محافظ البنك المركزي الأردني يتوقع نمواً يفوق 4% على المدى المتوسط بفضل إصلاحات الحكومة الداعمة للاستثمار
مال وأعمال

محافظ البنك المركزي الأردني يتوقع نمواً يفوق 4% على المدى المتوسط بفضل إصلاحات الحكومة الداعمة للاستثمار

صدى نيوز - أكد محافظ البنك المركزي الأردني، الدكتور عادل شركس، أن الاقتصاد الوطني يواصل النمو بثبات، رغم التحديات الجيوسياسية وظروف الإقليم المعقدة، مستندًا إلى رؤية إصلاحية متكاملة للتحديث الاقتصادي، أعادت تشكيل فلسفة الإصلاح الاقتصادي في المملكة.
 

وقال شركس إن الاقتصاد حقق معدلات نمو ربعية أعلى من المتوقع، رغم استمرار الحرب على قطاع غزة، بلغت 2.7 بالمئة لكل من الربع الأخير من عام 2024، والربع الأول من العام الحالي، مدفوعًا بقاعدة عريضة ومتنوعة من القطاعات الاقتصادية.

جاء ذلك خلال جلسة حوارية نظمها منتدى الاستراتيجيات الأردني، تحت عنوان: "إصلاح واستقرار ومنعة: ثلاثية الاقتصاد الوطني في عالم متغير".

وأكد أن تقديرات البنك المركزي تُشير إلى تسجيل نموٍ نسبته 2.7 بالمئة خلال العام الحالي، على أن يتجاوز 4 بالمئة على المدى المتوسط بحلول عام 2028، مدفوعًا بتنفيذ مشاريع بنية تحتية استراتيجية كبرى، مُنبثقة عن رؤية التحديث الاقتصادي التي تؤسس لنمو اقتصادي مستدام للسنوات المقبلة، إلى جانب مواصلة جهود الإصلاح المالي والهيكلي.

وأشار شركس إلى أن العالم يشهد تحولات متسارعة، تفرض بيئة غير مستقرة، وموجات متكررة من حالة عدم اليقين، ما يستدعي تعزيز المرونة الاقتصادية، وتقوية الشراكة مع القطاع الخاص، لضمان الاستقرار الاقتصادي وتحقيق النمو المستدام.

وأكد أن الاقتصاد الوطني يتمتع اليوم بعوامل مرونة ومنعة، مكنته من الصمود بثقة أمام مختلف التحديات، مدعومًا ببيئة استثمارية مستقرة، وقوة المؤسسات والحوكمة، وإطار نقدي ومالي متين، ونظام سعر صرف موثوق، وقطاع مصرفي سليم، ووجود خطة إصلاحية برؤية واضحة، ما عزز من ثقة أسواق المال الدولية والمستثمرين في بيئة الاقتصاد الوطني.

وبيّن أن أحد مؤشرات هذه الثقة المتنامية يتجلى بوضوح في أداء سندات "اليوروبوندز" الأردنية، إذ تتداول حاليًا في الأسواق المالية العالمية بعوائد تقلّ عن عوائد الإصدار، ما يعكس التقييم الإيجابي للأسواق لجدارة الاقتصاد الوطني، ومتانته الائتمانية، والالتزام الراسخ بأجندة الإصلاح.

وأوضح أن الاقتصاد الوطني حقق، خلال الفترة 2021–2024، نموًا اقتصاديًا بلغ 2.9 بالمئة في المتوسط، وهو الأعلى مقارنة بفترات سابقة منذ عام 2010، موضحًا أن هذه الفترة الأعلى نموًا كان أساسها التحسّن في الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج، المدعومة بتطورات التكنولوجيا وتنمية رأس المال البشري، والتي أسهمت في تعزيز الناتج المحتمل، وفي تحوّل نوعي في هيكل النمو الاقتصادي نحو مصادر أكثر استدامة وقابلية للتوسع.

وبيّن أن الاستثمار لعب دورًا محوريًا في هذا النمو، فشكّلت مساهمته، خلال الفترة 2021–2024، نحو 40 بالمئة، بعد أن سجّل مساهمة سلبية في النمو خلال العقد السابق (2010–2020)، فيما بلغت مساهمة القطاع الخارجي 38 بالمئة.

