
غزة ما بين المفاوضات والحرب الممتدة
لم تفلح الجهود المكثفة التي بذلها المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف في الوصول إلى اتفاق لوقف الحرب في قطاع غزة، اذ اصطدمت تلك الجهود بمقاربة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السياسية، اذ يسعى نتنياهو الى هدنة مؤقتة تهدف إلى إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين فقط، ومن ثم استكمال الحرب حتى تحقيق اهدافها ، بينما تطالب المقاربة الفلسطينية بوقف دائم وشامل للحرب، إعادة إعمار قطاع غزة، وإطلاق مسار سياسي فلسطيني.
وفي الحقيقة ان المشكلة الرئيسية تكمن في تضارب المقاربتين، حيث تمارس الإدارة الأمريكية ضغوطًا على الطرف الفلسطيني، من خلال الوسطاء باعتباره "الطرف الأضعف"، بينما تتجنب الضغط على نتنياهو وحكومته، وتستثمر ادارة الرئيس ترمب تحركاتها في المنطقة، بما في ذلك الملفات السورية والإيرانية واليمنية واللبنانية، لتخفيف الضغط على إسرائيل في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مما يضعف موقفها أمام نتنياهو ويحد من قدرتها على فرض اتفاق شامل ودائم لوقف الحرب و هذه المقايضة بين ملفات المنطقة تعكس استراتيجية أمريكية تفضل مصالح إسرائيل على حساب الحلول العادلة.
في الوقت ذاته قدمت حركة "حماس" مرونة كبيرة في التعامل مع المبادرات الدولية، حيث استجابت لضغوط الوسطاء القطريين والمصريين، لكن المعضلة الأساسية تظل في موقف نتنياهو وحكومته التي تريد التصعيد والسيطرة، حيث تواصل عملياتها العسكرية في قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك المجازر، والإجراءات أحادية الجانب مثل مصادرة الأراضي وقرارات الضم، خاصة في مناطق "ج"، التي تهدف إلى القضاء على أي كينونة سياسية فلسطينية مستقبلية، وهي بذلك تعتمد استراتيجية تقليدية تجمع بين استمرار المفاوضات لسنوات طويلة مع الحفاظ على خيارات عسكرية وسياسية أخرى، بما في ذلك الحرب والتدمير والإبادة في غزة، وهذه الاستراتيجية ليست جديدة، بل تكررت منذ توقيع اتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، حيث تواصل إسرائيل التفاوض دون التخلي عن خيارات العدوان.
فالمفاوضات الحالية قد تمتد لسنة أو أكثر، بينما تستمر العمليات العسكرية في غزة، مما يكشف عن مراوغة ممنهجة، فنتنياهو لا يواجه معضلة في وقف الحرب بحد ذاته، بل في تحقيق هدف التهجير، الذي يحظى بدعم غالبية المجتمع الإسرائيلي وفق استطلاعات الرأي، التي تؤيد استكمال الحرب بعد إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وهذا الموقف يعكس رؤية أيديولوجية متجذرة لدى اليمين الإسرائيلي، مدعومة بتيارات في اليمين الأمريكي التي تتبنى روايات دينية وتاريخية حول "أرض الميعاد" و"عودة المسيح المنتظر".
ان إسرائيل، كدولة مؤسساتية مدنية، تتبنى رؤية استراتيجية مستقبلية تجمع كل الخيارات – التفاوض، الحرب، والضم – لتحقيق مصالحها القومية العليا، دون استبعاد أي خيار فما يحدث ليس مجرد مراوغة، بل مزاوجة بين خيارات متعددة تهدف إلى تعزيز الهيمنة الإسرائيلية، مما يجعل التوصل إلى اتفاق عادل أمرًا معقدًا في ظل الدعم الأمريكي القوي لإسرائيل وغياب أي دعم مقابل للطرف الفلسطيني، مما يجعل المزواجة بين خيار المفاوضات والحرب الممتدة الخيار المستمر حتى اللحظة والذي لم ينجح في تحقيق أي انجاز سياسي او عسكري على ارض الواقع لكلا الجانبين.

المشاريع الإغاثية في فلسطين: بين الاستجابة الإنسانية وتعزيز الصمود في المرحلة القادمة

الطوفان الصهيوني قادم لا محالة ولن يستثني اية دولة(1)

الذكاء الاصطناعي يرسم عطلة أطفال فلسطين

حيث حفرنا أسماءنا

حروب العشرية الثالثة (31)

رحلة إلى فلسطين الأولى، تستحق المديح

هل من رؤية وطنية جامعة لوقف الإبادة؟
