من"فتيان" إلى "برابرة".. إرهاب المستوطنين في الضفة يربك مؤسسة الحكم
أهم الأخبار

من"فتيان" إلى "برابرة".. إرهاب المستوطنين في الضفة يربك مؤسسة الحكم

صدى نيوز - بعد أن غدت الضفة الغربية عرضة لانفجار كبير جراء تمادي وعربدة المستوطنين بتشجيع من جهات حكومية وعسكرية إسرائيلية طالب قادة ألوية الجيش العاملة هناك بإعادة استخدام الاعتقالات الإدارية التي ألغاها وزير الجيش إسرائيل كاتس. وكانت عربدة المستوطنين في ظل الحرب المستمرة على قطاع غزة في العامين الماضيين قد انتقلت من مرحلة "زعران التلال"، إلى "برابرة التلال" وفق تعبير تحقيق نشرته صحيفة "يديعوت أحرنوت".

وذكرت الصحيفة أنه في مواجهة عجز مختلف السلطات إزاء موجة عنف المتطرفين اليهود ضد الفلسطينيين، بدأ صبر الجيش الإسرائيلي ينفد، خصوصا بعد تكرار الصدامات معهم. وفي نقاش خاص عقده الشهر الماضي رئيس الأركان إيال زامير، مع قادة الألوية في فرقة الضفة، طلبوا منه التدخل فورا وإعادة استخدام أوامر الاعتقال الإدارية التي كان ألغاها كاتس بضغط من سياسيين من حزبي الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.

وجاء هذا الطلب بعد تكرار اعتداءات "زعران التلال" على مزارع الفلسطينيين وقيامهم بطعن فلسطينيين وذبح أغنامهم وقطع أشجارهم وتدمير ممتلكاتهم من جبل الخليل في الجنوب إلى نابلس في الشمال. ويرى ضباط في الجيش أن أفعال المستوطنين "سادية"، وأنها تتخطى جميع الخطوط الحمر، وأن هذه أفعال تأتي بتشجيع من وزراء في الحكومة وصار صعبا على الجيش والشرطة اعتقال المعتدين.

ويعترف بعض من قادة الجيش بأن موجة العنف الحالية التي ينفذها المستوطنون، إلى جانب الدعم الضمني لها من وزراء وحاخامات، تنبع أيضا من دوافع انتقامية داخل المؤسسة العسكرية بعد إطلاق سراح 74 فلسطينيا داخل الضفة في عمليات التبادل الأخيرة.

تشجيع شارون

في كل حال وعلى قاعدة التراكم الكمي يؤدي إلى تغيير كيفي، انتقل "صبية التلال" ممن شجعهم قبل عقود رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون لاحتلال تلال الضفة، إلى "زعران التلال" الذين باتوا قوة ضاربة في مسلسل إنشاء المواقع الاستيطانية قبل أن يغدو "برابرة التلال"، وفق تحقيق صحيفة "يديعوت أحرونوت". وشددت الصحيفة على أن هذه التسمية ليست اتهاما بل هي اسم اختاروه لأنفسهم، ربما كنوع من التهديد الصريح للفلسطينيين في الضفة.

وحسب يديعوت أحرونوت فإن "برابرة التلال"، هو "اسم الجماعة الأكثر عنفا وتطرفا في تلال يهودا والسامرة، التي تُقلق الأجهزة الأمنية والمستوطنين، وتُرعب اليهود والعرب على حد سواء. الآن، أولئك الذين التزموا الصمت في وجه الهجمات الموجهة ضد الفلسطينيين، ولم يردوا بحزم على معاناة الجنود والشرطة على أيدي هؤلاء الفوضويين، يكتشفون أن النار تُوجه أخيرا -حرفيا- إلى جيرانهم المستوطنين".

وأشار التحقيق الذي أعده إليشع بن كيمون إلى هجوم شنه أفراد هذه الجماعة على جندي يقيم في بؤرة استيطانية في بنيامين، حيث أحرقوا في أغسطس/آب الماضي سيارته بينما كانت زوجته وطفله في البيت.

وكان السبب أن هذا عقاب على تجرؤه على الدفاع عن القانون، وقد جاء أفراد من هذه العصابة إلى بيته وواجهوه بالأمر. وعلى مقربة من بنيامين أيضا، على تلة قرب مستوطنة كوخاف هشاحر، وصل إسرائيلي يسكن في الجوار مؤخرا بسيارته إلى منطقة المجلس، التي سيطرت عليها المجموعة نفسها المكونة من عشرات الشباب المتطرفين. شعر بالخوف عندما اقترب منه عدد منهم، ملثمين وعراة الصدر، يحملون حجارة كبيرة، وتوسل إليهم ألا يحطموا سيارته. لم تُجدِ توسلاته نفعا، فكسروا نوافذ السيارة ومزقوا إطاراتها، ولاذوا بالفرار.