وأكد أن هذا النمو لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة مسار حثيث ومتدرج من إصلاحات اقتصادية كلية وهيكلية عميقة، نفذتها الحكومة، ومن ضمنها نحو 100 إصلاح اقتصادي منذ عام 2012، وفقًا لتقارير صندوق النقد الدولي، شملت مجالات متعددة لتعزيز كفاءة السياسات، والحوكمة، وبيئة الأعمال، ورفع مستوى التنافسية، وتوفير فرص العمل، ما عزز النظرة الإيجابية لوكالات التصنيف الائتماني تجاه الاقتصاد الوطني.

وقال إن الصادرات الوطنية تمكنت من النفاذ إلى أسواق جديدة، ما أسهم في توسيع قاعدة التصدير ورفع قيمتها إلى مستويات قياسية منذ عام 2022، وقد ترافق ذلك مع تحول تدريجي في هيكل الصادرات نحو الصادرات غير التقليدية، لترتفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي إلى 20.9 بالمئة في عام 2024، مقابل 16.2 بالمئة خلال عام 2016.

وأشار إلى أن تنويع خليط الطاقة، واتفاقيات الغاز طويلة الأجل، ساهم في خفض فاتورة الطاقة إلى ثلث ما كانت عليه في عام 2012، لتصل إلى نحو 7 بالمئة من الناتج خلال عام 2024، ما ساهم في خفض الآثار السلبية لارتفاع أسعار النفط على الاقتصاد الوطني.

وبيّن أن الدخل السياحي، رغم انخفاضه بنسبة طفيفة في حزيران الماضي، إلا أنه سجل نمواً بنسبة 11.9 بالمئة خلال النصف الأول من العام، ليصل إلى 3.7 مليار دولار، مشيراً إلى أن وتيرة التعافي كانت من الممكن أن تكون أسرع، لولا الصراع الإسرائيلي الإيراني في شهر حزيران الماضي، متوقعاً أن يصل الدخل السياحي إلى 7.7 مليار دولار بنسبة نمو 6 بالمئة عام 2025.

وأوضح شركس أن المملكة استقطبت استثمارات أجنبية بحوالي 1.6 مليار دولار خلال عام 2024، مستعرضاً خارطة رصيد الاستثمار الأجنبي في المملكة، موزعة حسب المحافظات.

وبيّن أن تحويلات الأردنيين العاملين في الخارج سجلت نمواً بنسبة 2.8 بالمئة العام الماضي، لتصل إلى 3.6 مليار دولار، متوقعاً أن ترتفع إلى 3.7 مليار العام الحالي، ما يعزز تدفقات النقد الأجنبي، ويدعم الطلب المحلي، ويُسهم في استقرار ميزان المدفوعات.

وبيّن أن السياسة النقدية الحصيفة للبنك، بالتزامن مع الإجراءات الحكومية المستمرة، أسهمت في احتواء الضغوط التضخمية العالمية إلى نحو 2 بالمئة خلال النصف الأول من العام الحالي، وهو مستوى يعزز تنافسية الاقتصاد الوطني، ويحافظ على القوة الشرائية للمواطنين، متوقعاً أن يبقى حول هذا المستوى لعام 2025.

وأكد أن الدينار الأردني قوي، ويتسق مع أساسيات الاقتصاد الكلي، مدعوماً بمستوى مريح من الاحتياطيات الأجنبية، بلغت 22 مليار دولار بنهاية حزيران الماضي، ما يكفي لتغطية 8.4 شهر من مستوردات المملكة من السلع والخدمات.

وأشار إلى أن مؤشرات المتانة المالية تعكس قوة الجهاز المصرفي وقدرته على تحمل الصدمات، إذ يتمتع بمستويات مريحة من السيولة القانونية، ومستويات مرتفعة من كفاية رأس المال، مشيراً إلى أن الثقة المتنامية في الجهاز المصرفي تنعكس في الزيادة المستمرة في حجم الودائع، التي وصلت إلى 47.7 مليار دينار بنهاية أيار الماضي، إلى جانب انخفاض معدل الدولرة إلى 18.1 بالمئة في نهاية أيار الماضي.

