الحرب الأخيرة تؤكد: فلسطين مربط الفرس!
رئيس التحرير

الحرب الأخيرة تؤكد: فلسطين مربط الفرس!

كتب رئيس التحرير: لم يكن نتنياهو مُدركاً أن قرار الحرب على غزة كان قراراً بإعادة القضية الفلسطينية إلى المسرح الدولي وبقوة، حتى أن الإدارة الأمريكية التي كانت مترددة في فتح قنوات اتصال عالية المستوى قررت فتح أكبر قناة، فتدخل الرئيس الأمريكي شخصياً في محاولة لاحتواء الأزمة وإخماد نار الحرب التي أحرجته عالمياً لوقوفه لجانب إسرائيل.

كانت الحرب على قطاع غزة "حرب تحرك" للجمود السياسي الذي اعترى القضية الفلسطينية، فأيقن العالم أن فلسطين بضفتها وقطاعها وقدسها هي مربط الفرس، وهي الحل الوحيد للصراع في الشرق الأوسط كله، كما أيقنت الإدارة الأمريكية ومعه العالم أن التطبيع العربي الغبي والمتخاذل لم يكن ولن يكون حلاً أبداً، فماذا استفادت إسرائيل من الامارات خلال الحرب على غزة؟ هل ساعدت دول التطبيع تل أبيب في صد صواريخ المقاومة مثلاً؟ 

خرج الفلسطينيون من تحت أنقاض البنايات المدمرة في قطاع غزة أقوى وأصلب، خرجوا بوحدةٍ لم نشهدها، فالداخل تكاتف مع الضفة، والضفة تآزرت مع القدس في مشهد أبكى الكثيرين، وفي صورة لم نرها منذ 70 عاماً.

خرج الفلسطينيون أقوى رغم الجراح، ورغم عشرات الشهداء الذين ارتقوا في مجازر إبادة إسرائيلية، وأكدوا أن الضربة التي لا تقتل تزيدن قوة.

هبت القدس وتفجر احتقان الشعب الفلسطيني في كل مدن فلسطين من النهر للبحر وانطلق شبان وشابات فلسطين بانتفاضة عارمة ولبت غزة النداء من حناجر الفلسطينيين باطلاق حوالي 4500 صاروخ استهدفت كل المناطق المحتلة والمستوطنات وفرضت منع التجول على كل دولة الاحتلال، وأوقعت الخسائر المادية والجسدية والاقتصادية في جسم الاحتلال، فسقطت نظرية الجيش الذي لا يقهر وظهر الجيش الاسرائيلي عاجزا بعدم وجود أهداف له وشح المعلومات الاستخبارية، فاستهدف ليرضي غروره وجبهته الداخلية باستهداف المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ وأبراج وبيوت سكنية.

لم يكن نتنياهو ليتخيل أن عربدته وتكبره سينقلب عليه، لم يكن ليتخيل أن الداخل المحتل الذي عملت عليه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لصناعة ما يسمى بالإسرائيلي الجديد ظل فلسطينياً حتى النخاع، وأنه في أي لحظة سيكون خنجراً في خاصرة نتنياهو وشوكة في حل المشروع الصهيوني.

هذه الوحدة الفلسطينية هي شاهدٌ سيوضع على قبر الصهيونية ومشروعها، والذي كان هدفه إقامة دولة يهودية في فلسطين التاريخية، أي دولة يهودية وفيها أكثر من 7 ملايين فلسطيني كلهم "ع الندهة"، كلهم سيتحول إلى قنبلة موقوتة إذا تم المساس بقدسهم ومقدساتهم! لقد فشل المشروع الصهيوني وأعلنت وفاته!

نتنياهو الأحمق الذي يبحث عن سراب في أروقة البيت الأبيض تعلق بثوب ترامب، آملاً أن يحقق له ترامب ما عجز عن تحقيقه أوباما وجورج بوش وكلينتون وغيرهم، فسار في طريق مجنون واشنطن، لكنه عاد بخفي حنين، عاد بصفقة قرن فاشلة، وبتطبيع غبي عاجز، وبفشل ذريع في إزاحة فلسطين والقدس عن طاولة السياسة العالمية.

لم يتعلم نتنياهو من تاريخ الاحتلال الإسرائيلي الذي حاول فرض الوقائع بالتطهير العرقي والتهجير، وكأنه عندما يُفرغ الأرض من ناسها فإن أهلها سينسونها، فاستغل مع بعض اليمينين الوضع العالمي إبان حكم ترامب، واستمر في استهداف تفريغ القدس من أهلها وتنفيذ سياسة التطهير العرقي ضدهم ولم يكن الشيخ جراح أول أو آخر هذه الاجراءات بل استهدف البلدة القديمة وحارات القدس ناهيك عن مضاعفة الاستيطان في الضفة الغربية وبدء بتقسيم زماني ومكاني للمسجد الاقصى وقبة الصخرة المشرفة.

خرجت دولة الاحتلال الإسرائيلي من الحرب عارية أمام دول العالم وأمام نفسها، رغم المحاولات المستميتة من اللوبي الإعلامي الصهيوني في العالم لتحسين صورتها وقلب الحقائق، خرجت تل أبيب أضعف، والفلسطينيون أقوى وأعنَد.

أيقنت إسرائيل أن الانقسام الفلسطيني يقتصر على أشخاص بعينهم، وأن الشعب لم يكن يوماً منقسماً، بعكس مجتمعها الداخلي الذي يعاني نخراً ودماراً في نسيجه، وعلمت تل أبيب أن تغذية الانقسام لم تكن إلا تقوية للروح المجتمعية في الشارع الفلسطيني الذي تأكد مرات ومرات أن إسرائيل هي من تحاول إدامة الانقسام الجغرافي والوطني الفلسطيني، ولأن الفلسطينيين يعشقون "الجكر" فإن خطط المشروع الصهيوني سيركلها شباب القدس في باب العامود وفي المثلث واللد والخليل ورفح.

كانت الحرب على غزة مليئة بالدروس للداخل وللخارج، ومن أهمها أن نتنياهو مستعد لإبادة شعبه حتى يبقى محتفظاً بكرسي الحكم وبعيداً عن قضبان السجن، فهو لا يختلف كثيراً عن بعض الأنظمة العربية المتخلفة التي رفعت شعار "إما الرئيس فلان أو لا أحد"، ومن بين الدروس أيضاً هي أن الفلسطيني لم يعتمد على قاعدة عربية، وهذا ما سيدفع العرب للتفكير كثيراً ولإعادة حساباتهم ومحاولة التقرب مجدداً من القضية الفلسطينية.

بالمحصلة، إسرائيل لم تحقق أي هدف من عدوانها سوى إبقاء نتنياهو على رأس الحكومة والمد في عمره سياسياً، أما الفلسطينيون ففي كل لحظة يقطفون ثمرة انتصار.