ووفق يديعوت أحرونوت فإن عنف هذه المجموعة لا يستهدف الفلسطينيين في الأراضي المحتلة فحسب، بل يستهدف أيضا الجنود والمدنيين الذين يرفضون الانضمام إلى أساليبهم العنيفة. وقد فتحت الشرطة تحقيقات في حوادث كهذه، لكن كل ما تم هو التوصل إلى تفاهم بإبعاد هؤلاء عن مستوطنة كوخاف هشاحر.

لكن التحقيق الصحفي قال إن "هذا الوباء لا يعالج بالباراسيتامول. لم يُعتقل أحد في القضية، وبعد أيام قليلة، تعرّض أحد سكان كوخاف هشاحر، وهو ناشط معروف في التلال، لاعتداء وحشي في وضح النهار على يد أحد المجرمين المنتمين إلى نواة العنف.

مستوطنون مصدومون

وتدل مثل هذه الأحداث على أن الأمور تخرج وبشكل متسارع عن السيطرة، وقال أحد الشخصيات المعروفة في المستوطنات، شريطة عدم الكشف عن هويته: "جميعنا مصدومون. لقد وقعت هجمات على اليهود في الماضي، للأسف، ولكن هذه المرة هناك بعض الأحداث غير العادية التي تشير إلى أن الأمور تخرج عن السيطرة. إن العنف الموجه ضد الفلسطينيين أو قوات الأمن ضربة مؤسفة ومألوفة في يهودا والسامرة، ولكن احتمال قيام شباب عنيفين بمهاجمة السكان اليهود لا يزال غير شائع هناك".

ويتساءل الشخص نفسه: "كيف وصلنا إلى وضع يتعرض فيه اليهود الذين دعموا وساعدوا التلال للهجوم؟ لا يمكن بناء تلة دون دعم الجمهور المحيط، مما يسمح بفتح الطرق، ونقل الكهرباء والماء، أو تنظيم الطعام الساخن للشباب في التلال. هؤلاء يجمعون أموالا طائلة من الجمهور، والآن على المستوطنة أن تضع حدا لهذا، لأن هذا سيؤدي إلى نتائج سيئة".

وفي تفسير الأمر تقول الصحيفة: ما الذي تغير في العامين الماضيين؟ يبدو أن نجاح هؤلاء الشباب تحديدا هو ما منحهم شعورا بأنهم مُلاك أراضٍ فوق القانون. يقول المصدر نفسه، الذي يصف ذلك بـ"فوضى استيطانية إيجابية": "لا شك في أن هناك تقدما ملحوظا خلال هذين العامين".

كما أدى ذلك -تقول الصحيفة- إلى فوضى من جانب حفنة من الشباب، من الواضح أنه ليس كل من في التلال يوافق على هذه الأفعال، لكن مشكلة المستوطنة هي أنهم يُفضلون إخفاء مثل هذه الحوادث. يجب أن يكون الأمر واضحا: الشباب الذين يؤيدون إيذاء الجنود والشرطة باسم "الأيديولوجية" يقودون فوضى عارمة تضر في نهاية المطاف بالسكان الذين لا يعجبهم الأمر.

عندما كانت القوة موجهة ضد الجنود والفلسطينيين، يقول المستوطن نفسه، لم يكن من المهم بما يكفي أن يرفع السكان صوتهم ضد العنف. "عندما كان العنف موجها ضد الفلسطينيين، كان هناك من يكتفي بالإدانات، والآن يصل إلى عتبة الباب".

ويقول مصدر أمني مسؤول، موضحا أن موجة من الاعتقالات تمت في بعض الحالات، "نحن عند نقطة تحول مهمة في التعامل مع الحادث، وإذا تصرفنا بشكل صحيح، سيكون الواقع هنا مختلفا". الآن، حتى المستوطنون يدركون أننا على بُعد خطوة من الفوضى.

ويتحدث التحقيق عن وجود إنكار وخوف من الحديث عن الأمر ويشير إلى أن التخوف مبرر وحقيقي، بل إن الجيش نفسه يعترف أيضا بذلك وأن "زعران التلال" ليسوا حالة رومانسية ورعاة أغنام يهود، بل "يتصرفون كالمجرمين في الغرب الأميركي. لا قانون لهم ولا قاضٍ. يتجولون بقمصان كُتب عليها "شعب إسرائيل نعم ودولة إسرائيل لا". لا يعترفون بالمؤسسات، وهم معادون للصهيونية تماما".

