كل شيء يتغيَّر .. إلا خطاب فصائلنا!
رئيس التحرير

كل شيء يتغيَّر .. إلا خطاب فصائلنا!

كتب رئيس التحرير: فلسطين في حزيران 2021 لا تُشبه أبداً فلسطين قبل عام أو اثنين أو مئة، إلا بأمر واحد، وهو خطاب الفصائل منذ تأسيسها إلى يومنا هذا! .. الدليل؟ افتح جريدة القدس قبل 20 عاماً واقرأ صفحتها الأولى!

كل شيء يدور مع عجلة الحياة في فلسطين إلا الفكر الفصائلي الذي ظل محشوراً بشعارات وكليشيهات عاف عليها الزمن، دون تحديث للخطط، دون ابتكار، دون معرفة الواقع والتكيف معه، حتى الحروب لم تغير تفكيرنا، حتى الدم الفلسطيني الذي سال نهراً في قطاع غزة لم يستطع إزالة أكوام الغبار عن أدمغة الأحزاب الفلسطينية!

لم يستطع الفلسطينيون بفصائلهم وأحزابهم ومؤسساتهم استخلاص دروس وعبر قابلة للتطبيق بعد كل كارثة تحل بهم، دليل ذلك هو أن فصائلنا ومؤسساتنا بقيت على خطابها القديم حتى الآن، فلم تستثمر ولم تحاول خلق حصاد سياسي للواقع الجديد بعد معركة القدس.

القادم أكثر ظُلمة لفلسطين وأهلها، فرئيس الحكومة الإسرائيلية المقبل يائير لابيد يفتخر جهاراً نهاراً أنه قتل الكثير من العرب، حكومة دموية جديدة ستتصدر المشهد في إسرائيل، فماذا أعدت لها فصائلنا وقوانا وأحزابنا؟ هل ستتصدى لها بالانقسام والبيانات "الفارطة"؟ 

"يتعشّم" الفلسطينيون بدنو وقت إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة بعد كل مفترق طرق، إلا أنهم سرعان ما يُدركون أنهم باتوا أبعد وأبعد من تحقيق المصالحة والوحدة، وآخر الصدمات كانت عودة "الردح" بين حماس وفتح بعد تأجيل الانتخابات.

كان يُمكن أن يُبنى على اجتماع الفصائل الفلسطينية في القاهرة، إلا أن الأمر لم يختلف كثيراً عن الاجتماعات السابقة، حتى أن مراقبين يرون أن الفجوة بين الأحزاب خصوصاً حماس وفتح باتت أكبر، ما اضطر مصر إلى تأجيل اللقاء تحت ذريعة الانشغال الداخلي.

من شدة ضعفنا الداخلي بات خطابنا يدعو العالم لأن يكون فلسطينياً أكثر من الفلسطينيين أنفسهم! نحن نطالب بوقف التطبيع وبضائع إسرائيل على رفوف دكاكيننا ومولاتنا، نطالب العالم بمقاطعة إسرائيل ونحن نتعامل بعملتها ونبني مستوطناتها! وهنا لا نلوم العامل البسيط، بل نلوم منظومة الحكم التي دفعت الناس لطلب لقمة عيش مخلوطة بدم!

يجب أن يعود الفلسطيني فلسطينياً حتى يستطيع الدفاع عن أرضه، وحتى يعرف أصلاً عن أي شيء يدافع، وخلف أي قضية يتمترس، علينا الكف عن الطلب من الخارج أن يتدخل أو يقاطع أو يشجب، يجب أن تنطلق الإصلاحات من الداخل، وعندما يرانا العالم يداً واحداً سيمد يده إلينا!

الخروج من الكلاشيهات والعقليات القديمة ضروري لنهضة قضيتنا، الشعارات المستهلكة والمطالبات العقيمة لن تصد الاستيطان، ولن توقف ماكينة القتل الإسرائيلية، لن تحل قضيتنا بحكومة جديدة أو دورة حوارات إضافية، سنضع عجلتنا على السكة الصحيحة عندما نعرف ما نريد، وعندما يكون لنا "خطة". عندما نبتعد عن الارتجالية، ونقترب من التنظيم والتخطيط والتفكير سنقترب أكثر من تحقيق حلم الدولة.

جنباً لجنب مع تغيير العقلية التي عفا عليها الزمن، يجب أن نمتلك الجرأة لتغيير أصحاب هذه العقليات، ليس انتقاصاً وإنما احتراماً لهم، فنبع الماء وهو نبع ماء يجف في يوم من الأيام، فكيف للعقل أن يظل معطاءً على نفس الوتيرة حتى بعد تقدمه في السن؟ علينا أن نكون صريحين وصادقين مع أنفسنا، وأن ننظر في المرآة لنرى عيوبنا ونقاط ضعفنا، لإصلاحها (إن أردنا ذلك).

مع البناء في الداخل، علينا نفض الغباء أيضاً عن ممثلينا وسفاراتنا وقناصلنا، فهم وجهنا في الخارج، وقضية مثل فلسطين تحتاج لأن يمثلها من يستحقون التمثيل، لا أن يُخلّد من يجلس على كرس السفارة، أو الوزارة المعنية بتنظيم شؤوننا مع دول العالم!

نهاية القول، هل نعرف نحن الفلسطينيون ماذا نريد؟ ".. وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظمُ".