نزار بنات.. عن رجلٍ صار صوته أعلى عندما مات!
رئيس التحرير

نزار بنات.. عن رجلٍ صار صوته أعلى عندما مات!

كتب رئيس التحرير: لا شيء يتصدر المشهد الفلسطيني حالياً غير ملف وفاة المرشح للانتخابات الفلسطينية "المؤجلة" نزار بنات، تلك الوفاة "غير الطبيعية" وفق الطب الشرعي دفعت الآلاف إلى الشوارع غاضبين ساخطين رافضين لما جرى.

نزار بنات الذي شكل حالة فريدة فلسطينياً من خلال نقده اللاذع والقاسي للنظام الفلسطيني وللقيادات شكلت وفاته بعد نصف ساعة من اعتقاله لدى الأمن الفلسطيني صدمة للشارع، بعد أقل من شهرين على إطلاق النار على منزله في دورا جنوب الخليل، حيث كان نزار "يفش غل" المواطن الرافض للوضع السياسي الحالي وللانقسام.

كان نزار شيئاً جميلاً لم يستطع سياسيونا ولا حكومتنا استثماره، قارئ نهم، موسوعة كما وصفه أصدقاؤه، كان انتقاده الجريء يعبر عن حالة إيجابية في النظام السياسي الفلسطيني، ودليل على أن النظام يقبل النقد حتى ولو كان جارحاً، كان صوت نزار عالياً وهو حيُّ، وبات أعلى عندما مات!

شريحة واسعة اعتبرت وفاة نزار قتلاً مدبراً بسبب آرائه السياسية التي لاقت تأييد الكثيرين عبر صفحته على موقع فيسبوك، وعززت النتائج الأولية للطب الشرعي هذا الاتجاه، إضافة إلى موقف عائلته، فيما اختفت الرواية الرسمية عن المشهد، وحتى التعزية، ومن هنا بدأت المصيبة في تعامل الجهات الرسمية مع الحدث!

لا شك أن المستوى الرسمي الفلسطيني تعامل بتهاون أو بـ"تطنييش" لملف نزار، في الوقت الذي تحركت في الخارجية الأمريكية وكندا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة الذين قدموا التعازي لعائلة نزار، وطالبوا بتشكيل لجنة تحقيق نزيهة.

تهاون المستوى الرسمي مع وفاة نزار بنات زاد من غضب الشارع في الداخل وحتى في الشتات، فمهما يكن نزار قد اختلف مع النظام السياسي، إلا أنه يظل في المقام الأول مواطناً فلسطينياً له كامل الحقوق! 

لم تقم الجهات الرسمية مثلاً بإيقاف عناصر الأمن الذين شاركوا في الاعتقال، لم يوقف رئيس الجهاز في محافظة الخليل عن العمل حتى انتهاء التحقيق، لم تعلن الجهات الرسمية نزار شهيداً لمحاولة امتصاص غضب الجمهور! .. بل لم تقم هذه الجهات بأي خطوة لاستيعاب الشارع الغاضب، ما أثار ألف علامة استفهام وسؤال، فنزار ليس مواطناً أمريكياً حتى تسبق أمريكا السلطة في التعزية به! 

يبدو أن المسؤولين راهنوا على عامل الزمن والذاكرة القصيرة للشارع لنسيان ملف نزار، وهو رهان خاسر، وتدمير لما تبقى من مصداقية للحكومة أمام شعبها، خصوصاً أن وفاة نزار جاءت في وقت حساس جداً وغضب كبير للشارع يتمثل في ملف اللقاحات "التي شارفت على الانتهاء"، والذي كان نزار بنات قد تناوله قبل وفاته بيومين.

الإعلام الرسمي قصّر بشكل فادح ولم يعكس نبض الشارع، فصمت كما صمتت الحكومة، وهو أمر سيدفع ثمنه الإعلام الرسمي أمام الشعب، وستكون الفاتورة على حساب مصداقيته.

الظاهر للعيان حالياً أن الحكومة الفلسطينية تضع أصابعها في آذنها، أملاً في ألا تسمع صراخ الشارع، ولو كانت عاقلة قليلاً لنزلت إلى الناس، ولأقالت وسجنت وأعفت من مناصب حتى يهدأ الناس.

لو كانت الحكومة "تسأل أو تحترم" الشعب لأصدر رئيس الوزراء قراراً بتبني أبناء نزار، وصرف راتب شهري لعائلته حتى يعيشوا بكرامة بحث عنها نزار طويلاً!

لو كانت الحكومة تقلق على مستقبل فتح والنظام السياسي لوضعت نفسها كقربان وككبش فداء حتى لا تتأذى فتح وحتى لا ينهار النظام السياسي، وحتى لا ندخل في متاهات "دول الربيع العربي" التي لم تستطع حتى الآن الخروج من بحور الدماء.

الظاهر للعيان أيضاً أن الحكومة تحاول البقاء على كرسيها حتى ولو على حساب سخط الشارع على النظام السياسي ككل.

على الحكومة أن تكون جريئة لساعة واحدة فقط، وأن تتحمل مسؤوليتها كاملة، فالحكومة وأي حكومة سابقة أو لاحقة مهمتها صون حياة الناس، وليس صون حياتها وتعزيز بقائها!

على الحكومة إن كانت تهتم للنسيج المجتمعي وللقضية الفلسطينية ألا تسمح لأي طرف بركوب الموجة، وأن تتصدر هي المشهد وتحمي ملف نزار من الطفيليات التي تحاول الالتصاق به لتحقيق مصالح حزبية.

نزار بنات صار أيقونة للرأي وحرية التعبير، وعلى الفصائل في الضفة الغربية وقطاع غزة وعلى المجتمع المدني والمواطنين أن يتشبثوا بهذه الأيقونة حتى لا تتكرر المأساة كما حدث في قطاع غزة أو الضفة.

على فتح أن تتعظ مما جرى وأن لا تسمح لحكومة بأن تشوه صورتها ونضالها وثورتها، وعلى حماس أن تكف عن ركوب الموجة، فمن قتلتهم في غزة بسبب الاختلاف في الرأي كثر، وعليها أن تنظر في المرآة ألف مرة قبل أن ترفع رايتها في جنازة نزار بنات الذي لو قُدر له أن يخرج من قبره لغضب كعادته من محاولة السياسيين استثمار أرواح الناس لتحقيق مصالح ضيقة!

دم نزار بنات حتى لا يذهب رخيصاً يجب أن يُعلن عن موعد الانتخابات الجديد، وأن ينتهي الانقسام، هذان الأمران إذا تحققا يُمكن لأبناء نزار أن يطمئنوا بأن دم أبيهم لم يُهدر عبثاً.