وبيّن أن نسبة الاشتمال المالي في المملكة ارتفعت إلى 43.1 بالمئة في عام 2022، بينما انخفضت الفجوة الجندرية من 53 بالمئة إلى 22 بالمئة، مع استهداف رفع نسبة الشمول المالي إلى 65 بالمئة، وتخفيض الفجوة الجندرية إلى 12 بالمئة بحلول نهاية عام 2028، وذلك ضمن الاستراتيجية الوطنية للاشتمال المالي 2023–2028.

وأشار إلى ارتفاع عدد الحركات المنفذة عبر أنظمة المدفوعات الرقمية (إي فواتيركم، وكليك، وجوموبي)، وبطاقات الدفع، إلى 537.9 مليون حركة، بقيمة 55.3 مليار دينار في عام 2024، بما نسبته 146 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ129.4 مليون حركة، بقيمة 21.5 مليار دينار في عام 2019.

وأكد أن للبنوك دوراً محورياً في دعم النشاط الاقتصادي، عبر تقديم التسهيلات الائتمانية التي ارتفع رصيدها بمقدار يتجاوز 7 مليارات دينار منذ عام 2020، ليبلغ 35.3 مليار دينار في نهاية أيار الماضي.

وقال إن البنك المركزي أنجز كامل مبادراته السبع ضمن البرنامج التنفيذي الأول لرؤية التحديث الاقتصادي 2023–2025، إذ أنجز 90 نشاطًا من أصل 94، مشيرًا إلى أن الأنشطة الأربعة المتبقية تسير ضمن المسار التنفيذي المخطط له حتى نهاية هذا العام.

ولفت شركس إلى أن جهود ضبط أوضاع المالية العامة تمضي قُدمًا، مع توقع تراجع العجز الأولي للحكومة المركزية إلى 2.0 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2025، في إطار السعي نحو تحقيق فائض أولي بحلول عام 2027.

وقال إن الحكومة ستواصل التزامها القوي بضبط الدين العام عبر مسار تنازلي مستدام في الأجل المتوسط، بهدف الوصول بنسبة الدين إلى أقل من 80 بالمئة من الناتج بحلول نهاية عام 2028، وهو ما يُعد من الأهداف الجوهرية في إطار برنامج تسهيل الصندوق الممتد الحالي 2024–2027.

من جهته، قال رئيس الهيئة الإدارية لمنتدى الاستراتيجيات، الشريف فارس شرف، إن المرحلة الاقتصادية الراهنة، في ظل ما يشهده العالم من تحولات متسارعة، تضع الأردن أمام تحدٍّ مزدوج يتمثل في الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي من جهة، وتعزيز مرونة السياسات الاقتصادية من جهة أخرى.

وبيّن أن الاستقرار النقدي يشكّل قاعدة متينة يمكن البناء عليها لتطوير منظومة اقتصادية أكثر قدرة على التكيّف مع المتغيرات، وأكثر جاذبية للاستثمار، ما يستدعي إعادة التفكير في أدوات السياسات الاقتصادية بما يضمن جاهزية الاقتصاد الأردني للتعامل مع المخاطر والفرص المستقبلية بمرونة وكفاءة.

وأكد أن الحوار البنّاء بين القطاعين العام والخاص يُصبح اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى، باعتباره الأساس في صياغة استجابات فعّالة للتحديات، وتحقيق تنمية اقتصادية شاملة ومستدامة.

بدورها، بيّنت المديرة التنفيذية للمنتدى، نسرين بركات، أن هذا اللقاء يأتي في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى التكامل بين الجهات المعنية، إذ يواصل المنتدى تنظيم جلسات استراتيجية، وتقديم دراسات تحليلية وأبحاث مبنية على الأدلة، بما يسهم في تعزيز التوافق حول التوجهات الاقتصادية المستقبلية، وصياغة سياسات فعّالة ومستدامة.

من جانبها، أكدت عضو الهيئة الإدارية وميسّرة الحوار في الجلسة، نادية السعيد، أهمية الدور التنظيمي والرقابي للبنك المركزي في تعزيز كفاءة القطاع المصرفي ودعمه للعملية التنموية.

وقد تناول الحوار عددًا من المحاور، من بينها مشروع قانون تنظيم التعامل بالأصول الافتراضية، وسبل تحفيز المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وأهمية تعزيز الوعي الاقتصادي، إضافة إلى مناقشة واقع الاقتصاد الأردني ومنعته في مواجهة التحديات الخارجية.