العمولات تنهش جيوب الغزيين.. وسط تساؤلات عن دور سلطة النقد الفلسطينية؟
اقتصاد محلي

العمولات تنهش جيوب الغزيين.. وسط تساؤلات عن دور سلطة النقد الفلسطينية؟

تقرير اقتصاد صدى - منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، وبعد مرور عامين على بدايتها، عاش سكان القطاع تحت وطأة أزمات اقتصادية متلاحقة دفعتهم إلى أحضان الاستغلال المالي، في ظل غياب شبه تام لتدخلات حاسمة من الجهات المختصة، وعلى رأسها سلطة النقد الفلسطينية، التي اكتفت بالمراقبة دون اتخاذ إجراءات فعالة.

وخلال الحرب، في ظل الانهيار الاقتصادي الذي خلفته الحرب، واجه المواطنون أزمة حادة في السيولة النقدية، ما اضطرهم للجوء إلى تجار المال وأصحاب رؤوس الأموال لسحب أموالهم من الحسابات البنكية الإلكترونية مقابل عمولات باهظة. بدأت هذه العمولات بنسبة 5% في بداية الحرب، لكنها سرعان ما تصاعدت لتصل إلى 50%، واستقرت في الأشهر الأخيرة بين 35% و38%، ما شكل عبئاً إضافياً على كاهل المواطنين المنهكين أصلاً.

ولم يتوقف الاستغلال عند حدود السحب النقدي، بل امتد ليشمل البضائع التي تُشترى عبر التطبيقات الإلكترونية، حيث فرض بعض التجار عمولات إضافية على المنتجات، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل غير مبرر، وسط غياب الرقابة الفعلية.

ورغم المناشدات المتكررة من المواطنين لسلطة النقد الفلسطينية، فإن الأخيرة لم تتخذ خطوات عملية لوقف هذا النزيف المالي، مكتفية بإصدار بيانات لا تتعدى حدود التطمين، دون ترجمة حقيقية على أرض الواقع وفق مواطنون تحدثوا لمراسل اقتصاد صدى في قطاع غزة.

بل إن الإجراءات التي اتخذتها الجهات المختصة جاءت في كثير من الأحيان عكسية، حيث تم حظر آلاف الحسابات البنكية لمواطنين اضطروا لاستخدامها بشكل مكثف، كما تم تقييد محافظ "جوال بي" و"بال بي"، رغم اعتماد السكان عليها في تلقي المساعدات من جهات خيرية ودولية، وفق ما صرح به مواطنون من قطاع غزة لمراسل اقتصاد صدى.

هذه السياسات غير المدروسة دفعت التجار إلى إجبار المواطنين على التخلي عن العملات النقدية القديمة أو المهترئة، مثل فئة العشرين أو العشرة شواقل، وحتى ورقة الخمسين شيقل الجديدة، ما خلق أزمة نقدية إضافية في السوق المحلي.

وفي ظل هذا المشهد المأزوم، يبقى السؤال مفتوحا: هل ما لم تفعله سلطة النقد خلال فترة الحرب ستعوضه ما بعد الحرب وتنجزه؟ وهل ستتمكن من استعادة ثقة المواطنين عبر خطوات عملية تعيد التوازن إلى السوق وتحميهم من تغوّل تجار المال؟

وفي حديثهم لمراسل "اقتصاد صدى"، أكد مواطنون من غزة أن سلطة النقد الفلسطينية لم تكن على مستوى الحدث، ولم تتخذ إجراءات رادعة بحق "تجار الحرب"، مطالبين بعد انتهاء الحرب بتدخلات حقيقية على الأرض، لا تكتفي بالشعارات والبيانات، بل تضع حداً فعلياً للاستغلال الذي بات جزءاً من يومياتهم الاقتصادية.

خبير اقتصادي من قطاع غزة علق لاقتصاد صدى بقوله: "ما يحدث في غزة ليس مجرد أزمة سيولة، بل انهيار في منظومة الحماية الاقتصادية، حيث تُرك المواطنون فريسة سهلة لجشع السوق، في ظل غياب دور رقابي حقيقي من سلطة النقد الفلسطينية، التي باتت مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بالتحرك الجاد، لا الاكتفاء بالمراقبة الصامتة".

ويرون آخرون أن سلطة النقد لا يمكن أن تلام في ظل الحرب القاسية التي حرقت الأخضر واليابس بغزة، وكانت أكبر من الجميع، مؤكدين في الوقت ذاته ضرورة أن تتحرك بعد أن انتهت الحرب ووضعت أوزارها.

بعض الإجراءات التي غابت عن سلطة النقد

ويقول خبير اقتصادي آخر، لاقتصاد صدى: "في ظل الأزمة الخانقة التي عاشها سكان قطاع غزة، كان من الممكن لسلطة النقد الفلسطينية أن تتدخل بشكل فوري وحاسم عبر سلسلة من الإجراءات التي تحد من تغوّل تجار المال وتحمي المواطنين من الاستغلال، لعل أبرزها: تحديد سقف قانوني للعمولات على عمليات السحب النقدي من الحسابات الإلكترونية، بما يضمن عدم تجاوز نسب معقولة تتناسب مع الوضع الاقتصادي الطارئ.

وأضاف: "كذلك، توسيع نطاق المحافظ الإلكترونية مثل "جوال بي" و"بال بي"، وتسهيل استخدامها دون قيود، خاصة في ظل اعتماد المواطنين عليها لتلقي المساعدات".

وتابع: يجب حالياً بعد وقف الحرب العمل على حصر التجار الذين استغلوا الناس واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم من اغلاق حساباتهم ومحافظهم الإلكترونية، والعمل على التنسيق لإدخال سيولة نقدية كافية لتحريك الوضع الاقتصادي في غزة، والأهم العمل على وضع خطة حقيقية لإعادة تشغيل القطاع المصرفي في القطاع وإعادة تأهيل البنية التحتية المصرفية.

وتساءل: "هل سلطة النقد ستكون قادرة على إدارة المشهد النقدي والمالي في القطاع بعد الحرب، أم سنعيد التجارب التي حدثت خلال الحرب في الضفة الغربية، من خلال إصدار تعليمات متلاحقة كانت في الكثير من الأحيان غير كافية لحل الأزمات الناتجة عن الحرب، لا بل في بعض الأحيان زادت من تعقيد الأزمة والمشهد النقدي والمصرفي في الضفة الغربية؟!".

وأشار إلى ضرورة وجود "مراقبة صارمة للتجار والصرافين الذين يفرضون عمولات غير قانونية، مع فرض عقوبات رادعة بحق المخالفين".

وحذر خبراء آخرون من أن تكون الأوضاع أمام مشهد أشد تعقيدًا من الضفة الغربية في أعقاب العدوان الإسرائيلي عام 2002، وذلك بانهيار كامل للبنية التحتية المصرفية، وانهيار واسع في ثقة الغزيين في المنظومة التي تقودها سلطة النقد في ظل عدم وقوفها معهم أثناء الحرب، وعدم التدخل الحقيقي لإنهاء تغول تجار الأموال والعمولات أثناء الحرب، حيث لم تبادر مثلاً لإغلاق حسابات ومحافظ هؤلاء التجار المخالفين وهو أمر كان بمقدور السلطة النقدية عمله بغض النظر عن الحرب الدائرة، مما كان سيشكل رادعاً قوياً لهؤلاء التجار والشبكة المستفيدة منهم خارج القطاع".

واعتبروا ذلك بأنه بمثابة أول تحدي يتعلق بقدرة سلطة النقد على العمل الحقيقي على الأرض بعيدًا عن البيانات والتصريحات الإعلامية.

وتساءلت ذات المصادر: كيف ستقنع سلطة النقد البنوك التي كانت عاملة في القطاع بجدوى عودة الاستثمار في القطاع، بعد كل الخسائر التشغيلية والمالية ومخصصات الائتمان، وفقدان كامل للبنية المصرفية من فروع وصرافات آلية وانعدام شبه كامل للأمن اللازم لضمان تشغيل هذه البنوك وأيضًا غياب آلية واضحة لتنسيق جهودها في ادخال النقد من وإلى القطاع حسب متطلبات العمل المصرفي، أم أن سلطة النقد ستقف متفرجة أيضًا وتترك البنوك لتواجه هذه المعضلات لوحدها كمان هو الحال حاليًا في الضفة الغربية؟ ، أم هل فقط ستعمل على استخدام سلطتها القانونية لإجبار البنوك رغمًا عن اي اعتبارات للمخاطر المالية والاقتصادية والتشغيلية التي تأخذها البنوك بعين الاعتبار عند دراسة اعادة التشغيل حسب ما تقضيه الأعراف المصرفية السليمة.