ليقولوا بوضوح: “ليس باسمنا.”
المستغرَب حقاً هو الطريقة التي يعرض بها الإعلام الغربي هذه الأصوات فعندما يتظاهر يهود وألمان وأميركيون وإيطاليون وإسبان وغيرهم من مختلف أنحاء العالم ضد الإبادة في غزة يُنشر الخبر تحت عناوين مثل: “معادون لليهود يتظاهرون”… حتى عندما يكون المتظاهرون أنفسهم من اليهود.
هذه ليست مجرد تغطية منحازة بل غسيل منهجي للوعي يُفرغ الاحتجاج من معناه ويُشوّه الحقيقة.
أسئلة إلى الضمير الغربي:
• متى تتحول ذكرى الضحية إلى غطاءٍ للجلاد؟
• متى يصبح الصمت على الجريمة مشاركة فيها؟
• وهل الدفاع عن القانون الدولي وحقوق الإنسان يتوقّف حين يكون الضحية “فلسطينياً ” والجلاد “حليفاً غربياً ؟
لا تدوسوا على ذكرى الهولوكوست… بحجة حمايتها
ما يحدث في غزة ليس “حق دفاع عن النفس” بل عملية عسكرية موسّعة تُوثّقها كاميرات العالم لحظة بلحظة ويصفها خبراء القانون الدولي بأنها تمثل انتهاكاً صارخاً لأبسط المبادئ الإنسانية.
دعم هذا الواقع أو الصمت عليه لا يُكرّم ضحايا الهولوكوست بل يُفرّغ ذكراهم من معناها.
تماماً كما لا يجب محاسبة الأجيال الألمانية الجديدة على ما فعله أجدادهم لا يجوز أن يُجبر الفلسطينيون على دفع ثمن مأساة لم يصنعوها.
نطالب أوروبا بأمر بسيط ولكنه عميق:
ألا تكرّر الخطأ بالصمت وألا تُغلق عينيها حين يُقتل الأطفال لأن الضحية لا يحمل جوازاً أوروبياً.
وأن تقول – كما قالت بعد الهولوكوست –: “Never Again ”… للجميع.