أمريكا وفلسطين.. فتح صفحة جديدة أم تكتيك عابر؟
رئيس التحرير

أمريكا وفلسطين.. فتح صفحة جديدة أم تكتيك عابر؟

كتب رئيس التحرير: جذبت فلسطين أنظار العالم بأسره إبان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فالتفت العالم إلى قضية أهمِلت عمداً من قبل الإدارة الأمريكية السابقة، بل وضغطت تلك الإدارة على دول عربية لإجبارها على تهميش القضية الفلسطينية وجعلها في آخر قائمة الأولويات أو شطبها نهائياً.

دفعت الحرب على غزة الإدارة الأمريكية إلى فتح خطوط مع الفلسطينيين، وتحركت تلك الإدارة تحت ضغط الرأي العام العالمي والأمريكي وفظاعة ما ارتكبته إسرائيل، للإسراع بإيجاد حل لحقن الدماء ووقف العدوان، وتخيلوا لو أن إدارة ترامب هي من كانت تستلم سدة الحكم، تخيلوا كم من الشهداء والمجازر سنحصي دون أن يرف جفن لساكن البيت الأبيض الجمهوري المتطرف!

لا شك أن سياسة الرئيس بايدن والمستمدة من سياسة الحزب الديموقراطي في أمريكا تختلف كثيراً عن سياسة ترامب والحزب الجمهوري خصوصاً فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهي قريبة جداً من سياسة أوباما، وهنا لا يجب أن يغيب عن بالنا سماح أوباما والذي كان بايدن نائباً له بتمرير القرار رقم 2334 في مجلس الأمن ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 2016 والذي يتحدث عن عدم شرعية المستوطنات والاستيطان ويؤكد مكانة القدس والأراضي المحتلة.

ولا شك أيضاً أن السياسة الأمريكية تراعي بل إن أولوياتها في المنطقة حماية أمن إسرائيل والحفاظ عليها، لكن ما يختلف هنا عن سياسة ترامب هو محاول بايدن إحداث توازن في العلاقة أو على الأقل عدم تهميش الفلسطينيين، لذا فقد ركزت الإدارة الأمريكية الحالية على مسألة حق الفلسطينيين والإسرائيليين سواسية في العيش بأمن، أي أن عين الرئيس الأمريكي باتت ترى شعباً إسمه الشعب الفلسطيني، بعد 4 سنوات من تهميش وتدمير ترامب للقضية الفلسطينية ومحاولة تصفيتها وحذفها من قاموس النظام الدولي.

كثف بايدن خلال الحرب على غزة محاولاته لوقف العدوان، ومعه دول عربية وأوروبية ليتوصلوا في نهاية المطاف إلى وقف غير مشروط لإطلاق النار، تبعه ارسال وزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن الذي زار دولة الاحتلال وفلسطين مع تصريحات مختلفة تماما عن سياسة الادارة الامريكية السابقة، وموقف مغاير لما كان سيتخذه ترامب لو أنه ظل رئيساً.

تعتبر خطوات بايدن تجاه القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل تحولاً كبيرا في السياسة الأمريكية إبان حكم ترامب، فها هو الرئيس الديموقراطي يؤكد أنه سيعيد فتح مكتب منظمة التحرير في الولايات المتحدة، وأنه سيعيد فتح القنصلية الأمريكية في القدس، ما يعني بالمحصلة دفناً لصفقة القرن التي كان البنط العرض فيها (القدس موحدة عاصمة لدولة إسرائيل)، وهي -أي أمريكا- تعيد الاعتراف ولو ضمنياً برؤية القانون الدولي للقدس ومكانتها وفق القرارات الدولية، حيث تنص قرارات الأمم المتحدة على أن القدس الشرقية عاصمة لفلسطين.

كما نسفت إدارة بايدن قرار ترامب بتجفيف الدعم للفلسطينيين والذي طال مستشفيات القدس، حيث أعلنت أمريكا عن مساعدات للسلطة الوطنية تصل إلى 360 مليون منها 75 مليون تدفع بشكل عاجل.

هذا التحول في السياسة الأمريكية يُقرأ من أكثر من زاوية، إحداها أن واشنطن لا تريد تصعيداً في الشرق الأوسط يُضاف إلى الاضطرابات التي تشهدها المنطقة، والتي تحاول أمريكا نزع فتيلها مبتدئة بالملف النووي الإيراني. آخرون يرون في السياسة الأمريكية الحالية تكتيكاً عابراً، وطرف ثالث يؤمن أن سياسة بايدن هي استمرار لنهج الإدارات الديموقراطية التي وعلى مر التاريخ الأمريكي كانت الأقل دخولاً في حروب وصراعات مسلحة.

كانت زيارة بلينكن للمنطقة وضعاً للنقاط على الحروف، وتأكيداً لنتنياهو أنه ليس اللاعب الوحيد في المنطقة، وأن الإدارة الأمريكية الحالية لن تكون إسرائيلية أكثر من إسرائيل، وأنها أي أمريكا من يُمسك خيوط اللعبة في النظام الدولي وعلى الآخرين أن ينقادوا ويوافقوا، تطبيقا لمقولة للرئيس الأسبق أوباما تحمل نفس المضمون.

لن تتخلى أمريكا أبداً عن إسرائيل، بل ستظل تدافع عنها وستمنع أي قرار يدينها في مجلس الأمن، لكنها ستحاول تغيير قواعد اللعبة، أو على أقل تقدير ستحاول إدارة الصراع الحالي ومنع تفاقمه حتى تستلم إدارة أمريكية أخرى الحكم.

عودة الملف الفلسطيني إلى طاولة السياسة الدولية يجعل من الضروري والواجب على الفصائل الفلسطينية التوحد كما كانت في معركة غزة حول برنامج سياسي مقبول عالميا، ليستمر تمتين الجبهة الداخلية الانطلاق نحو العالم للبحث عن حلول لمصيبة الشعب الفلسطيني، تلك الحلول التي نصت عليها المواثيق والقرارات الدولية.

باختصار علينا ان نستغل الحراك الدولي والعربي، والذي حول مقر الرئاسة الفلسطينية إلى محجّ لدول عربية وأجنبية في محاولة لتدارك الموقف والبحث عن حل وكذلك مع اسماعيل هنية في قطر وغيرها وجميعهم يتحدث عن الحل السياسي للقضية الفلسطينية، بالتالي علينا ان لا نسمح بأن تكون هذه الزيارات "طفاية حريق" بل سياسات لإنهاء الصراع العربي الاسرائيلي ومنع اشتعاله مرة أخرى بالتعامل بايمان وقناعة ان الوضع الفلسطيني قبل أيار 2021 يجب أن لا يظل كما بعد هذا التاريخ.