وهذه المجموعات تسمح لنفسها بنزع صفة الدولة عنها والتخلّص من كل عبء، ويمكن رؤية فتى في الـ13 من عمره يقود سيارة، وهو لا يملك حتى رخصة قيادة؛ وفتيانا آخرين يُشعلون النار في المركبات، وهناك صلة بين هذه الأحداث والهجمات على قوات الأمن والهجمات على اليهود. عندما تُحرق منشآتٌ عسكريةٌ حساسة، فإنهم يحاولون ردع قوات الأمن، وعندما تُحرق مركبات السكان، فإنهم يحاولون إرهاب من لا يحذون حذوهم.

جريمة مؤدلجة

وحسب ضابط شرطة رفيع المستوى فإن: "هذه مجموعة، بعضهم لا يعيش في الضفة الغربية، ولأعضائها سجل جنائي يشمل السطو وأعمال التخريب. وهم يسبغون أيديولوجية على هذه الجريمة، ولكن ما الأيديولوجية الكامنة وراء سرقة الهواتف المحمولة والأموال من الفلسطينيين؟" هذه ليست "تلالا" أو "شبابا". وقد استشرى بين أفراد هذه المجموعات ممارسة العنف ضد العرب واليهود على حد سواء.

وحسب الصحيفة، تم تسجيل 92 حادثة في يونيو/حزيران، بما في ذلك 9 هجمات حرق متعمد، تم تسجيل 70 حادثة في يوليو/تموز و40 حادثة في أغسطس/آب. ومع ذلك، بالمقارنة مع العام الماضي، فهذه زيادة.

كما شملت حوادث الأشهر الأخيرة الاضطرابات التي وقعت في يونيو/حزيران في موقع بعل حتسور، والاعتداء على قائد كتيبة، ورشق الحجارة، وثقب الإطارات، ومحاولة دهس، ومحاولة إشعال النار في مركز شرطة في بيت إيل، وكتابة رسالة انتقام على مركز شرطة، وإشعال النار في مركبة عسكرية احترقت بالكامل، ومظاهرة عنيفة عند مدخل مركز شرطة بنيامين العسكري، وإشعال النار في منشأة أمنية عند تقاطع جفعات أساف، ورشق مركبة عسكرية بالحجارة في الموقع نفسه، وتخريب الإطارات، و"عملية انتقام" على مركبة شرطي، وثقب إطارات سيارة شرطة في شيلوه، ورشق قوات الأمن بالحجارة في يتسهار، والقائمة تطول. هذا من دون حساب عمليات القتل والحرق والتخريب ضد فلسطينيين في الضفة.

وبموازاة حوادث العنف ضد قوات الجيش والشرطة، تستمر سلسلة أعمال العنف التي يرتكبها برابرة التلال ضد الإسرائيليين، فقبل بضعة أسابيع، انطلقت مجموعة من الفوضويين لتنفيذ عملية "جباية ثمن" في إحدى قرى كتلة شيلوه الاستيطانية. أحد سكان تلك البؤر الاستيطانية، الذي أدرك نيتهم، منعهم من المرور في قريته وطردهم، وردا على ذلك، ثقبوا إطارات سيارته ووضعوه في سيارة جيب.

يارون روزنتال، رئيس مجلس مستوطنات غوش عتصيون، رفع مؤخرا صوته ضد مثيري الشغب العنيفين في مقال نشره في صحيفة "ماكور ريشون" أدان فيه هذه الأعمال. يقول: "هناك قلة صاخبة هنا، مواقفها من العديد من القضايا تتعارض مع مواقف الأغلبية المطلقة من سكان المستوطنات، وفي النهاية نسمع صوت هذه القلة فقط، وكان هدف كتابتي إيصال صوت الأغلبية الصامتة. أتلقى العديد من الرسائل من السكان يسألون: ماذا يفعل هذا الجيش؟ أو: الجيش يساري ويخدم السلطة الفلسطينية".

ويرى التحقيق أنه منذ تعيين وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير لم تبذل الشرطة أي جهد للتحقيق في الجرائم القومية، كما أن المستوطنين المتطرفين صاروا أكثر جرأة في التصرف بحرية ومن دون أي رادع لعملهم، وأن هناك من سيشد على أيديهم داخل الحكومة وفي المؤسسة السياسية اليمينية، ووجد هؤلاء التشجيع من وزير الدفاع، كاتس الذي كان بين أول قراراته منع استخدام الاعتقال الإداري ضد من يصنفهم الجيش والشاباك إرهابيين يهود محتملين.